إيران تدفع بشيعة المنطقة للسكن في سوريا تعزيزاً لقبضتها

تعد المقايضة السكانية عنصرًا محوريًا في تغييرات ديموغرافية داخل البلاد

مدنيون يغادرون قرى وادي بردى بريف دمشق الأربعاء الماضي بعد القصف العنيف الذي يطال المنطقة من قوات النظام وحلفائها (أ.ف.ب)
مدنيون يغادرون قرى وادي بردى بريف دمشق الأربعاء الماضي بعد القصف العنيف الذي يطال المنطقة من قوات النظام وحلفائها (أ.ف.ب)
TT

إيران تدفع بشيعة المنطقة للسكن في سوريا تعزيزاً لقبضتها

مدنيون يغادرون قرى وادي بردى بريف دمشق الأربعاء الماضي بعد القصف العنيف الذي يطال المنطقة من قوات النظام وحلفائها (أ.ف.ب)
مدنيون يغادرون قرى وادي بردى بريف دمشق الأربعاء الماضي بعد القصف العنيف الذي يطال المنطقة من قوات النظام وحلفائها (أ.ف.ب)

ذكر تقرير في صحيفة بريطانية، أمس، أنه ثمة تغيير يجري على قدم وساق في الأودية الواقعة ما بين دمشق ولبنان، حيث عانت المجموعات التي تسكن المنطقة جراء الحرب المستعرة، للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع الدائر في سوريا. إلا أن الأشخاص الذين يستقرون بهذه المناطق ليسوا أولئك الذين فروا على مدار السنوات الست الماضية.
ويتسم الوافدون الجدد بولاءات ومعتقدات دينية مغايرة لتلك التي تتمسك بها الأسر المسلمة السنية التي عاشت بالمنطقة في وقت مضى. ومن وجهة نظر من أرسلوهم، يعتبر هؤلاء الوافدون الجدد طليعة حركة لإعادة إسكان المنطقة بمسلمين شيعة ليس فقط من مناطق أخرى داخل سوريا، وإنما كذلك من لبنان والعراق.
وقال مارتن تشولوف مراسل صحيفة (الغارديان) من بيروت، إن هذه المقايضة السكانية تعد عنصرًا محوريًا في خطة لإحداث تغييرات ديموغرافية في أجزاء من سوريا، وإعادة دفع البلاد نحو مناطق نفوذ يمكن لداعمي بشار الأسد، بقيادة إيران، السيطرة عليها واستغلالها في تعزيز مصالحها المتعلقة بالحدود. والملاحظ أن إيران تعزز من وتيرة جهودها على هذا الصعيد تحديدًا، في الوقت الذي بدأت حدة الصراع تخفت. واللافت أنها تتبع رؤية مختلفة تمامًا عن تلك التي تنتهجها روسيا، الداعم الأساسي الآخر للأسد، التي تستغل وقف إطلاق نار اسميا في الدفع باتجاه اجتماع مع المعارضة بالمنفى. ففي تلك الأثناء، شرعت إيران في تنفيذ مشروع من شأنه تغيير المشهد الاجتماعي داخل سوريا كلية، مع العمل في الوقت ذاته على تعزيز معقل ما يسمى «حزب الله» في شمال شرقي لبنان، وتعزيز نفوذها عبر المنطقة الممتدة من طهران إلى حدود إسرائيل الشمالية.
من ناحيته، قال زعيم لبناني بارز: «لا ترغب إيران ولا النظام في وجود أي سنة في المنطقة ما بين دمشق وحمص والحدود اللبنانية. هذا يشكل تحولاً تاريخيًا في التركيبة السكانية».
وتولي إيران أهمية كبرى لمدينتي الزبداني ومضايا اللتين يسيطر عليهما المسلحون، واللتين كانتا من مقاصد سكان دمشق لقضاء العطلة الصيفية قبل الحرب. ومنذ منتصف عام 2015. دارت مفاوضات مطولة بين مسؤولين إيرانيين بارزين وأعضاء من جبهة «أحرار الشام»، جماعة المعارضة المناهضة للأسد المهيمنة على المنطقة وواحدة من أقوى جماعات المعارض في سوريا، حول مصير المدينتين.
وتركزت المحادثات التي جرت في إسطنبول على إجراء مقايضة على صعيد السكان بحيث يجري الدفع بسكان من قريتين شيعيتين غرب حلب، الفوعة وكفريا، إلى المدينتين. وتبعًا لواضعي الخطة، فإن هذه المقايضة ستكون بمثابة خطوة أولى نحو إجراء مزيد من التحولات السكانية الأوسع، على امتداد الأجزاء الجنوبية من دمشق وداخل معقل العلويين في شمال غربي البلاد، حيث يتركز جزء كبير من قاعدة تأييد الأسد.
من ناحيته، قال لبيب النحاس، مسؤول العلاقات الخارجية لدى جماعة «أحرار الشام»، والذي قاد المفاوضات في إسطنبول، إن طهران تسعى لخلق مناطق يمكنها بسط سيطرتها عليها. وأضاف: «إيران على استعداد كبير لعقد مقايضة كاملة بين سكان الشمال والجنوب. إنهم يرغبون في تحقيق استمرارية جغرافية حتى داخل لبنان. وفي قلب المشروع الإيراني داخل سوريا يكمن الفصل الطائفي. إنهم يتطلعون نحو بناء مناطق جغرافية يمكنهم السيطرة والهيمنة عليها بصورة كاملة. وسيخلف هذا الأمر تداعيات على المنطقة بأسرها».
ولاحظ كاتب التقرير أن إيران كانت نشطة على نحو خاص حول المدن الأربع من خلال عميلها «حزب الله». وبالفعل، نجح «حزب الله» في فرض نفوذه على المنطقة الممتدة من وادي البقاع بلبنان حتى ضواحي دمشق الواقعة على أطرافها، الأمر الذي مكنه من حصار مضايا والزبداني وتعزيز العاصمة السورية. ويدخل وادي بردى الواقع إلى الشمال الغربي، حيث ما يزال يجري قتالاً على نحو ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار الذي اضطلعت روسيا بدور الوساطة فيه، أيضًا ضمن الحسابات، حسبما أفادت مصادر داخل «حزب الله».
ولفت التقرير إلى مناطق أخرى من سوريا، تسهم المقايضات الديموغرافية في إعادة صياغة النسيج الجيوسياسي للمجتمعات القائمة التي ظلت، قبل الحرب، تسكن المنطقة لقرون. في داريا، الواقعة جنوب غربي دمشق، انتقلت أكثر من 300 أسرة عراقية شيعية إلى داخل أحياء هجرها المسلحون أغسطس (آب) الماضي في إطار اتفاق للاستسلام. وقد انتقل أكثر من 700 مقاتل إلى محافظة إدلب، وأعلنت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في غضون أيام وصول الأسر العراقية.
وشكلت الأضرحة الشيعية في داريا ودمشق المبرر المعلن وراء وجود «حزب الله» ومجموعات شيعية مدعومة من إيران. على سبيل المثال، خضع مقام السيدة زينب الواقع غرب العاصمة لحماية مشددة من جانب «حزب الله» وانتقلت إلى المنطقة المجاورة له أسر الجماعة المسلحة والتي انتقلت للعيش بالمنطقة منذ أواخر عام 2012.
من جانبها، اشترت إيران عددا كبيرا من المنازل القريبة من مسجد السيدة زينب ومساحة من الأراضي تستغلها في خلق منطقة أمنية عازلة ـ ما يعد نموذجًا مصغرًا لمشروعها الكبير.
وتابع مسؤولون بارزون في لبنان المجاورة ما يعتقدون أنه عمليات إحراق متعمدة ومنظمة لمكاتب سجلات الأراضي داخل المناطق السورية التي يعاود النظام السيطرة عليها. بطبيعة الحال، يزيد غياب السجلات صعوبة إثبات سكان المنطقة ملكيتهم لمنازلهم. وجرى التأكد بالفعل من تعرض مكاتب لسجلات الأراضي للحرق في الزبداني وداريا وحمص وقصير، على الحدود اللبنانية والتي وقعت تحت سيطرة «حزب الله» مطلع عام 2013.
ويلفت كاتب التقرير إلى أن سوريا ما بعد الحرب تحمل تهديدات ليس للأرواح فحسب، وإنما للشعور بالهوية الوطنية.
في هذا الصدد، قال لبيب النحاس: «هذا الأمر لا يبدل التوازن الديموغرافي فحسب، وإنما كذلك توازن النفوذ داخل جميع المناطق وعبر سوريا ذاتها. هناك مجتمعات كاملة سيتهددها الخطر. لقد تحولت الحرب مع إيران إلى حرب هوية. إنهم يرغبون في تحويل سوريا لبلاد تشبههم وتخدم مصالحهم. ولا يمكن للمنطقة تقبل هذا الأمر».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.