الرئيس الفرنسي: الضربة الأميركية قد تفتح الباب أمام الحل السياسي في سوريا

قال لصحيفة «لوموند» إنه يستبعد مزيداً من التصعيد بين واشنطن وموسكو

الرئيس الفرنسي: الضربة الأميركية قد تفتح الباب أمام الحل السياسي في سوريا
TT

الرئيس الفرنسي: الضربة الأميركية قد تفتح الباب أمام الحل السياسي في سوريا

الرئيس الفرنسي: الضربة الأميركية قد تفتح الباب أمام الحل السياسي في سوريا

لم تفاجَأ باريس بلجوء موسكو إلى استخدام حق النقض (الفيتو)، لإجهاض مشروع القرار الذي قدَّمَتْه بالاشتراك مع بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، بالنظر إلى الأجواء التي سادت مناقشات مجلس الأمن، خصوصاً بسبب التوترات بين الغرب وروسيا، عقب الضربة الصاروخية الأميركية ضد مطار الشعيرات السوري.
وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يتعين الاستمرار في استخدام الملف الكيماوي للضغط على النظام من جهة، وعلى حلفائه من جهة أخرى ودفعهم لتقديم تنازلات سياسية»، يجب أن تترجم لاحقاً على طاولة المفاوضات. وبحسب هذه المصادر، فإن الملف الكيماوي يُعد إحدى الوسائل الضاغطة بشكل رئيسي على الطرف الروسي إذ إنه يظهر «عزلته» داخل مجلس الأمن وخارجه، و«الدليل على ذلك أن بوليفيا وحدها صوتت ضد مشروع القرار، فيما صوتت عشر دول لصالحه». وتعتبر هذه المصادر أن العودة إلى مجلس الأمن تندرج ضمن المعطى الجديد الذي يحيط بالحرب في سوريا وعنصره الأول عودة الانخراط الأميركي بعد سنوات من التردد والمراوحة، وهدفها أن تدفع موسكو، أخيراً، إلى العمل من أجل حل عنوانه «الانتقال السياسي».
وجاء رد باريس الرسمي على «الفيتو» الروسي عنيفاً، إذ اعتبر الرئيس هولاند في بيان صدر عن قصر الإليزيه، ليل أول من أمس، التي شهدت التصويت، أن روسيا «تتحمل مسؤولية ثقيلة، لأنها بهدف حماية حليفها الأسد تعرقل بصورة منهجية التوصل إلى حل متعدد الأطراف» للملف السوري، كما أنها «المرة الثامنة التي تختار فيها الوقوف ضد الغالبية في مجلس الأمن الدولي».
واعتبر وزير خارجيته جان مارك أيرولت أن قرار موسكو «غير مفهوم وغير مبرر» رغم أن روسيا استخدمت حق النقض للمرة الثامنة.
بيد أن ما يشغل باريس هو الالتفات إلى ما ستغيره «السياسة الأميركية الجديدة» في الأزمة السورية، وكيفية انعكاسها على العلاقات مع روسيا وأطراف النزاع الأخرى. وكشف هولاند أن واشنطن أطلعَته على عزمها توجيه الضربة الصاروخية قبل عدة ساعات فقط من القيام بها. وقال فرنسوا هولاند إن الفترة الزمنية القصيرة «لم تكن تسمح بالمشاركة في هذه العملية التي تتطلب عدة أيام من التحضير». لكنها لو طلبت منه أن يكون طرفاً فيها «لكنا نظرنا في القيام بعملية مشتركة»، مما يعني أن باريس التي أيدت الضربة الصاروخية الأميركية على لسان أعلى مسؤوليها، كانت مستعدة، في حال توافرت لها الظروف، للمشاركة في هذه العملية.
وبحسب هولاند، لو حصل استخدام لاحق للسلاح الكيماوي من قبل النظام السوري، «سيكون من الصعب على (الرئيس) ترمب أن يبقى مكتوف اليدين». ولا يعتقد الرئيس الفرنسي أن الأمور سائرة نحو التصعيد العسكري بين واشنطن وموسكو، وحجته أن ردة الفعل الروسية على الضربة الصاروخية الأميركية «لا تدل على ذلك».
وفي أي حال، فإن مصادر فرنسية رسمية قالت لـ«الشرق الأوسط»، أول من أمس، إن «مصداقية واشنطن على المحك ولن تؤخذ على محمل الجد إذا بقيت الضربة الصاروخية يتيمة رغم استفزازات النظام، إما الكيماوية أو من خلال استخدام البراميل المتفجرة». وبعد أربع سنوات، ما زال هولاند يتأسف على تراجع الرئيس أوباما عن «معاقبة» قوات النظام السوري بسبب استخدامها السلاح الكيماوي ضد الغوطتين الشرقية والغربية صيف عام 2013، بعد أن كان قد جعل من الكيماوي «خطاً أحمر».
وبرأيه، أنه لو عمد أوباما إلى تنفيذ تهديداته لكان الوضع في سوريا تغير جذرياً. والحال أن الرئيس الأميركي تراجع في اللحظة الأخيرة، مما حمل باريس التي كانت قد حضرت خططها لضربات عسكرية، وأعطيت الأوامر لطائرات «الرافال»، على التراجع.
وجاءت تصريحات هولاند في حديث نشرته أمس صحيفة «لوموند» المستقلة. ووفق قراءته، فإن التطورات العسكرية الأخيرة فتحت الباب لإعادة الأطراف المعنية بالحرب في سوريا إلى طاولة المفاوضات. ورغم التأييد المعلن لواشنطن، فإن باريس كانت تفضِّل أن يمر العقاب العسكري عبر مجلس الأمن الدولي أو أن يكون عملاً «جماعياً» وليس انفرادياً.
يرى هولاند أن ما يكون قد دفع ترمب للجوء إلى السلاح، هو رغبته في إظهار أنه «مختلف» عن سلفه، وأنه قادر على التحرك والقيام بعمل حازم. لكنه «يتخوف» من أن يكون عمله «مرتجلاً تماماً». ولذا فإنه يطرح أسئلة حول معنى قراره، وما إذا كان يندرج في «إطار استراتيجي». والمشكلة بالنسبة إليه أنه إذا ثبت لاحقاً أن ما يميز عمله هو الارتجال، فقد يأتي زمن «سيكون من الصعب مواكبة» ترمب، بمعنى دعمه وتأييده. وفي أي حال، يريد هولاند الانتظار.
وبحسب أكثر من مصدر فرنسي، فإن باريس «لم تعرف» حتى الآن ما هي الخطط الأميركية في الشرق الأوسط وفي سوريا بالذات. وحتى اليوم، لم يلتقِ هولاند الذي سيغادر قصر الإليزيه بعد أسابيع قليلة، الرئيس ترمب، وربما سيكون اللقاء الوحيد بين الرجلين في إطار قمة العشرين التي تنعقد في الخامس العشرين من مايو (أيار) المقبل، أي بعد أن تكون قد برزت نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي لا يترشح لها هولاند.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.