ماذا بعد رسالة ترمب الصاروخية إلى الأسد؟

قراءة سياسية للضربة الأميركية

جانب من قاعدة الشعيرات الجوية بعد اصابتها بالصواريخ الأميركية (أ.ف.ب)
جانب من قاعدة الشعيرات الجوية بعد اصابتها بالصواريخ الأميركية (أ.ف.ب)
TT

ماذا بعد رسالة ترمب الصاروخية إلى الأسد؟

جانب من قاعدة الشعيرات الجوية بعد اصابتها بالصواريخ الأميركية (أ.ف.ب)
جانب من قاعدة الشعيرات الجوية بعد اصابتها بالصواريخ الأميركية (أ.ف.ب)

ماذا بعد؟ كان هذا السؤال الذي شاع وانتشر في العواصم الغربية بعد ساعات من توجيه الولايات المتحدة الأمر بشن هجوم صاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية السورية، وهو الهجوم الذي دمر 9 طائرات قاذفة وتسبب في إعطاب 5 طائرات أخرى على نحو ما ذكرت التقارير الإخبارية.
حاول بعض المحللين الاجتهاد لسبر غور هذه العملية المخطط لها بعناية فائقة، مدعين أنها تعد بداية لاستراتيجية أميركية واسعة النطاق فيما يتعلق بسوريا. وهوّن البعض الآخر من الأمر واصفين العملية بأنها مجرد خطوة ترمي إلى تعزيز موقف الرئيس دونالد ترمب وتؤكد أنه الرجل الذي يعني ما يقول.
الحقيقة أنه من السابق لأوانه كثيرا تحديد أي وجهات النظر الأقرب إلى الحقيقة والواقع. ولكن لدينا هنا عدد من النقاط المؤكدة بالفعل.
أولا، العملية كانت مصحوبة بتصريحات رسمية من كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، بأن واشنطن تعود إلى مطالبها الأولى بأن أي تسوية في سوريا لا بد أن تشتمل على جدول زمني واضح المعالم، ومحدد الخطوات، وقصير الأمد... ذلك الذي ينتهي بمغادرة الرئيس بشار الأسد السلطة في البلاد.
بعبارة أخرى، إن إدارة الرئيس ترمب قد اعتمدت ما يسمى قرارات جنيف 1 التي تشمل تحديداً نهاية حكم آل الأسد في سوريا، باعتبارها النقطة المرجعية الرئيسية إزاء أي اتفاقيات مستقبلية تتضمن روسيا وغيرها من البلدان. كما أن اتفاقات جنيف 1 تحظى بدعم قوي من جانب الاتحاد الأوروبي وغالبية الدول العربية المعنية. ولقد تأكد الدعم العربي لاتفاقات جنيف 1 من خلال تصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء مؤتمر القمة الذي جمعه بالرئيس دونالد ترمب في واشنطن مؤخرا.
والنقطة الواضحة الثانية تدور حول تخلي الإدارة الأميركية الحالية عن الموقف المتخذ من جانب الرئيس الأسبق باراك أوباما - أي فكرة «القيادة من الكواليس» - واستئناف الدور القيادي التقليدي الذي اعتادت الولايات المتحدة الاضطلاع به في القضايا ذات الأهمية الكبرى على الصعيد العالمي. وحقاً، تشير سرعة الترحيب الدولية بالهجوم الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية من جانب الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم بريطانيا العظمى وفرنسا، إلى أن حلف شمال الأطلسي «ناتو» يؤيد قرار الرئيس ترمب بإنهاء الدور الأميركي السلبي فيما يتعلق بسوريا.
وأمس، تحدث وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون بعبارات رنانة حول الخطوة الأميركية الأخيرة، مؤكدا أن رحيل الرئيس الأسد عن السلطة عاد، مرة أخرى، ليتصدر قائمة أولويات الأجندة الأميركية. أما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي شعر بنوع من الخيانة من جانب الرئيس الأسبق أوباما لتراجعه في اللحظة الأخيرة عن مزاعمه حول سياسة «الخطوط الحمراء» المعلنة، فقد رحب كثيرا بالقرار المتخذ من جانب الرئيس دونالد ترمب.
والنقطة الواضحة الثالثة لدينا تتعلق بآليات الدولة في الولايات المتحدة الأميركية، ونقصد في هذه الحالة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على وجه التحديد، التي عادت إلى نشاطها الأول المعهود. ولقد كانت تلك الآلية قيد الحياد الغريب في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما من قبل البيت الأبيض وقرارات الاعتراض الرئاسية على العمليات التي أشار إلى ضرورتها كثير من الخبراء والقادة العسكريين والدبلوماسيين، وفي كثير من الأحيان كانت تلك الاعتراضات تصدر في اللحظات الأخيرة.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، رفع الرئيس ترمب القيود المفروضة من قبل الرئيس أوباما على وزارة الدفاع الأميركية، وأصدر أوامره إلى وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس بإعادة تفعيل آليات التخطيط الطارئة في جيش الولايات المتحدة الأميركية.
