الإعلام الاجتماعي... بطل اللحظات الحاسمة في تركيا

من محاولة الانقلاب الفاشلة إلى القبض على سفاح إسطنبول

إردوغان يتحدث إلى الأتراك عبر «فيس تايم» عقب محاولة الانقلاب الفاشل («الشرق الأوسط»)
إردوغان يتحدث إلى الأتراك عبر «فيس تايم» عقب محاولة الانقلاب الفاشل («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلام الاجتماعي... بطل اللحظات الحاسمة في تركيا

إردوغان يتحدث إلى الأتراك عبر «فيس تايم» عقب محاولة الانقلاب الفاشل («الشرق الأوسط»)
إردوغان يتحدث إلى الأتراك عبر «فيس تايم» عقب محاولة الانقلاب الفاشل («الشرق الأوسط»)

لمعت وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يسمى بالإعلام الاجتماعي، في الكثير من الأدوار في تركيا في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من العلاقة التي تتسم بالشد والجذب بين السلطات التركية، وهذه التطبيقات - أحيانًا - كانت أكبر وسيلة دعم لها في الكثير من الأحداث المفصلية.
وكما لعبت هذه الوسائل الدور الأبرز في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي وأدت إلى كسرها من خلال ظهور الرئيس رجب طيب إردوغان عبر تطبيق فيس تايم عادت من جديد ليظهر دورها الفعال في الإيقاع بسفاح إسطنبول الداعشي الأوزبكي عبد القادر ماشاريبوف المكني بـ«أبو محمد الخراساني» الذي نفذ هجومًا مسلحًا على نادي «رينا» في منطقة أورتاكوي في إسطنبول بعد مرور 75 دقيقة فقط من بداية عام 2017 ليسقط في قبضة الأمن عن طريق تتبع مكانه عبر مشاركته مقطع فيديو عبر جهاز آيباد.
وبعد عملية إلقاء القبض على سفاح إسطنبول ليل الاثنين الماضي والذي كان أكبر وأخطر مطلوب للعدالة في تركيا، بعد أن قتل 39 شخصا وأصاب 65 آخرين، بدأت تظهر بعض تفاصيل هذه العملية المعقدة، لتكشف عن دور كبير لوسائل التواصل الاجتماعي في مساعدة المخابرات التركية وأجهزة الأمن في عملها.
عملية الوصول إلى السفاح ماشاريبوف التي جرت بتنسيق من غرفة قيادة تابعة للمخابرات التركية بمنطقة أسنيورت في غرب إسطنبول تمت الاستعانة خلالها بأجهزة تعقب متطورة لتحديد مكانه، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام التركية.
عملية تعقب سفاح ليلة رأس السنة كشفت عن جهاز «آيباد» كان يتواصل من خلاله مع تنظيم داعش الإرهابي مستخدمًا تطبيق تيليغرام.
وكانت بعض الخيوط التي تركها السفاح الداعشي وراءه هي التي قادت الشرطة لأحد المنازل التابعة لـ«داعش»، والذي كان قد أقام فيه المتهم من قبل، حيث وجدت جهاز الآيباد الذي تم تسليمه فيما بعد للمخابرات التركية.
أيضا كان لفيديو السيلفي الذي نشر للسفاح يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وهو يتجول بمنطقة تقسيم بإسطنبول والذي وجد على هذا الجهاز دور فعال في الإيقاع بالسفاح، حيث قرر خبراء جهاز المخابرات ضرورة نشر الفيديو بمختلف وسائل الإعلام بعد الهجوم، كونه سيكون وسيلة لتقريب الرأي العام من هوية السفاح، ومن جهة أخرى لتوجيه رسالة غير مباشرة للقاتل مفادها أن عملية البحث تسير في الطريق الصحيح، مما سيشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا عليه.
وبحسب صحيفة «صباح» القريبة من الحكومة التركية قامت مجموعة من الخبراء في الأمن المعلوماتي تتبع جهاز المخابرات بفك الشفرة الخاصة بجهاز الآيباد الذي كان يستعمله السفاح.
وتم الاعتماد على تطبيقات مثل «بايلوك» لكسر الشفرات المستعملة، حيث تم التوصل بعد عملية البحث لكل المحادثات التي أجراها السفاح قبل وبعد تنفيذ عمليته الإجرامية، وتم تضييق دائرة البحث بعد التأكد من اسمي مساعد خليفة تنظيم داعش المزعوم بتركيا «إلياس موموشاريبوف»، وزوجة السفاح.
وأمكن التوصل من خلال تكثيف أعمال التتبع والمراقبة إلى مكان السفاح في أسنيورت والقبض عليه الاثنين الماضي.
