تونس تحاكم المشاركين في المظاهرات... ومنظمات حقوقية تحتج

السلطات اعتبرتهم معطلين للعمل الحكومي.. ومحامون تطوعوا للدفاع عنهم مجانًا

تونس تحاكم المشاركين في المظاهرات... ومنظمات حقوقية تحتج
TT

تونس تحاكم المشاركين في المظاهرات... ومنظمات حقوقية تحتج

تونس تحاكم المشاركين في المظاهرات... ومنظمات حقوقية تحتج

شرع القضاء التونسي في محاكمة أكثر من 60 ناشطا اجتماعيا، شاركوا في الاحتجاجات الاجتماعية داخل عدد من المدن، للمطالبة بمشاريع للتنمية والقضاء على البطالة، وفي غضون ذلك عبرت مجموعة من المنظمات الحقوقية عن استعدادها للدفاع عن حقهم في التظاهر السلمي.
وانطلقت أحدث هذه المحاكمات في 14 من فبراير (شباط) الحالي، وتتواصل إلى يوم غد، ويمثل فيها شبان من مناطق مختلفة، أبرزها منطقة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية (وسط)، وجزيرة جربة (جنوب شرق)، والكاف (شمال غرب)، وقفصة (جنوب غرب)، وقليبية (شمال شرق).
وبينما اعتبرت السلطات معظم المحتجين عناصر معطلة للعمل الحكومي، ومؤثرة على نسق الاستثمار في الجهات وعلى إمكانية جلب الاستثمارات الخارجية، يصر المحتجون من جانبهم على حقهم في الاحتجاج السلمي، ومطالبة الحكومة بتشغيلهم وحفظ كرامتهم.
وبالنظر إلى أعداد المحالين إلى المحاكم واختلاف التقييمات بشأن تحركاتهم، وإن كانت مشروعة أم مخالفة للقوانين، فقد عبر نحو ستين محاميا عن استعدادهم للدفاع عن المتهمين مجانا، وشكلوا لهذا الغرض شبكة للدفاع عن الحركات الاجتماعية تبناها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، كرد فعل على تعامل الحكومة مع الاحتجاجات السلمية.
وفي هذا الشأن، قال المحامي خالد عواينية، أحد مؤسسي هذه الشبكة، إن الاحتجاجات تجاوزت المناطق الفقيرة المعروفة، التي تضم سيدي بوزيد والقصرين وقفصة، وتجاوزتها إلى مناطق الكاف وجندوبة وصفاقس ومدنين وقبلي وسوسة، وهو مؤشر مهم على صعوبة حل المشكلات الاجتماعية وعجز الحكومات عن الإيفاء بوعودها، حسب قوله، كما انتقد بعض القوانين المعتمدة في تجريم المحتجين ومحاكمتهم، وقال إنها «بالية»، وبعضها يعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي.
وشدد عواينية على الدعم الكبير الذي تلقاه شبكة الدفاع عن الحركات الاجتماعية من قبل الفروع الجهوية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابتي العمال والصحافيين، وقال إن هذه الهياكل والمنظمات ستشكل «حزاما لمناصرة شبكة الدفاع في توجهاتها والمحتجين بسبب ظروفهم الاجتماعية القاهرة»، على حد تعبيره.
وكرد فعل على هذه المحاكمات، عبر عدد من نشطاء المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التونسية والدولية عن استنكارها هذه المحاكمات، ورأوا فيها «مواصلة لسياسات تحميل المحرومين والمهمشين أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها تونس»، ووصفت تلك الإجراءات القضائية بـ«السياسة الممنهجة لملاحقة نشطاء الحراك الاجتماعي»، وإسكات المطالبين بحقوقهم بشكل سلمي.
وبهذا الخصوص قال عبد الحليم حمدي، ممثل التنسيقية التونسية للحركات الاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن المنظمة دعت إلى ما سمته «التعبئة» ومواكبة كل المحاكمات ضد نشطاء الحراك الاجتماعي، والاحتجاج في الساحات المقابلة للمحاكم على ما وصفته بـ«سياسات العقاب الجماعي والتمييز تجاه مناضلات ومناضلي الحركات الاجتماعية وعقد اجتماعات عامة لفضح هذه السياسات»، معتبرا أن الاحتجاجات التي عرفتها بعض الجهات المهمشة منذ قرابة العام أمام مقرات المعتمديات (السلطات المحلية) والبلديات جاءت بعد استنفاد قوى الحراك الاجتماعي كل الحلول مع الحكومة، من أجل حقها في التشغيل والعدالة الاجتماعية والتنمية في الجهات المحرومة، على حد قوله.
وانتقدت التنسيقية التونسية للحركات الاجتماعية، في بيان لها، المحاكمات، وقالت إن «السقوط الحتمي سيكون مصير كل حكومة تتخذ سلاح تجريم الحراك الاجتماعي ووصمه كخيار أول، عوضا عن الحوار والتفاعل الإيجابي مع المحتجين في كل أنحاء البلاد».
وأكدت المصادر ذاتها أن «كل أشكال الضغط الأمني والقضائي لن يثني الناشطين عن مواصلة احتجاجاتهم السلمية وتكثيفها»، واعتبرت أن محاكمات نشطاء الحراك الاجتماعي «ليست إلا حملة يائسة لفاقدي الحلول والبدائل وغير الحاملين لمشروع اقتصادي واجتماعي يضمن العدالة الاجتماعية لترويع أصحاب الحق»، وفق تعبيرها.
وخلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ندد ممثلو الحركات الاجتماعية والمعتصمون بعدد من ولايات الجمهورية وأمام الوزارات بما اعتبروه «هجمة شرسة» يتعرض لها نشطاء الحراك الاجتماعي بالجهات، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن انطلاق الحوار المجتمعي مع الشباب.
وانتقد ممثلو ثماني حركات احتجاجية بعدد من الولايات المحاكمات التي طالت عددا من شباب الحراك الاجتماعي، من بينها إصدار حكم على الناشط التونسي عبد الله اللطيفي وأصدقائه بثمانية أشهر غيابيا بمنطقة ماجل بلعباس (القصرين)، ودعوة ناشطين آخرين إلى المثول أمام أنظار القضاء. ودعا ممثلو تلك الحركات الاحتجاجية الحكومة إلى «احترام تعهداتها والتدخل العاجل لرفع المظالم والتعامل بجدية مع الملفات العالقة والتحاور الفعلي مع ممثلي التحركات دون ترهيب أمني».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.