سياسة الزيادة السكانية في إيران بين المد والجزر وتعود إلى أكثر من 50 عاما

النظام الحالي يعتبر عدم تحديد النسل من قضاياه الاستراتيجية

ملصقات ترويجية تبين أن العائلة الكبيرة سعيدة أكثر بعد أن صادق البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع لـ«زيادة نسبة إنجاب الأطفال}  (إرنا)
ملصقات ترويجية تبين أن العائلة الكبيرة سعيدة أكثر بعد أن صادق البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع لـ«زيادة نسبة إنجاب الأطفال} (إرنا)
TT

سياسة الزيادة السكانية في إيران بين المد والجزر وتعود إلى أكثر من 50 عاما

ملصقات ترويجية تبين أن العائلة الكبيرة سعيدة أكثر بعد أن صادق البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع لـ«زيادة نسبة إنجاب الأطفال}  (إرنا)
ملصقات ترويجية تبين أن العائلة الكبيرة سعيدة أكثر بعد أن صادق البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع لـ«زيادة نسبة إنجاب الأطفال} (إرنا)

التصريحات التي أدلى بها مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي، بشأن ضرورة الزيادة السكانية، والتي تلاها وضع لوحات إعلانية في طهران تحمل شعار «تمتع بحياة أفضل من خلال إنجاب أولاد أكثر»، أثارت استغراب ودهشة الرأي العام في إيران.
وقد تطرق آية الله خامنئي، خلال العام الأخير وفي مختلف المناسبات، إلى قضية الزيادة السكانية. واستند خامنئي خلال استقباله لأعضاء «الملتقى الوطني للتغير السكاني ودوره في التطورات التي يشهدها المجتمع في مختلف المجالات» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى الآية القرآنية «إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ»، مناشدا الشعب عدم اعتبار المشاكل الاقتصادية مانعا في سبيل الإنجاب. وقال في كلمة ألقاها أمام مداحي أهل البيت إن «إنجاب الأطفال جهد عظيم».
ولقيت هذه الدعايات والتصريحات المؤيدة لسياسة الإنجاب انتقاد أطياف واسعة من النخبة في إيران، وأثارت سخرية المواطنين في الشبكات الاجتماعية، والمواقع الإلكترونية، وذلك بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم والبطالة في البلاد. وصادق البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع فوري لـ«زيادة نسبة إنجاب الأطفال، والحيلولة دون انخفاض معدل نمو السكان في البلاد»، الأمر الذي أثار قلقا عميقا، ومعضلة قانونية في إيران.
وتأتي مصادقة البرلمان الإيراني على المشروع المذكور في إطار تصريحات مرشد الجمهورية الإسلامية، وتمثل إصرارا من الأجهزة الحكومية على اعتماد مشروع زيادة نسبة الإنجاب. وإذا جرت المصادقة على هذا المشروع بشكل نهائي فإنه سيتم فرض الحظر على كل الإجراءات الهادفة لعملية الإجهاض، وطرق «تعقيم» الذكور، وبث الدعايات التي تروج للحد من الإنجاب، وإنزال عقوبة تتراوح بين السجن لستة أشهر إلى خمس سنوات، ودفع الدية، بحق منتهكي القانون، وذلك وفقا للمادة 624 من قانون العقوبات الإسلامية.
