كان من المفترض أن يبت يوم الأربعاء الماضي، برلمان اسكوتلندا الذي يهيمن عليه الحزب الوطني المطالب بالاستقلال عن بريطانيا، في مسألة تنظيم استفتاء آخر حول علاقة أدنبره بلندن، والتي تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون. غير أن الاعتداء الذي استهدف برلمان وستمنستر في لندن أدى إلى تأجيل عملية التصويت لتتم عشية تفعيل إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما يزيد من أبعاد هذين الحدثين التاريخيين.
ويبدو تزامن الاستحقاقين منطقيا على ضوء ارتباط رغبة اسكوتلندا في الانفصال عن باقي المملكة المتحدة بعملية الخروج من الكتلة الأوروبية التي ستباشرها بريطانيا رسميا اليوم الأربعاء، حسب الجدول الزمني الذي وضعته رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي لنفسها، ووعدت به شركاءها في الاتحاد الأوروبي. وحسب هذا الوعد تبدأ ماي عملية الطلاق اليوم للشروع رسميا في آلية «بريكست». ويكون مجلس النواب الاسكوتلندي قد صوت لصالح إجراء استفتاء، قد يقود إلى تفكيك المملكة المتحدة.
ولولا «بريكست» الذي وافق عليه 52 في المائة من البريطانيين، ورفضه 62 في المائة من الاسكوتلنديين، لما كانت رئيسة الوزراء الاسكوتلندية نيكولا ستيرجن طلبت تنظيم استفتاء جديد لتقرير المصير بعد ثلاث سنوات فقط من التصويت الذي خسر فيه الاستقلاليون بنسبة 45 في المائة مقابل 55 في المائة لأنصار البقاء ضمن المملكة المتحدة.
وشددت زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي على المطالبة ببقاء اسكوتلندا على الأقل في السوق الأوروبية الموحدة، وهي تأمل في تنظيم استفتاء جديد في نهاية 2018 أو مطلع 2019، قبل الموعد المحدد لإنجاز مفاوضات «بريكست».
وتكمن المرحلة الأولى بالنسبة لستيرجن في الحصول على إذن من البرلمان الاسكوتلندي يجيز لها أن تطلب من لندن إجراء استفتاء حول الاستقلال. ويفترض أن يقر النواب بلا صعوبة خلال تصويت الأربعاء المشروع، إذ يحظى الحزب الوطني الاسكوتلندي صاحب أكبر عدد من مقاعد برلمان هوليروود بدعم حزب الخضر، ما سيمكنه من تخطي معارضة المحافظين والعماليين الاسكوتلنديين الذين يرفضون الاستقلال. وبعد الحصول على إذن البرلمان، ينبغي أن تحصل ستيرجن على الضوء الأخضر من البرلمان البريطاني وحكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وبإمكان ماي مبدئيا عرقلة المبادرة، لا سيما أنها تعتبر أن «الوقت غير مناسب» لتنظيم استفتاء في اسكوتلندا. لكنه سيكون من الصعب سياسيا التصدي لتصويت البرلمان الاسكوتلندي. وتردد ستيرجن أن ذلك سيكون «غير مقبول على الإطلاق»، مشددة على أنها تحظى بـ«تفويض ديمقراطي لا يمكن إنكاره».
وإزاء صعوبة وقف الآلية، قد تحاول تيريزا ماي أن تضبط جدولها الزمني، فتؤجل إلى أبعد ما يمكن تاريخ الاستفتاء الجديد، إلى ما بعد خروج بريطانيا فعليا من الاتحاد الأوروبي. وأعلنت ستيرجن بهذا الصدد أنها «منفتحة على النقاش» حول هذه النقطة.
وتيريزا ماي التي تواجه أيضا أزمة سياسية أخرى في آيرلندا الشمالية، مصممة على بذل كل ما بوسعها للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة التي تهددها تحديات كبرى منذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 يونيو (حزيران) 2016. وقالت خلال زيارة قصيرة لاسكوتلندا الاثنين: «في وقت تستعد المملكة المتحدة فيه لمغادرة الاتحاد الأوروبي (...) فإن قوة وحدتنا واستقرارها سيكونان أكثر أهمية من أي وقت مضى». وأكدت قبل لقاء مع ستيرجن أن بريطانيا الموحدة، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية، هي «قوة يستحيل وقفها». وبعد اللقاء أفادت ستيرجن بحدوث حوار ودي، غير أنه لم يفض إلى أي تقدم مهم.
وفي حال حصولها على إذن بتنظيم استفتاء جديد، سيتحتم على ستيرجن إقناع الاسكوتلنديين. وأفاد استطلاع للرأي نشرت نتائجه قبل أسبوع بأن 44 في المائة فقط من الاسكوتلنديين يؤيدون حاليا الاستقلال. ويأتي تصويت البرلمان المحلي عشية تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، للشروع في آلية الطلاق مع الاتحاد الأوروبي التي ستتم بعد سنتين من المفاوضات الصعبة والمعقدة.
وحذر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، الأسبوع الماضي، من أنه سيتحتم على بريطانيا تسوية حساباتها قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبحسب مسؤول أوروبي كبير، فإن المفوضية الأوروبية قدرت الفاتورة المترتبة على البريطانيين فيما بين 55 و60 مليار يورو. كما يتحتم بحسب بارنييه تسوية مشكلة أخرى ذات «أولوية مطلقة»، وهي البت في مصير 1.2 مليون بريطاني، مقيمين في الاتحاد الأوروبي، وأكثر من 3 ملايين مواطن من الاتحاد الأوروبي مقيمين في بريطانيا.
ومن جانبه، قال رئيس بلدية لندن، صديق خان، أمس الثلاثاء، إن معاقبة بريطانيا خلال مفاوضات «بريكست» ستعود بالضرر على الاتحاد الأوروبي نفسه، وستسبب معاناة للجميع.
وحث خان من بروكسل، قبل يوم من تفعيل عملية «بريكست» على إعطاء ضمانات قوية بشأن مراعاة حقوق المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا. وقال خان خلال فعالية نظمتها صحيفة «بوليتيكو يوروب»: «ليس هناك حاجة لأن يوجه الاتحاد الأوروبي رسالة أو يبث الخوف من خلال معاقبة المملكة المتحدة. إن التوصل إلى اتفاق (بريكست) سيئ يؤذي لندن، سيؤذي كذلك الاتحاد الأوروبي».
وقال خان إن الشركات التي ستخرج من لندن التي تعد المركز المالي الأول عالميا، «ستغادر أوروبا كلها وتذهب إلى نيويورك وسنغافورة بدلا من ذلك. (بريكست) سيئ سيعني الخسارة للجميع».
ودعا رئيس بلدية لندن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، إلى توجيه رسالة إيجابية عبر الموافقة على حماية حقوق 3 ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا، بمن فيهم مليون في لندن. وقال: «ستكون بادرة حسن نية ممتازة، إعطاء ضمانات قوية لحقهم في البقاء في المملكة المتحدة».
24 ساعة حافلة وحاسمة للمملكة المتحدة
ماي تبدأ خطوات الطلاق مع أوروبا واسكوتلندا تصوت على استفتاء الاستقلال
24 ساعة حافلة وحاسمة للمملكة المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة