إرهابيون يستخدمون جبالاً في الصعيد مخابئ للتدريب

رصد منافذ لتهريب السلاح من جنوب البلاد... ومخاوف من قواعد لـ«داعش» بالمنطقة

أحد آثار خيام العناصر المتطرفة وسط جبال الصعيد («الشرق الأوسط»)
أحد آثار خيام العناصر المتطرفة وسط جبال الصعيد («الشرق الأوسط»)
TT

إرهابيون يستخدمون جبالاً في الصعيد مخابئ للتدريب

أحد آثار خيام العناصر المتطرفة وسط جبال الصعيد («الشرق الأوسط»)
أحد آثار خيام العناصر المتطرفة وسط جبال الصعيد («الشرق الأوسط»)

الكشف عن هوية مُنفذ حادث استهداف كنيسة مار مرقس بالإسكندرية بأنه ينتمي لأحد محافظات الصعيد، وأنه وآخرون تدربوا في جبال الصعيد (جنوب مصر)، فجر أزمة كبيرة تواجهها السلطات المصرية تتمثل في جبال الصعيد التي تستخدمها العناصر الإرهابية مكانا للتخفي، والتدريب على تنفيذ العمليات الإرهابية، والإعداد لها.
وقال مصدر أمني بمحافظة قنا بصعيد مصر لـ«الشرق الأوسط» إن «طبيعة جبال الصعيد وامتدادها على رقعة مترامية الأطراف، تسمح بحرية التحرك للعناصر المتطرفة دون رقابة تذكر، مما يجعل السيطرة عليها أمراً بالغ الصعوبة»، مضيفاً: إن «لديهم معلومات عن أن هذه العناصر الإرهابية التي تم توقيف بعضها تمتلك أسلحة ثقيلة ومتطورة وليست مجرد أسلحة محلية الصنع».
«محمود حسن مبارك» من قنا هو الانتحاري الذي نفذ تفجير كنيسة مار مرقس بالإسكندرية.. هكذا أعلنت وزارة الداخلية المصرية.. وأضافت: أن المجموعات الإرهابية التي منها «مبارك» كانت تتلقى تدريبات عسكرية في جبال محافظة أسيوط، وكانوا يشاهدون فيديوهات (المتطرفين) على الإنترنت ويقلدونها.. وأن الأجهزة الأمنية توصلت لمعسكر التدريب بأحد الجبال وقتلت 7 من أفراد الخلايا الإرهابية، الذين كانوا موجودين بالمكان، فيما تلاحق باقي العناصر الإرهابية الهاربة.
ضبط مُنفذ تفجير كنيسة الإسكندرية، وإعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عن التفجير، يذكِّر بمزاعم سابقة كان قد أطلقها التنظيم في عام 2015، عندما أعلن عن تأسيس فرع له في الصعيد على غرار ما يعرف بـ«ولاية سيناء»، لكن مصادر مصرية قالت إنها «تحكم قبضتها على مدن الصعيد».
إلا أن المصدر الأمني قال إن هناك مخاوف من قيام عناصر «داعش» بزرع عناصر له في جبال الصعيد، للإعداد لعمليات إرهابية جديد في مناطق لا يعلم أحد عنها أي شيء، بسبب وجود مساحات كبيرة من محافظات أسيوط إلى أسوان، وهي عبارة عن صحراء خالية ومعظمها جبال وكثبان رملية.
وسبق أن عثرت السلطات في عام 2014 على 25 صاروخاً مضادا للطائرات و500 قذيفة في إحدى المناطق الجبلية بمحافظة أسوان.
وقال مراقبون إنه نظراً لطبيعة الصعيد الجغرافية فقد سمحت رقعتها بتحرك جماعات لتجارة السلاح دون رقابة في أماكن مختلفة، حيث لم يعد مقتصراً على الأسلحة الصغيرة أو محلية الصنع فقط، بل امتد ليشمل أسلحة ثقيلة ومتطورة لم تكن متاحة وربما غير معروفة من قبل، فضلا عن تصنيع القنابل بدائية الصنع.
وكشفت إحصائيات عن مصادر أمنية عن أنه تم ضبط 11 ألف ورشة تصنيع أسلحة بدائية الصنع تُصنِّع «الكلاشنيكوف» والـ«جرينوف» والخرطوش في صعيد مصر، وذلك عقب أحداث عنف شهدتها قرية «البلابيش» بمحافظة سوهاج في مارس (آذار) الماضي.