وقال النائب والمتحدث باسم اللجنة القانونية البرلمانية محمد علي اسفناني إن إنزال العقوبة بحق الرجال بتهمة «التعقيم» يفتقر إلى أساس قانوني. وينص قانون العقوبات الإسلامية على أن حكم القصاص على الأشخاص بتهمة الإجهاض بعد دخول الروح إلى الجنين جائز. وإذا كانت عملية الإجهاض تترافق مع إذن قانوني فإن المرأة التي تقدم على الإجهاض تعاقب بدفع الدية، وأما إذا لم تحمل سببا قانونيا فيشملها قانون القتل المتعمد. ولا تنص القوانين على اعتبار تعقيم الذكور، أو الترويج للحد من الإنجاب، جرما. ويعتبر المشروع الجديد نوعا من صناعة العقوبات. واعتبر رئيس لجنة الخدمات الصحية البرلمانية حسين علي شهرياري أن التضخم السكاني مؤشر على قوة البلاد. وأعرب شهرياري، الذي يعد المقترح الرئيس لهذا المشروع، عن قلقه من النمو السلبي للسكان خلال السنوات المقبلة، مما يؤدي إلى حرمان الجيل القادم من التمتع بالعائلات الممتدة في العقود المقبلة. واستدل شهرياري في تصريحاته بأقوال مرشد الجمهورية الإسلامية بشأن ضرورة الزيادة السكانية لبلوغ الأهداف الإسلامية والثورية.
وقال الخبير الاستراتيجي الإيراني حسن عباسي، في حوار مثير للجدل مع نادي الصحافة الإيراني العام الماضي، إن «أعداء الإسلام» ومن خلال «مشاريع منظمة الصحة العالمية» يمنعون القوة البشرية من العمل على زيادة الاقتدار الوطني.
وانتقد عباسي السياسات التي تهدف إلى تمكين المرأة، وخلق فرص عمل لهن، واعتبر أن الإجراءات التي تتخذها وزارة العلوم والجامعة الحرة تسهم في انخفاض نسبة الإنجاب. وأشار في ملتقى «الجيل المحروق»، الذي تمحور حول الفتيات اللاتي لن يتمكن من الزواج، إلى «التداعيات السلبية لارتفاع نسبة الطالبات في الجامعات مقارنة مع نظرائهن من الشبان. الأمر الذي يخلق ظروفا غير متكافئة، وسيرتفع معدل سن الزواج، والظروف ستصبح صعبة للفتيات من أجل تكوين الأسرة».
ويورد معارضو تحديد النسل أسبابا عديدة لدعم السياسات التي تحفز على التضخم السكاني، منها المساحة الجغرافية الواسعة، وانخفاض معدل الكثافة السكانية، وزيادة عدد المسنين، وانخفاض نسبة النمو والتنمية الاقتصادية.
كل ذلك يدفع بمشجعي التضخم السكاني إلى الإصرار على أن يتجاوز عدد سكان البلاد عتبة الـ150 مليون شخص، وذلك وفقا لأوامر مرشد الجمهورية الإسلامية.
وتشكل المناطق الصحراوية، والجبلية، أجزاء واسعة من مساحة إيران، وتعد هذه المناطق من الأجزاء غير المأهولة بالسكان. ولا مبرر اقتصاديا لجعل هذه المناطق من الأجزاء المأهولة بالسكان في المستقبل القريب. وبالتالي لا يمكن الاستناد إلى الأسباب المذكورة من أجل زيادة السكان. ويعتبر نقص المياه، والاضطرابات البيئية، من العوامل التي تؤثر سلبا على توفير السكن، والخدمات الغذائية للسكان في معظم المدن والقرى الإيرانية، ناهيك عن العوامل الثانوية كالنقص في البنى التحتية والذي يؤدي إلى سوء الخدمات الصحية، والتعليمية، وعدم خلق فرص العمل في البلاد.
وارتفاع نسبة الشيخوخة في إيران غير صحيح، إذ أفادت إذاعة «دويتشه فيله» الألمانية بأن انخفاض النمو السكاني لا يهدد إيران حتى الجيلين القادمين، على عكس معظم الدول المتقدمة في العالم التي تواجه أزمة الشيخوخة. لكن هذه الظاهرة تدخل البلدان في دوامة المشاكل في حال تجاوزت نسبة المسنين المتقاعدين عن العمل والأفراد العاطلين عن العمل عدد القوة العاملة، مما يؤدي إلى دفع جزء كبير من رواتب القوة العاملة من أجل تقديم الخدمات للمسنين.
وأما في إيران فتجري الأمور نقيضا للحالة السائدة في معظم الدول المتقدمة. وتواجه أطياف واسعة من الشباب البطالة بسبب ارتفاع معدل «البطالة الهيكلية»، و«البطالة المستترة»، إذ يتحمل المسنون عادة أعباء تأمين حياة الشباب العاطلين عن العمل، والمستعدين للدخول في أسواق العمل. وتؤدي ظاهرة البطالة المنتشرة بين الشباب إلى التقليل من التداعيات الاجتماعية السلبية المحتملة الناتجة عن ارتفاع معدل الشيخوخة. ومن شأن ارتفاع نسبة المواليد أن يسهم في إثارة الأزمات الاجتماعية، والاقتصادية، وحتى السياسية على المدى البعيد في حال ارتفاع نسبة الشيخوخة.
وخلافا للعصور القديمة، فإن التضخم السكاني في العالم المعاصر لا يؤدي إلى زيادة القوة العسكرية، واتساع هيمنة الحكومات على الدول الأخرى، بل إن القدرات العلمية والفنية للمواطنين تعد مؤشرا على تقدم الدول، وترتقي بها على المستوى العالمي. وينطبق الأمر على إيران، إذ إن زيادة عدد السكان الذين يعانون من الفقر والعجز في القدرات العلمية والفنية لا تؤدي إلى اقتدار البلاد.
ويرجع تاريخ اعتماد سياسات تحديد النسل في إيران إلى أكثر من خمسين عاما، وتعتبر هذه القضية من القضايا الاستراتيجية للنظام الإيراني. وتحولت سياسة تنظيم الأسرة من عامل تنموي قبل قيام الثورة إلى عنصر يحمل نوايا استعمارية بعد قيام الثورة. ودأبت السلطات الإيرانية بعد الثورة على تقديم امتيازات مثل تقديم المنح المالية، والأوراق غير النقدية، كمساعدات للناس، من أجل تشجيعهم على زيادة نسبة المواليد، والتي ارتفعت بالفعل بنسبة 4 في المائة. غير أن هذه السياسة جعلت إيران خلال السنوات الأولى من الثورة، وفترة الحرب بين إيران والعراق، وفي خضم المشاكل الاقتصادية العديدة، تستورد حليب الأطفال بقيمة مائة ألف دولار سنويا.
وإثر اعتماد هذه السياسة، توالت المشاكل التي تمثلت في توفير أزياء المدارس للتلاميذ، وتوفير الخدمات الصحية، وصفوف الدراسة، والمواليد الجدد. وفي عام 1989 وبعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق اعتمدت السلطات الإيرانية سياسة تحديد النسل، وأطلقت شعار «الحياة الأفضل في ظل مواليد أقل». وأدت سياسات الزيادة السكانية التي اعتمدتها السلطات بعد قيام الثورة إلى وصول نسبة عدد السكان إلى الضعف خلال فترة تتراوح بين أواخر السبعينات وأواخر التسعينات، وقفزت من 36 مليون إلى 75 مليون نسمة.
وتعتزم إيران وبتوجيهات من مرشدها إعادة تطبيق سياسة الزيادة السكانية، لكن هذه المرة تستخدم إيران آليات التهديد، وإنزال العقوبات بحق المواطنين المعارضين لهذه السياسة، حتى إذا كان ثمن هذه الإجراءات عدم حصول الشعب على الخدمات الصحية والعلاج.
ولم تمض أشهر على تصريحات أدلى بها مرشد الثورة حول سياسة الزيادة السكانية في 2012، حتى أعلنت وزيرة الصحة مرضية وحيد دستجردي، في الأول من أغسطس (آب) عن عدم تخصيص الميزانية للخطط الهادفة للحد من النسل. ولا تقدم وزارة الصحة حاليا خدمات مجانية للمواطنين لعمليات تعقيم الذكور الإناث، ولا تمنحهم وسائل منع الحمل مجانا.
وسيؤثر اعتماد مثل هذه السياسات على ذوي الدخل المحدود، وسكان الأرياف الذين يجدون صعوبة في شراء الواقي الذكري، أو حبوب منع الحمل، أو إجراء عمليات تعقيم الذكور بسبب إغلاق المؤسسات الحكومية التي تقدم لهم هذه الخدمات. وقد يؤدي عدم توزيع الواقي الذكري إلى انتشار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وحصول حالات حمل غیر مرغوب فیه يسفر عن عمليات إجهاض لا تتمتع بالمعايير الضرورية، وتهدد حياة الأم للخطر.
