هل يمكن تحييد الآيديولوجيا عن ملامح النص الروائي؟

حين تتسلل من باب الأدب يهرب الإبداع من نافذته

يوسف المحيميد
يوسف المحيميد
TT

هل يمكن تحييد الآيديولوجيا عن ملامح النص الروائي؟

يوسف المحيميد
يوسف المحيميد

ما هي الآيديولوجيا؟ علينا أن نتفق في البداية على أن مفهوم الآيديولوجيا، وحسب حميد لحمداني: «من أكثر المفاهيم صعوبة في التحديد؛ ولذلك فالكتابة عنه تعد مغامرة غير محمودة العواقب من الناحية العلمية، إذا لم يستطع الباحث تحديد المواقع التي يتحدث انطلاقًا منها عن المفاهيم المختلفة للآيديولوجيا»؛ لكنني هنا لن أتناول الأمر من الناحية العلمية، أو النقدية الأكاديمية، وإنما من خلال رؤيتي البسيطة، من خلال القراءات والكتابة الروائية، فهل الآيديولوجيا علم الأفكار، الأفكار المسبقة، الجاهزة؟ وإذا كانت كذلك، فكيف تتقاطع مع الأدب، ومع الرواية تحديدًا، وبخاصة أن الأدب في عمقه التمرد على القوالب الجاهزة، والبحث الدءوب عن الجديد والمتفرد والمختلف؟
إذا كانت الآيديولوجيا هي اليقين والإيمان بفكرة ما، فإن الأدب والإبداع هو اللا يقين، فمتى وصل الأدب أو الرواية إلى اليقين الخالص والإجابات الجاهزة، وتخلى عن الشك والأسئلة، فهذا يعني أنه فقد سحره وجمالياته.
إن كثيرًا من المبدعين- والقراء أيضًا- أصحاب مواقف آيديولوجية تجاه كثير من القضايا اليومية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا أمر طبيعي، بل ومهم، فلا بد أن يمتلك الكاتب أو القارئ موقفًا ما تجاه ما يحدث حوله، بشرط ألا تكون مواقفه محكومة بآيديولوجيا ثابتة وجامدة، وإنما يجب مراجعتها من وقت إلى آخر؛ لأن التغيير سنة كونية، فمتى ما كانت المواقف دوغمائية فهي تنعكس على الشخص، سواء كان مبدعًا أو قارئًا؛ لأن حتى القارئ أيضًا قد تتحكم دوغمائيته في تصنيف ما يقرأ من روايات، وتجعله يحكم مبكرًا على عمل روائي فني متجاوز بالفشل، فقط لأنه لا يتفق مع آيديولوجيته، ومع رؤيته المسبقة، وهذا يحرمه فرصة اتساع أفق رؤيته وتجديدها.
* بيان آيديولوجي
إن أكثر ما يضعف النص الروائي ويفسده، تدخل الآيديولوجيا الصارمة، بشكل مباشر، وهذا ما يجب أن يدركه المبدع مبكرًا، بألا يتحول نصه الروائي (وهو عمل أدبي خالص وحُر) إلى خطاب أو بيان آيديولوجي مباشر، وقد نجح في ذلك عدد من الروائيين في العالم... فعلى سبيل المثال لا الحصر، على المستوى العالمي نجد أن الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، المنتمي للحزب الشيوعي البرتغالي منذ عام 1969 وحتى وفاته، لم يكن منفذًا للشروط والقوانين، ولم تكن رواياته تعكس رؤية الحزب وتعليماته، بل كان يكتب برؤية فلسفية مختلفة، يفاجئ بها القارئ كل مرة. ويتحول إلى مبدع ذي مخيلة رائعة عند الجلوس إلى طاولة الكتابة، وهذا ما أعنيه بضرورة الفصل الفاعل والكامل بين المواقف الفكرية والآيديولوجية للكاتب وبين نصوصه الروائية الإبداعية!
كذلك تجربة ماريو بارغاس يوسا، الروائي والسياسي المعروف، التي انتهج مبدأ «ما للسياسة للسياسة، وما للأدب للأدب» بما يثبت كيف يمكن أن تتحرر الرواية من سطوة الآيديولوجيا، فما قدمه من روايات حافظت على روح الأدب ونأت بها عن سطوة الآيديولوجيا. بل حتى هذه الآيديولوجيا لم تكن دوغمائية، وإنما متحولة ومتجددة من وقت لآخر، إلى درجة أن أثارت تحولاته ومواقفه حفيظة المعجبين بأعماله من القراء والأدباء والنقاد.
وعلى مستوى الرواية العربية، فكثيرًا ما تهيمن الآيديولوجيا على الخطاب الروائي العربي، الذي يريد قول كل الأشياء دفعة واحدة، لتتحول جميع عناصر الرواية ومكوناتها لصالح هذه الآيديولوجيا التي يبشر بها النص الروائي، فيتحول من نص معرفي وجمالي يقدم العالم بوصفه مجازًا، إلى نص هيولي أو مادة خام لنص جيد.
* الروائي المؤدلج
