جنرال أميركي متقاعد يعود إلى خط النار في الموصل

أترباك: خدمتي العسكرية جعلت مني مراسلاً حربيًا صلبًا

أترباك أثناء مهمته الأولى كصحافي حربي في الموصل إلى جانب القوات العراقية
أترباك أثناء مهمته الأولى كصحافي حربي في الموصل إلى جانب القوات العراقية
TT

جنرال أميركي متقاعد يعود إلى خط النار في الموصل

أترباك أثناء مهمته الأولى كصحافي حربي في الموصل إلى جانب القوات العراقية
أترباك أثناء مهمته الأولى كصحافي حربي في الموصل إلى جانب القوات العراقية

بعد خدمة طويلة في القوات الأميركية الخاصة، قرر الجنرال المتقاعد ميتش أترباك العودة إلى الصفوف الأمامية من المعترك. ترك البدلة العسكرية في الولايات المتحدة، واتجه إلى الموصل في أول مهمة ميدانية له منذ تقاعده كصحافي حربي هذه المرة. وأمضى أترباك 15 يوما في الموصل إلى جانب القوات العراقية، وبين سكانها يتتبع بحذر مجريات المعركة بين الجيش وعناصر «داعش» المتطرف. كان أترباك شاهدا على عمليات تحرير المدينة من المتطرفين يوميا، وتحركات الجيش العراقي لتأمين السكان وتطهير المنطقة، دون ما رآه على «تويتر»، وعاد إلى الولايات المتحدة إلى كلية الصحافة لكتابة مشروع تخرجه الذي سيضم تجاربه في العراق.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكد الجنرال المتقاعد أنه كان بأتم الراحة خلال مهمته الصحافية الأولى وقال إن السنوات التي أمضاها في البدلة العسكرية في مناطق النزاع ساعدته على تقدير المشهد من حوله. وأضاف: «لم أكن عبئا على القوات العراقية، وأثبتت لي رحلتي أن خياري للانتقال لمهنة الصحافة كان صائبا، وأن تجاربي السابقة ستصنع مني مراسلا حربيا صلبا في المستقبل القريب». حيث يأمل أترباك في أن يعود إلى العراق لتغطيه مجريات تحريرها من المتطرفين عقب تخرجه من كلية الصحافة في مايو (أيار) المقبل كمراسل حربي تابع لجهة إعلامية رسمية هذه المرة.
وخلال حديثه، رسم أترباك صورة للوضع الحالي في الموصل بقوله: «الوضع المعيشي لسكان شرق الموصل صعب ولكنه في تحسن». وأضاف: «القوات الأمنية العراقية تشرف حاليا على عملية الإغاثة الإنسانية. وأتيحت الفرصة مؤخرا للمؤسسات غير الربحية لتوفير العناية الطبية للمصابين قبل نقلهم إلى مشفى في بلدة برطلّة شرق الموصل».
وعن طبيعة القتال، كشف الجنرال المتقاعد أن معركة تحرير الموصل هي حرب شوارع و«عناصر تنظيم داعش أمامهم خياران فقط، إما القتال أو الموت في الأزقة».
وأكد أن «القوات العراقية استطاعت تحقيق كثير من التقدم والانتصارات في عمليات تحرير الموصل وتطهيرها من الوجود الداعشي». وأن «سكان الموصل يتعاونون مع الجيش ويعتبرون عناصره أبطالا لتحريرهم من طاغوت التنظيم المتطرف». وقال أترباك إنه لم يشعر بأي بوادر طائفية في شرق الموصل.
وأوضح أن القوات العراقية ليست بحاجة إلى إرشادات تكتيكية لمحاربة «داعش» في الموصل، وأن عناصر الجيش يخوضون حاليا حرب مدن أعظم من التي خاضها الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية. وأضاف: «كنت في الصفوف الأولى إلى جانب الجيش أثناء معارك التطهير من (داعش)، ولم يكن هناك وجود عسكري أميركي لإرشاد عناصر الجيش على الأرض». واستطرد: «التحالف الدولي لمحاربة (داعش) بقيادة الولايات المتحدة يقوم بدعم الجيش العراقي عن طريق الضربات الجوية، والتعاون يسري بشكل جيد؛ لأن التحالف يعرف أن دوره مساند فقط».
وحول أكبر التحديات التي تواجه الجيش، كشف أترباك أن «تنظيم داعش يستخدم طائرات من دون طيار (درون) في هجماته، وهذا أمر خطير ومدعاة للقلق للقوات العراقية». وأضاف: «مع أن الدرونز التي يستخدمها التنظيم لا تستطيع إسقاط أكثر من قنبلة يدوية واحدة (mm40) في كل طلعة، إلا أن القوات العراقية تتعامل معها بجدية تامة وتحاول إسقاط أي درون ترصده». وأثناء وجوده في الموصل، رافق أترباك الجيش وكان شاهدا على قتال حي بين القوات العراقية وعناصر «داعش». وقال: «أؤكد أن الجيش العراقي يبذل أقصى جهده لحماية المواطنين وضمان سلامتهم، في الوقت الذي يستخدم التنظيم المتطرف الناس دروعا بشرية، ويستهدف أيضا المواطنين الذين يحاولون الفرار. وكنت شاهدا على جرائم حرب دموية ارتكبها (داعش) أمامي».
وقال إن معظم عناصر «داعش» عراقيون، والبعض الآخر سوري ومن المغرب العربي والشيشان. ومن أكثر اللحظات التي أثرت بأترباك لحظة لقائه بعناصر من الجيش العراقي، كان مستشارهم عندما كان في القوات الأميركية الخاصة.
عاد أترباك بعد رحلة محفوفة بالمخاطر واللحظات الإنسانية إلى مقاعد الدراسة في كلية الصحافة، لاستكمال تعليمه، وأكد أنه يفكر في العودة إلى العراق كل يوم، وأنه لا يزال على اتصال مع القوات العراقية ويتأمل تغطية تحرير غرب الموصل من هناك قريبا.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.