«قيود حكومية» تكبل الاستثمارات العقارية الصينية الخارجية في 2017

بعد أعوام من تدفقات كبرى أثارت مخاوف

فورة الاستثمارات العقارية الصينية في الخارج تراجعت منذ بداية العام الحالي (رويترز)
فورة الاستثمارات العقارية الصينية في الخارج تراجعت منذ بداية العام الحالي (رويترز)
TT

«قيود حكومية» تكبل الاستثمارات العقارية الصينية الخارجية في 2017

فورة الاستثمارات العقارية الصينية في الخارج تراجعت منذ بداية العام الحالي (رويترز)
فورة الاستثمارات العقارية الصينية في الخارج تراجعت منذ بداية العام الحالي (رويترز)

هبطت استثمارات الصين غير المالية في الخارج 52.8 في المائة على أساس سنوي في أول شهرين من عام 2017، وذلك مع استمرار الشركات الصينية في العزوف عن الاستثمار في الخارج، وسط حملات من الجهات التنظيمية على تدفقات الأموال العابرة للحدود.
وقالت وزارة التجارة الصينية، الخميس الماضي، إن الاستثمار المباشر للصين في الخارج بلغ 92.42 مليار يوان (13.43 مليار دولار)، على مدى يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط). وأظهرت حسابات لـ«رويترز»، من واقع بيانات وزارة التجارة، أن الاستثمار الصيني في الخارج بلغ 39.15 مليار يوان في فبراير، انخفاضاً من 53.27 مليار يوان في يناير، ليسجل أدنى مستوياته في 17 شهراً على الأقل.
وزادت الصين القيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال في أواخر العام الماضي، وسط مؤشرات على تدفقات قوية إلى الخارج، وهو ما أضاف إلى الضغوط المستمرة لخفض عملتها (اليوان). وأظهرت بيانات وزارة التجارة أن الاستثمار في مجالات العقارات والرياضة والترفيه عاود الانخفاض بشدة في يناير وفبراير، بعدما حذر المنظمون من أنهم سيراقبون عن كثب الاستثمار «غير العقلاني» في تلك المجالات. وتأتي تلك النتائج في خط مستمر بالهبوط منذ شهر يناير، حيث قالت وزارة التجارة آنذاك إن استثمارات الشركات الصينية في العقارات الأجنبية تراجعت بنسبة 84.3 في المائة في يناير الماضي، مقارنة بمستواها عن الشهر ذاته قبل عام. وقد ساعدت تلك الاستثمارات في تغذية زيادات حادة ومثيرة للجدل في كثير من الأحيان بأسعار المنازل بمدن في مختلف أنحاء العالم، من لندن إلى فانكوفر، بحسب «رويترز». وساهم ذلك في خفض الاستثمار المباشر الإجمالي للصين 35.7 في المائة في يناير إلى 53.27 مليار يوان (7.77 مليار دولار)، ليسجل أضعف مستوى له في 16 شهراً. ولا تشمل البيانات استثمارات الشركات في القطاع المالي. وشددت الصين قبضتها على حركة خروج الأموال من البلاد أواخر العام الماضي، مع انخفاض اليوان إلى أدنى مستوياته في أكثر من 8 سنوات. وعرقلت الخطوة خططاً صينية لشراء أصول عالمية متنوعة، مثل نادي «إيه سي ميلانو» الإيطالي لكرة القدم، وشركة إنتاج سينمائي أميركية. ويقول العاملون في تسهيل الاستثمار الصيني بالخارج إن إخراج الأموال من البلاد ازداد صعوبة. والشهر الماضي، قال مدير استثمار في الصين (أورينت ساميت كابيتال) التي تدير صناديق استثمار عقاري في شنغهاي إن «كل الصفقات العقارية الخارجية تأثرت بشدة بالقيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال... غيرنا قنواتنا التمويلية لاستهداف المستثمرين الذين لديهم أموال في الخارج بالفعل».
* التوسع داخلياً
وفي سياق ذي صلة، أوضح مسح أجرته «رويترز» مطلع العام الحالي أن أغلب المطورين العقاريين يخططون هذا العام للتوجه بشكل أكبر نحو الاستثمار في الأراضي خلال العام الحالي لتوسيع حصصهم بالسوق، نتيجة لارتفاع أسعار العقارات، والقيود التي تفرضها الحكومة. واستطلعت «رويترز» آراء 10 من كبار المطورين، من بين أبرز 20 مطوراً عقارياً في الصين، الذين يصل مجموع مبيعاتهم السنوية إلى نحو 300 مليار دولار من مبيعات الشقق.
وقال 80 في المائة إنهم يزيدون من ميزانياتهم بنحو 10 إلى 50 في المائة، فيما أشارت شركتين إلى الإبقاء على مستويات إنفاقهما خلال العام الحالي. ويقوم المطورون بشراء الأراضي في مدن «الفئة الأولي»، وهي بكين وشنغهاي وغوانزو وشنتشن، أو مدن «الفئة الثانية»، مثل سوتشو ووهان وهيفي، مع تجنب الشراء في المدن من الفئات العقارية الأدنى، وذلك نظراً لارتفاع الطلب بقوة، وانخفاض المعروض في المدن الأعلى فئة. ودق الارتفاع الحاد في الأسعار بالمدن الكبرى، خلال العام الماضي، جرس إنذار رسمي في بكين حول احتمال حدوث «فقاعة عقارية»، وأدى إلى سلسلة من التدابير على المستوى المحلي للحد من المضاربات العقارية.
ويقول مسؤول بإحدى شركات التطوير العقاري بمدينة شنتشن، حيث أسعار المساكن بين الأغلى في الصين، إنه «نظراً للتشديدات الحكومية، فإن مبيعات المنازل لن تكون بالرواج المجنون الذي شهدته في عام 2016... ولكن هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لنا لشراء المزيد من الأراضي، لأننا بعنا أكثر مخزوننا العام الماضي»، وتابع قائلاً: «المطورون بحاجة للحفاظ على زخم النمو، وهكذا نحن بحاجة للحفاظ على الشراء بقوة... وموضة هذا العام هي الاستثمار في الأراضي».
* أعوام التدفق
وتأتي تلك التراجعات والمخاوف بعد تدفقات استثمارية صينية كبيرة خارج حدودها على مدار عدة أعوام. وفي دراسة صدرت في مايو (أيار) 2016، أعدت بالاشتراك بين «الجمعية الآسيوية» ومجموعة «روزن كانسلتنغ» الاستشارية، ظهر جلياً أن الصينيين ضخوا مليارات الدولارات في قطاع العقارات الأميركي بحثاً عن استثمارات خارجية آمنة، ليصبحوا في طليعة الأجانب الذين اشتروا منازل في الولايات المتحدة خلال سنة 2015. وارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية في العقارات السكنية والتجارية خلال تلك السنة بشكل كبير، لتصل استثماراتهم على مدى 5 سنوات إلى 110 مليارات دولار، وفق الدراسة. كما ساهمت هذه الأموال الطائلة في استعادة قطاع العقارات الأميركي لعافيته بعد الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2006، وبلغت ذروتها في عام 2008.
وبين عامي 2010 و2015، استثمر الصينيون أكثر من 17 مليار دولار في سوق العقارات التجارية الأميركية، ونصف هذا المبلغ تم صرفه خلال سنة 2015 وحدها.
ولكن خلال الفترة نفسها، أنفق الصينيون على الأقل 93 مليار دولار لشراء مساكن أميركية. وخلال 12 شهراً، للفترة التي تنتهي في مارس (آذار) 2015، بلغت قيمة صفقات شراء المنازل نحو 28.5 مليار دولار في الإجمالي. ويركز الصينيون جغرافياً على الشراء في المدن الأعلى سعراً، مثل نيويورك ولوس أنجليس وسان فرانسيسكو وسياتل. ويعني هذا التركيز أنهم يشترون منازل أغلى من المتوسط السعري للمنزل الأميركي، إذ دفع المشترون الصينيون في المتوسط 832 ألف دولار للمنزل في الولايات المتحدة، مقارنة مع نحو 500 ألف دولار كمعدل وسطي لكل مشتريات الأجانب. وبحسب الدراسة، فهناك دوافع كثيرة تحفز الصينيين على القيام بهذه الصفقات. فالبعض منهم يشترون منزلاً ثانياً، أو مع انتقالهم للعيش في الولايات المتحدة، للحصول على تأشيرة المستثمر (أي بي – 5)... في حين يشتري آخرون للإيجار أو لإعادة البيع.
وتلاحظ الدراسة أن معظم الأموال الموظفة في شراء البيوت الأميركية هي ثروات خاصة، وليست لشركات، إذ «غالباً ما يلجأ الصينيون لاستخدام العقار كاستثمار، أو للحفاظ على الثروة، وهو ما يعكس ارتياحاً أكبر لشراء منزل ثان في الولايات المتحدة، من قبل أفراد أو عائلات». ومنذ نحو عام ونصف، أضيف إلى الدوافع السابقة دافع إخراج الأموال من الصين، وتحويلها إلى الدولار، مع ظهور قلق من استمرار تراجع اليوان.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».