إن النص الروائي الذي يتقصد خدمة الآيديولوجيا، ويضعف أمام إغراءاتها، يعني أنها- أي الآيديولوجيا- قد استغلته، وحوّلته إلى أدب شعاراتي، وهو ما يجب على الأديب والروائي الحقيقي الحر الحذر منه، ومن تسلل الآيديولوجيا الضيقة سهوًا إلى الرواية، وهو ما أحاول الحذر منه دائمًا في معظم أعمالي الروائية، قد أنجح وقد أفشل؛ لأن الكتابة برؤية عميقة تتطلب الإيغال في النص بدربة وذكاء، دون السقوط في فخ الآيديولوجيا الصارمة، وهي عمليه تشبه المشي على خيط رفيع، ومن علو شاهق، فكثير من الروايات تُبهرنا في بداياتها، وتأسرنا بلغتها وبنائها الفني، ثم لا يلبث أن يستيقظ الروائي المؤدلج، ويتدخل في النص بشكل مقلق، لتتحول الرواية إلى خطاب آيديولوجي مكرر، فتكرّس خطابًا سياسيا واجتماعيا مملا وباهتا.
هذا يعني أن الروائي قد يتدخل في نصه، من خلال شخوصه ومواقفهم، إلى درجة إلباسهم معاطف آيديولوجية ثقيلة، قد تبدو أكبر مقاسًا من أجسادهم العادية، ولا تتناسب مع نمط هذه الشخصيات وبساطتها، فكيف يمكن لجم انفلات الآيديولوجيا كي لا تعيث بالنص خرابًا، كيف نحمي النص الروائي من انتهاكه آيديولوجيًا، هذا هو ما يجب أن يسعى الروائي إلى تحقيقه في نصه؛ لأن خلاص النص الروائي من آيديولوجية ما، من فكرة جاهزة ومسبقة، يعني جعله نصًا روائيًا إنسانيا، مكتملاً ببنائه الفني والجمالي، بما يضمن بقاءه وقابلية قراءته على مستويات وطبقات متعددة، على مدى عقود زمنية طويلة.
* تجربة شخصية
هل يجوز لي القول بأن الآيديولوجيا المباشرة حين تتسلل من باب الأدب، يهرب الإبداع والفن من نافذته؟ ولكن هذا لا يعني أن العمل الأدبي عمل فارغ هلامي، لا يحمل مضمونًا، ولا يحمل رسالة أو همًا، بل هو يحمل همًا إنسانيًا كونيًا، يستلهم الفني والجمالي، ويوظفهما لخدمة الحدث والشخصيات، ففي روايتي «فخاخ الرائحة» كنت أفكر بإنسانية شخصيات الرواية الثلاث، هذه الشخصيات المستلبة من قبل المجتمع، لأسباب عنصرية أو طبقية أو غيرها، هذه الشخصيات التي لا تملك حق الكلام والتعبير عن واقعها ومأساتها، فكان من حقي أن أمنحها في صفحات الرواية هذا الحلم في الكلام والتعبير، وجعلتها تتحدث بمنتهى الحرية.
إن ضمان حريات الإنسان في مختلف المجتمعات البشرية، وكل العصور، هو حق أصيل لا خلاف حوله، كحريته في العيش بسلام، بالطريقة التي تناسبه ما لم يتجاوز حدوده، ويعتدي على حريات الآخرين، وهذه الإشكالية التي تعرض لها فهد السفيلاوي، الشخصية المحورية في رواية «الحمام لا يطير في بريدة»، فقد كان بكل بساطة يبحث عن خلاصه الفردي، حتى لو اضطر إلى الانهزام أخيرًا، والهرب خارج الحدود، بحثًا عن هواء حرٍ يتنفسه.
كما أن «منيرة الساهي» الشخصية المحورية في رواية «القارورة» لم تكن تحمل آيديولوجيا ما، وإنما كانت تبحث عن الحقيقة، ودفع الأذى، لم تكن تنطلق من حالة الجندر أو الجنس، ولم تكن- ليلَ نهار- تلعن المجتمع الذكوري، إنما كانت تبحث عن إنسانيتها المفقودة، تكشف ببساطة هذا المجتمع التقليدي الذي يحاصرها، ويؤرجحها بين الخديعة والمراقبة والتهميش، فمن بيده قرار إنصافها، وإعادة إنسانيتها، وحمايتها من الخداع والتزوير، ينصرف عن حقها الواضح والمشروع، ليراقب أظفارها الطويلة وهي تتحدث في المحكمة، وينتقد شكلها، في ظل إهدار حقها الطبيعي.
في حين ينصرف فيصل، المخرج السينمائي الشاب، في رواية «غريق يتسلَى في أرجوحة» إلى حلمه الكبير في عرض فيلمه القصير المشارك في مسابقة، لكن هذا الحلم يُصادر، ويُوقف مهرجان الأفلام بأكمله، في انتهاك واضح وعلني لحق حرية التعبير بالكتابة أو الفن.
إن الأفكار الضيقة المحدودة، المتخفية بأقنعة الآيديولوجيا، قد تحرم الفن والكتابة من انطلاقها، وغالبية الكتاب المنتمين إلى أحزاب سياسية، ما لم يكونوا على وعي كبير بقيمة حرية الكتابة واستقلالها، والتحرر من أجندة الحزب وتعليماته، فإنهم سيتحولون مع الوقت إلى كتاب نمطيين فاشلين. كثير من الكتاب الطموحين ممن عانوا حصار الحزب والمذهب والطائفة تمردوا عليها؛ لأن سيطرة الأفكار الآيديولوجية على النص تعني نهايته وموته، وعدم قدرته على التجاوز والتفرد، والتحليق بعيدًا.

* روائي سعودي، والمقالة شهادة قدم ملخصها المحيميد خلال مشاركته في ندوة «الرواية بين الأدب والآيديولوجيا» ضمن فعاليات مهرجان «الجنادرية»



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.