لقد كان الهجوم الصاروخي الخميس الماضي عبارة عن عملية عسكرية تقليدية من النوع الذي استخدمه مختلف رؤساء الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، الذي أصدر الأوامر بشن هجوم مماثل على قواعد المسلحين في لبنان. وفي أعقاب الهجوم الأول الذي شنه تنظيم القاعدة الإرهابي على مركز التجارة العالمي في نيويورك في فبراير (شباط) من عام 1993، استخدم الرئيس الأسبق بيل كلينتون الهجمات الصاروخية ضد القواعد الإرهابية في السودان وأفغانستان.
بعد ذلك، فإن الهجوم الصاروخي، حتى وإن تبين أنه لا يزيد على كونه ممارسة «إشارية» دبلوماسية، فهو يُضعف الادعاءات بأن إدارة الرئيس ترمب تتسق، بطريقة أو بأخرى، مع المسارات المتخذة من جانب الكرملين حيال القضايا الدولية الكبرى على أدنى تقدير.
وأخيرا، إذا كانت خطوة الرئيس ترمب تشير إلى عودة الولايات المتحدة لتولي دورها القيادي في العالم، فإن ذلك يعني ارتفاع احتمالات توجه الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة بمساوقة سياساتهم الخارجية حيال الأزمة السورية مع سياسات الولايات المتحدة. وكان موقف الرئيس أوباما الغريب قد خلق نوعاً من التنافر أدى إلى اتخاذ مواقف متضاربة ونشوء سلوكيات متضادة من قبل الحلفاء الإقليميين وحلف شمال الأطلسي حيال الأزمة السورية.
إن الهجوم الصاروخي، بمعزل عن أمور أخرى، هو أكثر من مجرد وسيلة للبعث برسالة سياسية معينة. وفي هذه الحالة، فإن الرسالة الموجهة إلى الأسد ومن يدعمونه في موسكو وطهران هي أن كل عمل سوف يلقى عواقبه الخاصة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الأسلحة الكيماوية. وحقيقة أن الأسلحة الكيماوية والجرثومية هي، على نحو تقريبي، الأنواع الوحيدة المحظورة من الأسلحة فوق التقليدية بموجب المعاهدات الدولية، تشير إلى حالة الرعب والهلع التي تنتاب العالم المعاصر إزاء هذه الأسلحة.
ومن المحتمل أن يكون الأسد قد أراد اختبار ردود فعل الرئيس ترمب، ومعرفة ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد سوف يبتلع الهجوم الكيماوي بطريقة رد الفعل السلبي نفسها، التي بدرت من الرئيس باراك أوباما. وإذا كان الأمر كذلك، فلقد كان الرد واضحا وقويا لدى الرئيس السوري. وربما تخلى الرئيس ترمب عن وهمه السابق بسهولة رحيل الرئيس الأسد عن السلطة في سوريا على المدى الطويل. وربما رغب الرئيس الأسد، الذي يزعم أن فريقه على وشك الفوز في الحرب الطاحنة، في محاكاة تجربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي «فاز» في حربه ضد الأقلية الكردية عن طريق شن الهجمات الكيماوية على قرية حلبجة الكردية.
ومع ذلك، فإن هجوما صاروخيا وحيدا لا يعني على الإطلاق أن الرئيس ترمب قد وضع سياسة واضحة ومتماسكة بشأن الأزمة السورية، ناهيكم من الشكل المستقبلي للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي من دونه لن تغادر المنطقة حلبة الاضطرابات الحالية على الإطلاق.
ومن المتوقع أن يجتمع الرئيس ترمب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في إطار قمة مجلس القطب الشمالي المنتظر انعقادها في يونيو (حزيران) المقبل. ومن شأن المجلس المذكور أن يعقد اجتماعه الوزاري في الشهر المقبل. وإذا ما اجتمع الرئيسان ترمب وبوتين، فإنه من المؤكد أن تأتي الأزمة السورية على رأس جدول الأعمال؛ وهذا يعني أنه يتعين على الإدارة الأميركية إرساء أسس سياسة عملية ومتماسكة فيما يتعلق بسوريا وفي أقرب وقت ممكن. ومن خلال الإشارة إلى إنهاء حالة التردد التي اتسمت بها سياسات واشنطن، فإن هجوم الخميس الصاروخي على القاعدة الجوية السورية يوفر الفرصة السانحة تماما للقيام بذلك.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.