واشنطن وموسكو ترسمان حدود منطقة «درع الفرات» وتتصديان للتمدد التركي

الأولى تدعم الأكراد المقاتلين شرق نهر الفرات والثانية غربه

رجل من مدينة الباب السورية شمال حلب، يعبر من خلال الدمار الذي خلفته المعارك بعد طرد داعش من المدينة (رويترز)
رجل من مدينة الباب السورية شمال حلب، يعبر من خلال الدمار الذي خلفته المعارك بعد طرد داعش من المدينة (رويترز)
TT

واشنطن وموسكو ترسمان حدود منطقة «درع الفرات» وتتصديان للتمدد التركي

رجل من مدينة الباب السورية شمال حلب، يعبر من خلال الدمار الذي خلفته المعارك بعد طرد داعش من المدينة (رويترز)
رجل من مدينة الباب السورية شمال حلب، يعبر من خلال الدمار الذي خلفته المعارك بعد طرد داعش من المدينة (رويترز)

تشير حركة التوسع الروسي في شمال حلب، إلى أن موسكو اتخذ قرارَ توسيع وجودها العسكري في منطقة عفرين التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية في ريف حلب الشمالي هدفه الرئيسي ترسيم منطقة «درع الفرات» التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، والحدّ من تمدد القوات التي تدعمها باتجاه ريف عفرين، وذلك بعد 15 يوماً من دخول قوات أميركية مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، بهدف التصدي لمحاولات قوات «درع الفرات» التقدم باتجاه المدينة.
وتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» عن «سعي أميركي - روسي لتحجيم دور تركيا من خلال نشر قواتهما إن كان في منبج أو في عفرين»، لافتاً إلى أن «ما يحصل تقاسم نفوذ بين الدولتين وليس صراعاً بينهما».
وأشار إلى أن «منطقة شرق الفرات باتت عملياً منطقة عمليات أميركية، أما المنطقة الواقعة غرب الفرات، فمنطقة عمليات روسية». وأوضح عبد الرحمن أنّه بات هناك في عفرين «مركز تدريب خاصاً بموسكو تقيم فيه القوات الروسية، أشبه بقاعدة حميميم، نقل إليه في الساعات الماضية قوات استطلاع وقوات مراقبة كما قوات تدريب».
من جهتها، قالت مصادر كردية قيادية في الشمال السوري، إن التنسيق مع موسكو ينحصر حاليا في عفرين والباب، لافتة إلى أن مهمة الروس في المنطقتين المذكورتين تنحصر في «إقامة مركز استطلاع ومصالحة، أي بمثابة قاعدة هدفها تثبيت الانتهاكات كمّاً والأهم وقف التمدد التركي». وأضافت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الدخول الروسي إلى عفرين رسالة واضحة للأتراك الذين كانوا يهددونا بدخول ريف عفرين ومطار منغ وتل رفعت».
وبهذا، يكون قد تم ترسيم منطقة «درع الفرات» على أن تمتد من جرابلس إلى أعزاز شمالاً وفي عمق 30 كلم نحو الباب والحدود الإدارية لمنبج. علماً بأن أنقرة كانت تحاول دخول منبج والمشاركة في عملية «تحرير الرقة»، إلا أن الاتفاق الروسي - الأميركي على ما يبدو حال دون ذلك.
بدوره، قال سيبان حمو قائد وحدات حماية الشعب الكردية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوجود الروسي في منطقة جنديرس (كفر جنة) بعفرين، جاء بعد اتفاق بين وحداتنا والقوات الروسية العاملة في سوريا، في إطار التعاون ضد الإرهاب وتقديم القوات الروسية المساعدة لتدريب قواتنا على أساليب الحرب الحديثة ولبناء نقطة اتصال مباشرة مع القوات الروسية»، واصفاً الخطوة بـ«الإيجابية، التي تندرج في إطار علاقاتنا وتحالفاتنا ضد الإرهاب في سوريا».
وإذ نفى حمو توجه موسكو لإقامة قاعدة عسكرية في عفرين، موضحاً أنه سيكون هناك مركز تنسيق وتدريب، أكد أن التعاون مع الروس «لن يؤثر على الإطلاق على علاقتنا مع واشنطن».
من جهته، أشار نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات إلى أن التنسيق بين واشنطن والقوات الكردية لم يشمل يوماً عفرين، لافتاً إلى أن الدخول الروسي على الخط تم منذ نحو العام وتم تفعيله أخيراً. وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «التعاون بيننا سينحصر حالياً في التدريب على أساليب الحرب الحديثة وإقامة نقطة اتصال مشتركة فيما بيننا». وفيما تصرّ موسكو على حصر مهمتها في عفرين بفتح فرع للمركز الروسي المعني بمصالحة الأطراف المتنازعة لمنع وقوع خروقات لنظام الهدنة، نافية إقامة قاعدة عسكرية في تلك المنطقة، أظهر أكثر من مقطع فيديو حصلت عليه «الشرق الأوسط» وصول مدرعات وشاحنات ضخمة رفعت العلم الروسي إلى إحدى النقاط العسكرية حيث تبادلت قوات روسية السلام مع قوات كردية. وبثَّتْ وكالة «نوفوستي» الروسية لقطات لوصول رتل عسكري إلى خط التماس بين القوات الكردية وقوات «درع الفرات» في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، لافتة إلى أنّه ضم ناقلات جنود وسيارات «تيغر» (النمر) المصفَّحَة.
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق عن مصادر وصفها بـ«الموثوقة»، أن العشرات من الجنود الروس دخلوا إلى عفرين برفقة آليات وعربات وتمركزوا في ريف المدينة، لافتاً إلى أن نحو 100 عنصر من القوات الخاصة الروسية دخلت برفقة عربات ومدرعات باتفاق بين القوات الروسية والقوات الكردية. وأوضح المرصد أن هذه القوات ستتمركز في معسكر بمنطقة كفر جنة بريف عفرين، على أن تحضر لإنشاء قاعدة عسكرية روسية ستقوم بمهمتين رئيسيتين؛ الأولى، منع الاحتكاك بين القوات الكردية والقوات التركية في حدود «مقاطعة عفرين» ومناطق سيطرة القوات الكردية، بالإضافة إلى كونها ستعمد إلى تدريب القوات الكردية.
ويسعى الأكراد الذين أعلنوا إقامة إدارة ذاتية مؤقتة في شمال البلاد إلى ربط مقاطعاتهم الثلاث؛ الجزيرة (الحسكة)، وعفرين (ريف حلب الغربي)، وكوباني (ريف حلب الشمالي)، من أجل إنشاء حكم ذاتي عليها على غرار كردستان العراق. ولم يتلقَّ أكراد سوريا حتى الساعة أيَّ وعود من أي طرف إقليمي أو دولي بالموافقة على إقامة فيدرالية كردية في شمال البلاد.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.