يرجح أن تكون فجوة كبيرة في الأرض تعرف بـ«الخسفة» في عمق الصحراء جنوب مدينة الموصل بشمال العراق تتكدس فيها جثث قتلى أعدمهم المتطرفون، أكبر مقبرة جماعية تروي مأساة مروعة لضحايا تنظيم داعش.
ويصف السكان هذا الموقع بـ«الخسفة»، وهو منخفض كبير ناجم عن إحدى الظواهر الطبيعية، ويعتقد الناس أنه جراء سقوط نيزك في المكان. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سكان أن التنظيم المتطرف حول الخسفة إلى «موقع للموت»، بعد سيطرته على الموصل في يونيو (حزيران) 2014. واستخدمه لتنفيذ الإعدامات ومقبرة جماعية لإلقاء جثث الضحايا.
وقال محمد ياسين (56 عامًا)، أحد سكان بلدة حمام العليل القريبة من الخسفة: «كانوا يجلبونهم معصوبي الأعين وأيديهم موثوقة خلف ظهورهم، ويركعونهم على طرف الخسفة ليطلقوا النار على رؤوسهم ويدفعوهم إلى هناك». وأكد ياسين، وهو عسكري متقاعد، أنه شاهد منذ سيطرة «داعش» على المنطقة ما لا يقل عن 6 عمليات إعدام عند الخسفة.
وياسين يتواجد بحكم عمله كسائق شاحنة لنقل النفط يمر قرب المكان بشكل منتظم. وذكر أن الضحايا الذين قتلوا كانوا من الشرطة والجنود أو موظفين حكوميين حكم عليهم بالإعدام لارتباطهم بالدولة. وأشار إلى أن «الناس أصبحت تخاف هذا المكان وأصبح مكانًا للموت، لتنفيذ الإعدام».
واقتاد متطرفون حسين خلف هلال (73 عامًا) في أحد الأيام إلى الخسفة لإعدامه بتهمة انتهاك قوانين التنظيم لقيامه بمعالجة الناس بواسطة الطب التقليدي. وروى ما حدث معه قائلاً: «جاءوا إلى البيت وعصبوا عيوني وربطوا يداي خلف ظهري وأخذوني بسيارة زجاجها داكن اللون». وتابع: «أخذوني إلى هناك بغية إخافتي، لأنهم أرادوا مني مبايعتهم». وأشار إلى أن المتطرفين كانوا يجبرون الناس على رمي أنفسهم «عشرة أو خمسة عشر» داخل الخسفة بعد إرغامهم على تناول حبوب. لكن هلال طلب فرصة لمبايعة التنظيم فاقتادوه إلى السجن بدلاً من إعدامه.
من جهتها، تقول بلقيس ولي، وهي باحثة عراقية في مجال حقوق الإنسان، إن قصص الإعدامات الجماعية كثيرة لما تردد على مسامعها طوال أشهر. وأضافت: «بدأت أسمع عن هذا المكان قبل نحو عام، خلال مقابلات أجريتها مع أناس فروا من سيطرة تنظيم داعش». وأشارت إلى أن هؤلاء تحدثوا عن أناس أعدموا عند الخسفة، وسجناء أبلغوهم عن نقل معتقلين لقتلهم في الخسفة.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها منظمة «هيومن رايتس وتش» وفقاً لصور أقمار صناعية إلى أن الخسفة ممتلئة. فيما ذكر عدد من السكان أن المتطرفين ألقوا قطع سيارات متهالكة وحاويات شحن بضائع داخل الخسفة. وبعد شهر على استعادة السيطرة على المنطقة من قبضة المتطرفين، ظهر أن عمق الخسفة يبلغ أمتاراً معدودة، حيث تتواجد هياكل آليات ملقاة هناك. كما تناثرت عبوات ناسفة داخل وحول الخسفة، حيث تنتشر قوات من «الحشد الشعبي».
وقال أبو أحمد الحسني أحد مقاتلي «الحشد الشعبي» إن «هذا المكان موقع تشعر فيه بالحزن (...) نفكر في جميع العراقيين الذين أعدموا من جميع الطوائف». وأضاف بحزن: «قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء والرجال».
والسبت الماضي، قتلت مراسلة فضائية «رووداو» الكردية وثلاثة عناصر من «الحشد الشعبي» بانفجار عبوة ناسفة محلية الصنع قرب فوهة الخسفة.
ولا تتوفر إحصاءات دقيقة حتى الآن عن عدد الضحايا الذين قضوا داخل الخسفة. وقالت بلقيس ولي إن «العدد الذي نسمعه مراراً خلال المقابلات هو أربعة آلاف»، في إشارة إلى أن المعلومات المتوفرة لا تسمح بتحديد العدد.
وتسعى منظمة «هيومن رايتس وتش» للقاء مسؤولين في الحكومة العراقية التي لديها فريق وزاري مختص بالمقابر الجماعية للقيام بعملية واسعة للبحث في الخسفة. وأضافت بلقيس ولي: «نود أن نلتقي هذا الفريق بأسرع وقت، لوضع علامات على الموقع لحمايته ومنع الناس من الذهاب، كونه موقعا ملوثا». وقالت: «بعد ذلك، تأتي المهمة الصعبة وهي جمع أشلاء ونقلها إلى السطح (...) لينظر فيها اختصاصي الطب الشرعي للبدء بتحديد الهوية، ثم يليها الجزء الأكثر صعوبة، وهو البحث عن المزيد منها في الأسفل».
لكن الحسني يعتقد أن من المستحيل الحفر في طبقات متعددة من رفات الضحايا. ويرى أنه من الأفضل أن «تغطى بالكامل لتكون مقبرة للشهداء العراقيين».
مقبرة جماعية جنوب الموصل تضم آلاف الجثث
شاهد عيان يروي كيف نجا من الطمر في «الخسفة»
مقبرة جماعية جنوب الموصل تضم آلاف الجثث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة