القمح والحديد... صفقات إضافية بين «داعش» والنظام السوري

تنقهلما الشاحنات من الرقة إلى مناطقه بشكل دوري... والمرصد: يباعان لكل الأطراف عبر تجار

القمح والحديد... صفقات إضافية بين «داعش» والنظام السوري
TT

القمح والحديد... صفقات إضافية بين «داعش» والنظام السوري

القمح والحديد... صفقات إضافية بين «داعش» والنظام السوري

تتوسّع دائرة الصفقات بين «داعش» والنظام السوري بعدما بات التنظيم الإرهابي المتطرف يتحكّم بثروات المناطق الخاضعة لسيطرته. وبعدما سبق أن أكّدت تقارير عدة إقدام النظام على شراء النفط من «داعش» من الحقول النفطية، خاصة في محافظتي دير الزور والرقة، سجّل في الفترة الأخيرة مبادلات تجارية بين الطرفين شملت الخردة والحديد بكميات كبيرة، إضافة إلى محاصيل القمح والقطن. وكان لافتًا، وفق ناشطين في «تجمع الرقة تذبح بصمت»، أن الصفقة الأخيرة التي وصفت بـ«الأكبر» سجلت قبل قصف جسور الرقة الأساسية بساعات، وكأن «داعش» بحسب «التجمع»، كان يعلم مسبقا بـ«عملية الجسور».
أبو محمد الرقاوي، الناشط في «التجمع» قال لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيم الإرهابي المتطرف قام «قبيل استهداف الجسور الرئيسية للمدينة بغارات جوية من قبل طيران التحالف، يوم الخميس الماضي، بتسيير عدد من الشاحنات المحملة بالخردوات المعدنية كالحديد والألمنيوم والنحاس»، إلى خارج المدينة، عبر الطريق التي تؤدي إلى ريف محافظة حماه، وذلك قبل سقوط الجسور واضطراره إلى سلوك طرق أطول وأصعب. وأردف أن عدد الشاحنات يقدّر بنحو 50 شاحنة بحمولة 2500 طن، يبلغ قيمتها نحو 750 ألف دولار، كتقدير وسطي.
كذلك لفت «التجمع» إلى أن التنظيم عمد إلى تسيير عدد من العربات العسكرية لمرافقة القافلة وحمايتها، وذكر أن وجهة الشاحنات كانت نحو مناطق سيطرة النظام، وأن أحد تجار الرقة المدعو «أبو ردة» هو من أشرف على الصفقة بين الطرفين. وأشار «أبو محمد» إلى أن «أبو ردة» تاجر يقوم بشكل دوري بإدارة الصفقات بين النظام و«داعش» ويحصل على نسبة مئوية من كل عملية. وأوضح الناشط أيضًا «كذلك صفقات النفط غير المكرّر، تتم بشكل دوري بين داعش والنظام، إنما في فترات متباعدة، بحيث تشمل كل صفقة على نحو 10 أو 15 شاحنة، في حين يجري نقل القمح بمعدّل مرتين أسبوعيا، تحوي كل صفقة على نحو 4 أو خمس شاحنات تتجه في معظمها إلى ريف (محافظة) حمص». ويضيف «بعدما كان النظام يشتري محصول القمح وفق قانون خاص يعرف بـ(الاستحصال الزراعي) يمنع بموجبه المزارعين بيع إنتاجهم وإجبارهم على بيعه له بالسعر الذي يحدّده هو، بات اليوم التنظيم يقوم بالدور نفسه، مع فارق وحيد، وهو أنه يقوم بزراعة وحصاد المحصول بنفسه بعدما غادر معظم الأهالي منطقتهم وأرضهم، ويبيع 90 في المائة منها إلى النظام وما لا يزيد على 10 في المائة إلى التجار الذين يبيعونها لأطراف أخرى بينها المعارضة».
في المقابل، يقول رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنّ القمح كما النفط لا يبيعه التنظيم إلى النظام فقط «بل هو يصل إلى مختلف الأطراف بينها المعارضة السورية والأكراد، وذلك عبر تجار يقومون بشرائه من التنظيم وبيعه»، ولفت عبد الرحمن إلى أن هناك الكثير من العائلات التي تقوم بنفسها بزراعة أراضيها في الرقة من القمح، ويحصل «داعش» منهم على نسبة معينة من المال بمثابة «خوّة».
هذا، ورأى «التجمّع» أن الصفقة الأخيرة والكبيرة من نوعها من الخردوات، تشكل دليلاً فعليًا على عمل التنظيم في تفريغ ما يستطيع بيعه من البنى التحتية الأساسية وترحيلها، كخطوة مشابهة لما قام به في مناطق أخرى قبل انسحابه منها، كما فعل سابقًا في بلدة عين عيسى بسرقته المحولات الكهربائية قبل انسحابه. وأكّد أن صفقة يوم الخميس، ليست الأولى بين التنظيم والنظام السوري، مشيرا إلى أن «أبو ردة أشرف على عدد من الصفقات بين الطرفين في وقت سابق، بحيث كان يقوم بموجبها بشراء كميات من الحديد والخردوات من المستودعات الواقعة تحت سيطرة التنظيم، إضافة إلى صفقات المنتجات الزراعية الأساسية كالقمح والقطن التي أضيفت إلى صفقات النفط الخام».
كذلك نقل «التجمع» عن ناشطين في الرقة قولهم «إن التنظيم يبيع كميّات محدودة من القمح المخزن في الرقّة لمناطق النظام، وكذلك يصدّره إلى مناطق سيطرته في العراق إضافة إلى أنواع أخرى من المنتجات الزراعيّة، كما يعمل على تشجيع المزارعين على إنتاج القمح بعدما انخفض إنتاجه إلى نحو 300 ألف طن، ناهيك من فرض الضرائب على المزارعين مقابل الإنتاج والارتفاع الحادّ في سعر مادّة الخبز، التي يقدّر سعر الرغيف الواحد منها بنحو 30 ليرة سورية».
وعلى الرغم من صعوبة تحديد مكاسب التنظيم من النفط السوري، فإن «التجمع» يقدرها بما بين مليون وثلاثة ملايين دولار يوميًّا، أي قرابة خمسة آلاف برميل، بينها 1600 برميل من الرقة وحدها. ويشير إلى أن من يوصف بـ«والي» الرقّة «أبو لقمان» هو عرّاب النفط بين «داعش» والنظام، بحيث يعمل على تأمين احتياجات الأخير اليوميّة من النفط والغاز فيما يبيع الفائض إلى تركيا.
أمّا الزراعة فتعتبر الإنتاج والمردود الأهم والأكبر لمحافظة الرقّة، حيث تبلغ المساحة الزراعية نحو 43 في المائة، ويعد القمح أهم المحاصيل الموجودة فيها. وكان «داعش» قد سيطر على صوامع الرقّة، وأهمها صوامع بلدة عين عيسى و«بوعاصي» في الريف الشمالي، قبل سيطرة الميليشيات ذات الغالبية الكردية عليها، وبالتالي فقد استطاع التحكم بمخزون كبير من القمح يقدّر بنحو 600 ألف طن تستهلك منه الرقّة وفي ظل النزوح السكاني الكبير أقل من مائة ألف طن.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.