بكلمات مباشرة لا ينقصها الوضوح، عرض تقرير صادر عن الحزبين الرئيسيين في فرنسا خلال جلسة لمجلس الشيوخ الفرنسي الجهود التي تبذلها الدولة لاجتثاث الراديكالية الأصولية سواء من فكر الإرهابيين السابقين أو القادمين. وتجلى ذلك في عدة محاولات للحكومة الفرنسية شملت افتتاح مركز لإعادة تأهيل أصحاب الفكر الراديكالي، غير أن فيليب باس، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، اعتبر تلك الخطوة «مهزلة بكل المقاييس». ومن بين أكثر النقاط اللاذعة التي تضمنها التقرير كانت الإدانة اللاذعة لشبكة ضمت 12 مركزا لإعادة تأهيل أصحاب الفكر الراديكالي تعتزم الحكومة إنشاءها في إطار سعيها لمحاربة الإرهاب الذي يتوالد داخل البلاد، وهو الاتجاه الذي تعرض لانتقادات واسعة. ويأتي هذا الاتجاه كرد فعل لموجة عنف ارتكبها أشخاص يحملون جوازات سفر فرنسية وأخرى صادرة عن دول الاتحاد الأوروبي حصدت أرواح 230 شخصا في فرنسا منذ يناير (كانون الثاني) 2015، مما دعا الإدارة الاشتراكية للرئيس فرنسوا هولاند للسعي لإيجاد حلول للمشكلة. والغرض من مراكز إعادة تأهيل أصحاب الفكر المتطرف - رسميا تحمل اسم مراكز «المنع والتكامل والمواطنة» - هو فرض روتين حياة قاس على نزلاء هذه المراكز وإخضاعهم إلى دورات مكثفة في التاريخ الفرنسي والفلسفة. وبحسب رئيس الوزراء الفرنسي برنارد كازنوف عندما كان وزيرا للداخلية في الخريف الماضي عند افتتاحه لأول مركز لإعادة التأهيل، الذي صرح حينها بقوله «سنتمكن من محاربة الإرهاب فقط عندما نحترم قيم الجمهورية»، لكن بعد ذلك بخمسة شهور، افتتح مركزا واحدا فقط من إجمالي 12 مركزا كان من المفترض افتتاحها، وهذا المركز بات خاليا الآن. وفي هذا الصدد، قالت كاثررين تروندل، عضوة مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري التي وقعت التقرير المذكور، إن «هذا الفشل يوضح بصورة جلية غياب التقييم للآليات التي وضعتها الدولة للاضطلاع بمهمة إعادة تأهيل أصحاب الفكر الراديكالي، وعدم وجود آلية شاملة لمنع انتشار هذا الفكر». وخلص التقرير إلى أن برنامج إعادة التأهيل صمم على عجل من دون دراسة وافية. وفي نفس السياق، أفادت إيستر بينباسا، عضو مجلس الشيوخ عن حزب يوروب أيكولوجي اليساري الذي شارك في أعداد التقرير، بأنه «على الرغم من توافر حسن النية، فإن الكثير من المؤسسات التي كانت تبحث عن تمويل حكومي في وقت الأزمة المالية اتجهت إلى قطاع إعادة تأهيل أصحاب الفكر الراديكالي من دون أي خبرة حقيقية»، مضيفة أن ذلك خلق مناخا سيئا في الاتجاه لإعادة تأهيل أصحاب الفكر المتطرف. كذلك انتقدت منظومة الأمن الفرنسي، ومنذ فترة طويلة، جهود الحكومة لإعادة تأهيل أصحاب الفكر المتطرف، معتبرة إياه مجرد ذرا للرماد في العيون لإرضاء الناخبين قبل الانتخابات. وفي سياق متصل، قال جين تشارلز بريسارد، خبير الاستخبارات الفرنسي ومدير مركز تحليل الإرهاب بباريس، في مقابلة شخصية، إنه «من المستحيل إعادة تأهيل أصحاب الفكر الراديكالي»، مضيفا: «إننا جميعا نرى أن أفضل ما تفعله هو أن تقوم بإجراءات وقائية، لا أن تحاول تغيير ما في عقول الناس بعد أن تحدث الجريمة». وللتدليل على رأيه، استدعي بريسارد النموذج البريطاني الذي يطبق تكنيكا أكثر شمولية على المستوى المحلي، مضيفا: «أنت تحتاج لاستخدام جميع العناصر على المستوى المحلي؛ المدارس، وقادة الفكر الديني، والخدمات المدنية، والشرطة، والبلدية». أضاف بريسارد «تبنينا بعض هذه المبادرات، لكن بصفة عامة، فإن المتوافر لدينا لا يزال غير كاف وضعيفا».
واجه هولاند تراجعا تاريخيا في شعبيته، ويرجع السبب جزئيا إلى الهجمات الإرهابية التي حدثت خلال فترة ولايته. ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، صرخ بأنه لن يسعى لإعادة الترشح لفترة جديدة في الانتخابات المقررة في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) القادمين. ففي الشهور التي سبقت الانتخابات القادمة، تصدرت قضايا الأمن القومي وخطاب الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام)، الذي تبناه اليمين المتطرف الفرنسي، الجدل السياسي في فرنسا.
*خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ»الشرق الأوسط»