أفسانة (35 عاما)، وهي من ذوي الدخل المحدود وتقطن في مدينة قزوين ومتزوجة ولديها ولدان، تعتقد أن سياسة التضخم السكاني تؤدي إلى انخفاض الأجور. وأجرت أفسانة عملية قطع البوق من أجل التعقيم. تقول أفسانة «لا تتلقى المرأة في إيران أي دعم من الحكومة أو حتى زوجها إذا أصبحت حاملا. فلماذا يتم تشجيع إنجاب الأطفال؟ ستصبح الأمور أسوأ من خلال هذا المشروع الحكومي».
آوا، تسكن في شمال طهران وتبلغ من العمر 27 عاما وليس لديها أولاد، توجه انتقادات إلى سياسة الزيادة السكانية. وتقول إنها تشتري وسائل منع الحمل من مصروفها الخاص. وتضيف «حكم الإقدام على عملية الإجهاض هو دفع دية تقدر قيمتها بـ18 مليون تومان، وهذا مبلغ باهظ، وسيخلق فرض الحظر على عملية الإجهاض مشاكل عديدة. إن الظروف غير ملائمة لنا أنا وزوجي حاليا لإنجاب الأطفال، ويشكل تطبيق هذا المشروع مصدر قلق لنا».
يؤدي اعتماد سياسات عقابية للحيلولة دون الإقدام على عمليات الإجهاض أو التعقيم إلى زيادة نسبة الإنجاب في المناطق الريفية، وبين الأفراد من ذوي الدخل المحدود، وغير المتعلمين في المناطق المحرومة. فالطبقة المتوسطة قادرة على دفع التكاليف البسيطة لتوفير وسائل منع الحمل، وتفادي الكلفة الباهظة التي يترتب عليها إنجاب الأولاد. وإذا حصلت حالات حمل غير مرغوب فيها في المدن ولم تتمكن المرأة من الإجهاض، فهؤلاء المواليد سيشكلون نسبة بسيطة جدا من عدد السكان الذين يطمح الساسة الإيرانيون إلى زيادتهم.
ولا تسفر هذه الحالة عن ارتفاع عدد السكان فحسب، بل تؤدي كذلك إلى زيادة غير متكافئة للطبقة الفقيرة لسكان الأرياف على حساب الطبقة المتوسطة من سكان المدن.
ولا تعتبر سياسات الحد من النسل ظاهرة منفصلة عن أطر الواقع الاجتماعي، حيث إن هذه السياسات مرهونة بشكل كبير بعوامل سياسية واقتصادية. تتطلب الزيادة السكانية توسيع نماذج أخلاقية خاصة بين العائلات الممتدة التي يرتكز اقتصادها على تلبية الحاجات الأولية واليومية للأفراد، وعدم التمتع بالرفاهيات من أجل الحفاظ على كيان الأسرة، وزيادة روح التضحية، والقناعة بين أفراد الأسرة. وبالتزامن مع ارتفاع عدد أفراد الأسرة ينخفض معدل الدخل السنوي للفرد، فتزداد العائلات الممتدة فقرا. ويأتي اعتماد هذه السياسة على نقيض معايير التنمية التي تبنتها الدول الأوروبية في منتصف القرن العشرين، والتي كانت تهدف لتقديم خدمات رفاهية أفضل للعائلات، وترويج «الحد من الإنجاب مقابل التمتع بنسبة أكبر من الخدمات الرفاهية».
ستصبح إيران ومن خلال اعتماد سياسة الزيادة السكانية أكثر فقرا، وستنخفض نسبة الدخل السنوي للفرد في البلاد. إن ارتفاع نسبة الأفراد من ذوي الدخل المحدود، وغير المتعلمين، وانخفاض نسبة الطبقة المتوسطة، والمتعلمة، وأصحاب الكفاءات، يؤدي إلى خلل في الإمكانيات والتوازن الاجتماعي مستقبلا. من دون أدنى شك فإن الحكام خاصة في الأنظمة الشمولية يجدون سهولة أكبر لبسط هيمنتهم على الشعب الذي يعاني من الفقر، وتدني مستوى التعليم. ويطالب الشعب الجائع برغيف الخبز، فيما ينادي الشعب الشبعان بالحرية، والكرامة الإنسانية.
* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية - «شرق بارسي»



وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
TT

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)

أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مسيّرة «خارج السيطرة»، الاثنين، بعدما اقتربت من المجال الجوي التركي من جهة البحر الأسود.

وجاء في بيان للوزارة: «تجنّباً لأي عواقب ضارة، أُسقطت الطائرة المسيّرة في منطقة آمنة وبعيدة من أي مناطق مأهولة»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت أنقرة: «تم رصد وتعقب أثر جوي... في إطار الآليات الروتينية» فوق البحر الأسود، و«تبيّن أن الأثر الجوي المعني هو مسيّرة خارج السيطرة». وأضافت: «بهدف ضمان أمن المجال الجوي، تم نشر مقاتلاتنا من طراز (إف-16) تحت قيادة حلف شمال الاطلسي (ناتو) والقيادة الوطنية، في مهمة اعتراض».

ويأتي هذا الحادث بعدما حذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، من تحوّل البحر الأسود إلى «منطقة مواجهة» بين روسيا وأوكرانيا، وذلك إثر ضربات عدة طالت سفناً في الأسابيع الأخيرة.


مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
TT

مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)

قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، إن طهران تعارض بشدة ما وصفه بـ«مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب» في القوقاز، وذلك عقب اتفاق رعته واشنطن بين أرمينيا وأذربيجان لإنشاء ممر عبور جديد.

وجاءت تصريحات ولايتي لدى استقباله السفير أرمينيا لدى طهران، غريغور هاكوبيان، حيث ناقشا آخر المستجدات بما في ذلك أوضاع جنوب القوقاز.

ووقعت أرمينيا وأذربيجان، في وقت سابق من أغسطس (آب) الحالي، اتفاقاً في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يرمي إلى وضع حد لعقود من النزاع بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين.

ونصّ الاتفاق على إنشاء «منطقة عبور» عبر أرمينيا تربط أذربيجان بجيب نخجوان التابع لها غرباً، على أن يُسمى «طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين»، الذي عرف بـ«ممر تريب». وبموجب الاتفاق، تحظى الولايات المتحدة بحقوق تطوير الممر المعروف كذلك بـ«ممر زنغزور».

مصافحة ثلاثية بين دونالد ترمب وإلهام علييف ونيكول باشينيان في البيت الأبيض يوم 8 أغسطس 2025 بعد توقيع الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان (رويترز)

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن ولايتي قوله إن ما يُعرف بـ«مشروع ترمب» في القوقاز، لا يختلف عن «ممر زنغزور»، وأن إيران تعارضه بشكل قاطع. وأضاف أن طهران عارضت منذ البداية مشروع ممر زنغزور، بسبب رفضها أي تغيير في الحدود أو أي تطورات من شأنها تهديد أمنها الإقليمي.

ورأى ولايتي أن «مشروع ترمب» هو عملياً المشروع نفسه مع تغيير في التسمية فقط، ويجري حالياً الترويج له عبر دخول شركات أميركية إلى أرمينيا.

وأوضح ولايتي أن إيران أعلنت معارضتها الحازمة لهذا المشروع، سواء بمشاركة روسيا أو من دونها، حتى في الفترة التي كانت فيها موسكو منشغلة بالحرب في أوكرانيا، مضيفاً أن طهران نجحت في منع تنفيذه؛ لأن هذا الممر كان يمكن أن يفتح الطريق أمام وجود حلف شمال الأطلسي (ناتو) شمال إيران، ويشكّل تهديداً خطيراً لأمن شمال إيران وجنوب روسيا.

وحذر ولايتي من أن «التجربة أثبتت أن الولايات المتحدة تدخل المناطق الحساسة بدايةً عبر مشاريع ذات طابع اقتصادي، قبل أن يتوسع وجودها تدريجياً ليأخذ أبعاداً عسكرية وأمنية»، مشدداً على أن «أي مشروع يفتح الباب أمام الوجود الأميركي على حدود إيران ستكون له تداعيات أمنية واضحة».

وفي أغسطس، توالت المواقف الإيرانية المنددة بمشروع «ممر تريب (طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين)»، منذ الإعلان عن الاتفاق بين باكو ويريفان.

وقال مسؤولون ونواب إيرانيون إن مشروع «ممر زنغزور» لا يمكن عده قضية عابرة، «بل يمثل خطاً أحمر يتعلق بأمن الحدود والسيادة الإقليمية». وكان ولايتي قد عدّ أن «مؤامرة» من شأنها أن تعرّض «أمن جنوب القوقاز للخطر»، محذراً من أنه «لن يتحول إلى ممر يملكه ترمب، بل سيكون مقبرة لمرتزقته».

وبعد أسبوع من توقيع الاتفاق، توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى بريفان، عاصمة أرمينيا، وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، في محاولة للاطلاع على تفاصيل الاتفاق.

وقلل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حينها من الردود الداخلية، قائلاً إن الاتفاق «يحترم مواقفنا المبدئية، لكن الوجود المحتمل لشركة أميركية يثير القلق، وسنواصل التشاور ومتابعة التطورات من كثب».


برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
TT

برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

تطابقت التقارير العبرية، حول لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمبعوث الأميركي الخاص لسوريا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، توم برّاك، الاثنين، في القدس، على تلقّي الأول «رسائل حادة وخاصة» من إدارة الرئيس دونالد ترمب، قبل قمة أميركية - إسرائيلية مرتقبة، نهاية الشهر، في فلوريدا. وتركز الاجتماع بين برّاك ونتنياهو على 3 محاور هي: غزة، وسوريا، واللقاء مع ترمب.

تصريحات غير مقبولة في غزة

وفي ملف غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي بدأ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفادت بأن «برّاك حاول تبديد مخاوف نتنياهو من الدور التركي وإقناعه بمشاركتها في القوات الدولية في قطاع غزة، موضحاً أن تركيا هي الدولة الأكثر تأثيراً على (حماس)، والأكثر قدرة على إقناعها بنزع سلاحها».

وأفادت الصحيفة بأن براك ذكّر نتنياهو بأن تركيا «وقّعت على خطة ترمب (بشأن وقف إطلاق النار في غزة)، وتعهدت باسم (حماس) ببند تسليم الأسلحة، وستؤدي مشاركتها إلى تحفيز العديد من الدول المترددة حالياً بالمشاركة في القوة الدولية».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال توقيعه على إعلان شرم الشيخ حول السلام بالشرق الأوسط (الرئاسة التركية)

وحسبما نقلت الصحيفة، فإن برّاك قال «إن عدم مشاركة تركيا يجعل تلك الدول تتراجع عن المشاركة، والرئيس ترمب لن يسمح بفشل هذه الفكرة، موضحاً أن تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه لا يثق بأن (حماس) ستتخلى عن أسلحتها، وتهديده بأن إسرائيل هي التي ستستطيع ذلك، هي تصريحات غير مقبولة، وتشكل تهديداً للخطة».

وتوافقت الإفادات السابقة، مع ما نقلته «القناة 12 للتلفزيون الإسرائيلي»، الاثنين، أن «البيت الأبيض نقل رسالة (خاصة وحادة) إلى نتنياهو، شددت على أن اغتيال القيادي العسكري البارز في حركة (حماس)، رائد سعد، يشكّل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة ترمب».

كما أكدت القناة وجود «توتر متصاعد بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو، على خلفية الخلاف حول الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق لإنهاء الحرب على غزة، إضافة إلى السياسات الإسرائيلية الأوسع في المنطقة».

وقال مسؤولان أميركيان للقناة إن وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي، باتوا «محبطين للغاية» من سلوك نتنياهو.

ونقل التقرير عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن فحوى الرسالة التي وُجّهت إلى نتنياهو كان واضحاً: «إذا كنت تريد تدمير سمعتك وإظهار أنك لا تلتزم بالاتفاقات فهذا شأنك، لكننا لن نسمح لك بتدمير سمعة الرئيس ترمب بعد أن توسط في اتفاق غزة».

وفي الضفة الغربية، قال مسؤول أميركي كبير ومصدر مطّلع إن البيت الأبيض يشعر بقلق متزايد إزاء عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وما يراه «استفزازات إسرائيلية» تضر بالجهود الأميركية لتوسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)، وأضاف المسؤول الأميركي: «الولايات المتحدة لا تطلب من نتنياهو المساس بأمن إسرائيل، بل تطلب منه عدم اتخاذ خطوات تُفسَّر في العالم العربي على أنها استفزازية».

وقال مسؤول أميركي: «نتنياهو تحوّل خلال العامين الماضيين إلى شخصية منبوذة دولياً. عليه أن يسأل نفسه لماذا يرفض (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي لقاءه، ولماذا، بعد خمس سنوات على اتفاقيات أبراهام، لم تتم دعوته لزيارة الإمارات».

وأضاف: «إدارة ترمب تبذل جهداً كبيراً لإصلاح الوضع، لكن إذا لم يكن نتنياهو مستعداً لاتخاذ خطوات لخفض التصعيد، فلن نضيّع وقتنا في محاولة توسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)»

شتائم لنتنياهو في البيت الأبيض

وبدا لافتاً أن ترمب أوفد براك إلى نتنياهو، رغم الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد الدبلوماسي الأميركي خلال الآونة الأخيرة، إلى حد تصريحه بأنه يرى فيه «سفيراً تركياً لدى أمريكا، وليس سفيراً أميركياً لدى تركيا».

كما ازدادات حمى غضب نتنياهو من براك، عندما شكك بالديمقراطية الإسرائيلية قبل أسبوعين، ما دعا برّاك للاعتذار، قبل زيارته، عن التصريح مع مطالبة نتنياهو بعدم تضخيم الأزمة على حساب القضايا الكبرى التي جاء لبحثها.

ونقل الصحافي ناحوم بارنياع في «يديعوت أحرونوت»، الاثنين، عن مصدر مطلع، أن «الأمريكيين بدؤوا يكتشفوا أن نتنياهو ليس جاداً في التقدم نحو تطبيق خطة ترمب للسلام، وأنه يعمل كل ما بوسعه كي تبقى إسرائيل في حرب الى الأبد».

وقال بارنياع: «روى لي مصدر مطلع، بأن وابلاً من الشتائم في البيت الأبيض نزلت على رأس رئيس وزراء إسرائيل؛ قيلت كلمات تمتنع صحيفة شريفة عن كتابتها. ولا ينبغي استبعاد إمكانية أن شيئاً من هذا قيل لنتنياهو مباشرة في أثناء نهاية الأسبوع»، وفق ما أفاد الكاتب الإسرائيلي.

خطوط حمراء في سوريا

وتذهب التقديرات الإسرائيلية إلى أن برّاك حدد في اجتماعه مع نتنياهو «خطوطاً حمراء» بشأن النشاط الإسرائيلي في سوريا، عبر التأكيد على رغبة ترمب التي عبّر عنها سابقاً، في أن الرئيس السوري أحمد الشرع يمثل حليفاً لواشنطن، يجب دعمه في مساعيه لاستقرار الدولة ودفعها إلى الأمام، ولذلك يرغب الأميركيون في تجنب أي إجراءات يرونها تقوض حكمه.

ونقلت التقارير العبرية أن برّاك نقل أن الأمريكيين يخشون من أن تؤدي كثرة العمليات الإسرائيلية إلى انهيار النظام في سوريا، بالإضافة إلى رغبتهم في التوصل إلى اتفاق أمني.

وفي شأن لبنان، فإن ترمب يريد من إسرائيل استمرار ممارسة الضغوط على «حزب الله» من خلال عمليات محدودة، لكنه لا يوافق حالياً على عمليات حربية موسعة.

ووذهب محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو لن يرفض كل طلبات برّاك، بل يحاول الانسجام معها ولكن من دون التزام قاطع، وهدفه في ذلك هو أن يمهد الطريق لإنجاح لقائه مع ترمب في فلوريدا، يوم 29 ديسمبر (كانون الاول) الحالي.

ولكن نتنياهو في الوقت نفسه، لم يفوت فرصة الظهور كمن يتخذ قرارات مستقلة، فأرسل قواته لقصف جوي في سوريا، قبل لحظات من وصول براك إلى مكتبه.

المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

وفي إطار الاستفزاز لتركيا ورئيسها رجب طيب اردوغان، قرر استضافة قمة ثلاثية تجمعه مع رئيس وزراء اليونان ورئيس قبرص، في لقاء مشترك وُصف في إسرائيل بأنه يحمل رسالة سياسية مباشرة ضد تركيا. بيد أن براك قال في ختام لقائه مع نتنياهو إن الاجتماع كان «حواراً بناءً يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين».