دبلوماسيون غربيون يستبعدون عملاً عسكرياً ضد النظام السوري

قالوا إن واشنطن وموسكو عملتا على تلافي أي «اشتباك» في الأجواء السورية

دبلوماسيون غربيون يستبعدون عملاً عسكرياً ضد النظام السوري
TT

دبلوماسيون غربيون يستبعدون عملاً عسكرياً ضد النظام السوري

دبلوماسيون غربيون يستبعدون عملاً عسكرياً ضد النظام السوري

بإشارتها إلى احتمال التدخل «المنفرد» في سوريا بسبب عجز مجلس الأمن والتعطيل الروسي المستمر، أعادت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي إلى دائرة الجدل يوم الأربعاء موضوع اللجوء إلى الخيار العسكري لمعاقبة النظام السوري على استخدامه مجددا السلاح الكيماوي. وجاء كلام الرئيس دونالد ترمب والكلمات الحادة التي صدرت عنه في اليوم نفسه، وذلك في المؤتمر الصحافي المشترك مع ملك الأردن عبد الله الثاني وتأكيد أنه «تم تجاوز كثير من الخطوط الحمراء». واصفا ما حصل في خان شيخون بـ«الأعمال الكريهة التي لا يمكن السماح بها» ليدفع بالمواقف الأميركية إزاء سوريا في مسار تصعيدي جديد. وبينت تقارير صحافية، التي نقلت عن «مسؤول أميركي كبير» تأكيده بوضوح أن «العمل العسكري لم يعد مستبعدا في سوريا»، وجود «استدارة حادة» في المواقف الأميركية؛ حيث إن الخطاب الأميركي «حتى الآن» بعد خان شيخون يختلف جذريا عما قبله. ولذا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة اليوم هو: هل الخطاب الأميركي من باب «التهويل» على روسيا لدفعها للامتناع عن عرقلة صدور قرار جديد من مجلس الأمن أو أن واشنطن يمكن أن تترجم تهديداتها غير المقنعة إلى عمل عسكري ميداني؟
تقول مصادر دبلوماسية غربية في باريس إنه «يتعين التزام جانب الحذر» قبل اعتبار فرضية التدخل العسكري أمرا ممكن الحصول، خصوصا على ضوء الحضور العسكري الروسي المكثف في سوريا وتمسك موسكو بالدفاع بقوة عن النظام السوري. وآخر من أدلى بصوته أمس كان الرئيس بوتين الذي اعتبر بشكل قاطع الاتهامات الموجهة للنظام «لا أساس لها من الصحة». وتعتبر هذه المصادر أن واشنطن «لا يمكن أن تغامر بعمل عسكري يمكن أن يؤدي إلى مواجهة بين قواتها والقوات الروسية» الأمر الذي لا يريده أي طرف من الطرفين. لذلك، فقد عملا في سوريا منذ نحو العامين على تلافي أي «اشتباك» في الأجواء السورية أو أي وضعية يمكن أن تؤدي إلى اشتباك. وفي هذا السياق، أشارت المصادر الغربية إلى البيان الواضح الذي صدر عن رئاسة الأركان الروسية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي عندما جرى تلميح إلى احتمال التدخل العسكري الغربي ضد النظام ومواقعه وطائراته لوقف عمليات القصف الجوي المدمرة التي استهدفت مدينة حلب. وجاء في البيان نصا: «نحن نذكر الاستراتيجيين الأميركيين بأن القاعدتين العسكريتين الروسيتين في طرطوس وحميم محميتان بواسطة بطاريات الصواريخ إس 300 وإس 400 القادرة على إصابة أي هدف طائر في الأجواء السورية». ويضيف البيان أن كثيرا من الضباط الروس موجودون في غالبية المناطق السورية؛ ولذا فإن «أي ضربات جوية أو إطلاق صواريخ تستهدف الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية سيعني وجود تهديد واضح للعسكريين الروس» وبالتالي، فإن الجانب الروسي سيعتبر، في حال قيام ضربات عسكرية، في وضعية الدفاع عن النفس.