وزارة الداخلية أكدت في السياق نفسه، أنها تمشط المناطق الجبلية بشكل واسع، خصوصاً في الصعيد، والمناطق التي كانت تحتمي بها العناصر الإرهابية، وقال المصدر الأمني نفسه إن «مسافات طويلة من الكيلومترات في الجبال الوعرة بالطريق الغربي لنهر النيل بطول محافظات الصعيد، يصعب مراقبتها».
ويقول خبير في الدروب الصحراوية التي تمثل ظهيراً لمحافظة قنا، إنه «بطول هذه المسافة الكبيرة لا يوجد أي نقاط أمنية أو مرتكزات؛ إلا عند مداخل المحافظات، وهي على استحياء»، على حد وصفه، لافتاً إلى أن هذه الطرق يصعب المرور فيها ليلاً لوجود عناصر متطرفة وإجرامية تتخفى في هذه الجبال والدروب الصحراوية.
بينما قالت مصادر أمنية: «إن بُعد المسافات بين نقاط المراقبة ووعورة الصحراء جعلا الجبال ملاذاً للتدريب على الأسلحة والمتفجرات».
مراقبون أكدوا أن توجه «داعش» للصعيد لا يخلو من دلالة، حيث إن الصعيد من الأطراف المهمشة والمحرومة من الخدمات، فهي مناطق شديدة الفقر، والطبيعة الجغرافية الصعبة للصعيد وامتداده يسمحان بحرية تحرك العناصر المتشددة وتجارة السلاح دون رقابة في أماكن مختلفة منه؛ مما يجعل السيطرة عليهم أمراً بالغ الصعوبة. وسبق أن اعتمدت عليها الجماعة الإسلامية وجماعات مماثلة أخرى في تنفيذ أعمال عنف في تسعينات القرن الماضي.
وأعلن الجيش المصري مؤخراً سيطرته على «جبل الحلال» في سيناء، وقال العقيد تامر الرفاعي المتحدث العسكري مطلع أبريل (نيسان) الحالي، إن «قوات الجيش الثالث فرضت السيطرة الكاملة على جبل الحلال وطهرت الكهوف والمغارات، وقضت على كثير من التكفيريين وضبطت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات».
وتنفي مصر أي وجود حقيقي لتنظيم «داعش» على أراضيها، ويقول مراقبون إن التنظيمات الموجودة عبارة فقط عن فقط مجموعات إرهابية من حماس معظمها دخل البلاد في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي.
من جهته، قال الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء كمال المغربي، لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الشرطة لا تتهاون في تكثيف الحملات على الجبال والبؤر التي تنتشر فيها الجماعات المتطرفة»، مشيراً إلى أنه «الحل الآن هو وجود مُرتكزات أمنية أكثر في الطرق الصحراوية، وعمل لجان تفتيش على هذه الجبال داخل نطاق كل محافظة، حتى نستطيع حماية البلاد من مخطط قد لا يقل عما يحدث في سيناء».
أحد أدلة الدروب الآخرين في المنطقة الجبلية في أسيوط، قال إن العناصر الإرهابية تقوم بتهريب الأسلحة لمصر من الحدود الجنوبية، ومن الصحراء الغربية، أو عن طريق سلاسل جبال البحر الأحمر، مضيفاً أن هذه الرحلة تستغرق ما يقرب شهر، ويتم نقل الأسلحة عبر الدروب الصحراوية بواسطة الجمال في مناطق نقاط الحدود ضعيفة الحراسة إلى أن يتم دفنها في الصحراء بواسطة صناديق خشبية، ثم يتم نقلها تدريجياً في سيارات، كما أن هناك طريقاً آخر عبر المسطحات المائية النيلية، وتكون المراكب الكبيرة هي أداة نقل هذه الشحنات، بحيث يتم تفكيك السلاح وتخبئته في أسفل المراكب إلى أن يتم توصيله إلى قرى مطلة على نهر النيل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.