واستنتج جهاز المخابرات التركية أن تنظيم داعش الإرهابي يستخدم تطبيقًا فائق السرية في المحادثات، ولم تفلح حتى الآن محاولات كسر الشفرة الخاصة به، كما تحفظ على كشف اسم التطبيق للرأي العام لدواعٍ أمنية، وهذا التطبيق يستخدم لتمرير التعليمات الخاصة بالعمليات الإرهابية فائقة السرية، كما يستعمل تطبيق تيليغرام غالبًا خلال محادثات الفيديو أو الرسائل النصية.
وبقدر ما أفادت تطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي الأمن التركي في هذه العملية استخدمت أيضا من جانب البعض لتشتيت أذهان الأمن أو الثناء على العمليات الإرهابية، ما دفع الحكومة التركية لتحذير مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من الترويج للإرهاب أو مدح العمليات الإرهابية ومنفذيها أو الإشادة بهم.
وقال نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة نعمان كورتولموش إنه منذ التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في بيشكتاش في إسطنبول في 10 ديسمبر الماضي، ومن بعده التفجير الانتحاري في قيصري (وسط تركيا)، ثم حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف في 19 ديسمبر، ثم الهجوم المسلح على نادي رينا في إسطنبول ليلة رأس السنة تم رصد 147 حسابًا داعمًا للتنظيمات الإرهابية، وستتم محاسبة المسؤولين عنها وهناك حسابات تدار من داخل وخارج تركيا سواء على فيسبوك أو «تويتر»، ونحن نتواصل مع الشركات التي تدير هذه الحسابات من أجل ضبط هذه الأمور، فمواقع التواصل يجب ألا تكون مجالاً لبث الفتنة وترويع الناس.
لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي هي البطل في الإيقاع بسفاح «رينا» الخطير فقط، وإنما كانت لها أدوار أخرى قد تكون أهم، إذ لم تخل محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا من مفارقات كان البطل الأساسي فيها هو الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من الطبيعة الدراماتيكية لما شهدته تركيا ليلة انقلاب 15 يوليو 2016 الفاشل.
وكان التلفزيون الرسمي للدولة «تي آر تي» بقنواته المختلفة في طليعة أهداف محاولة الانقلاب كغيرها من المحاولات والانقلابات، فقد سيطر الانقلابيون على التلفزيون الرسمي وأذاعوا منه بيانهم الذي أعلنوا فيه سيطرتهم على السلطة في تركيا، بعد أن انقطع بثه لفترة وجيرة في فاصل بين عهدين لم يكتمل آخرهما ولم يصمد أكثر من ساعات ليعود كل شيء بعدها كما كان.
وتكرر الأمر مع قناة «سي إن إن تورك» الخاصة بعد انقطاع لفترة وجيزة عقب ظهور الرئيس رجب طيب إردوغان عليها من منتجع مارمريس جنوب تركيا عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي «فيس تايم» الخاص بشركة آبل، مع أن إردوغان كان صرح مرارًا بأنه لا يحب التعامل مع تكنولوجيا وسائل الاتصال.
وكان ظهور إردوغان بهذه الطريقة وتوجيهه نداء إلى الشعب بالنزول إلى الشوارع لحماية الشرعية دافعًا لتشجيع مؤيديه على النزول إلى الشوارع والتصدي لقوات الجيش التي حاولت الانقلاب على نظام حكمه.
تطبيق «فيس تايم» طرحته شركة آبل للتواصل عبر الفيديو بين أجهزتها عام 2010 لأجهزة iOS وعام 2011 لنظام ماك، ويعد من بين أحد أبرز التطبيقات التي توفرها آبل لمستخدميها.
التطبيق نفسه استخدمه الرئيس التركي السابق عبد الله غول لإدانة محاولة الانقلاب ومطالبته العسكريين بالعودة إلى مواقعهم، قائلاً إن الجندي الشريف لا يخون وطنه، وعلى الجميع الانصياع للدستور والقانون.
إلا أنه مع كل عميلة إرهابية تقع في تركيا يواجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي صعوبات شديدة للوصول لمواقع مثل فيسبوك و«تويتر» ويوتيوب، حيث يمنع الوصول إليها خلال ساعات الاضطرابات والتوتر في تركيا، لكنها تبقى دائمًا بمثابة البطل الذي يظهر في اللحظات الحاسمة ليحل العقدة المستعصية على الحل.



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.