بموازاة ذلك وردا على ما صدر عن المندوبة الأميركية، حذر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أمس من التصرف الأحادي معتبرا أنه «من المهم استصدار قرار دولي قبل أي تحرك منفرد في سوريا». وإذا قبلت واشنطن النصيحة البريطانية، فإنه من الواضح أن مجلس الأمن لن ينجح أبدا في استصدار قرار من هذا النوع. وحتى يومنا هذا ما زالت موسكو تعتبر أنه «غرر بها» في الموضوع الليبي عندما قبلت بالامتناع عن التصويت في شهر مارس (آذار) عام 2011 بشأن قرار يتيح التدخل «لحماية المدنيين» الليبيين. وكانت النتيجة أن باريس ولندن وواشنطن استخدمت القرار المذكور غطاء للإطاحة بالعقيد القذافي وتغيير النظام الليبي.
وتعتبر هذه المصادر الأوضاع قد تغيرت ما بين شهر أغسطس (آب) عام 2013، عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية، واللجوء إليه في خان شيخون وهو ما ينفيه أساسا. ووجه الاختلاف يكمن تحديدا في العنصر «الجديد» المتمثل في الوجود العسكري الروسي ولكن أيضا في تغير المشهد السياسي الحليف، وخصوصا في بريطانيا وفرنسا. صحيح أن القادة الغربيين يلجأون إلى لغة متشددة مثل الرئيس الفرنسي الذي طالب بـ«رد على مستوى التحدي» ولكن من غير أن يحدد طبيعة الرد المطلوب، أو وزير خارجيته الذي أكد أمس أن جريمة خان شيخون «لا يجب أن تمر دون عقاب في مطلق الأحوال»، أو أنه «سيأتي يوم يحكم فيه القضاء الدولي على بشار الأسد الذي يرتكب مجزرة بحق شعبه». كذلك صدرت تصريحات قوية ومشابهة عن نظيره البريطاني وعن المسؤولين الألمان. لكن ترجح المصادر الدبلوماسية أن هذا الضجيج «يخفي عجزا حقيقيا» سببه الأوضاع السياسية في هذه البلدان. فبريطانيا مشغولة بخروجها من الاتحاد الأوروبي وفرنسا بانتخاباتها الرئاسية والتشريعية وكذلك حال ألمانيا. وأمس، قال جان مارك إيرولت إن بلاده لن تشارك في تدخل عسكري بري في سوريا بعد تزايد المطالبات الدولية بالرد القوي على حادثة استخدام أسلحة كيماوية في محافظة إدلب السورية، مشددا على أهمية استصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بمعاقبة مرتكبي المذبحة وهو ما يحدد سقف «الطموحات» الفرنسية اليوم.
وهكذا، فإن كل هذه الدول ليست «جاهزة» لمواجهة الرأي العام الداخلي ولا لمزيد من التوتير مع روسيا. وقبل أن تقبل السير في مغامرة عسكرية فإنها سوف تسأل: متى وكيف وأين ومع من؟ وكلها أسئلة لا جواب عليها اليوم.
انطلاقا من التجارب السابقة، ترى المصادر الدبلوماسية أن الهدف الحقيقي للغربيين متعدد، فهو يستهدف، في مرحلة أولى، الضغط على روسيا من أجل تمرير قرار «مقبول» في مجلس الأمن الدولي. أما الهدف الثاني فهو حث روسيا على «لجم» النظام ودفعه للسير حقيقة في مفاوضات جدية يمكن أن تفضي إلى حل سياسي الأمر الذي لا يبدو أن الحكومة السورية قد «هضمته» حتى الآن بالنظر إلى ما حصل «أو لم يحصل» في الجولات التفاوضية الأخيرة في جنيف. بيد أن مصادر أخرى في باريس تنبه إلى أن الرئيس الأميركي «لا يشبه أي رئيس سابق» لأنه «يصعب توقع ردود فعله» وأنه «يستخدم هذه الخاصية عنصرا من عناصر سياسته».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.