المنافسة على بطولات لعبة كرة القدم باتت صناعة واحترافا، إذ لا يمكن أن تجري لفريق ما إلا بالاعتماد على أحد مصدرين؛ الأول شراء لاعبين مميزين لقيادة الفريق نحو منصات التتويج، والثاني القدرة على تكوين قاعدة سنية متينة من اللاعبين الموهوبين عبر أكاديميات متخصصة، تسند الفريق الأول وتقوي مفاصله وتدعم نجاحاته الرياضية.
ومع واقع التنافس الرياضي الحالي وتباين الظروف واختلاف بيئات العمل المهني والاحترافي، تكوّن واقع جديد ذهبت معه شريحة واسعة من الأندية إلى العامل الثاني، وهو اكتشاف النجوم وتدريبهم ومن ثم استثمارهم، أو ما يسمى اصطلاحا بـ«تفريخ اللاعبين».
وتعمد هذه السياسة على تبني الناشئين بعد اكتشافهم ومن ثم تدريبهم حتى مرحلة «بزوغ النجم»، حينها تلمحهم الأعين الخبيرة ويجري بيعهم للأندية الكبرى بمبالغ باهظة. وهذه التجربة عمد إليها عدد من الأندية الأوروبية التي لا حول لها ولا قوة في منافسة الكبار، أمثال برشلونة وريال مدريد الإسبانيين وقطبي مدينة مانشستر وتشيلسي الإنجليزيين ويوفنتوس الإيطالي وباريس سان جرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ الألماني وغيرها من الأندية الكبرى ليس في أوروبا وبحسب بل في كل دولة وإقليم.
ومع المتطلبات المرهقة للمنافسة، لم يكن بإمكان أي ناد المزج بين عملية الاستثمار وتقلّد الميداليات الذهبية في آن واحد. وهنا تخرج قصة أحد أكبر المتضررين في أوروبا، فريق فالنسيا الإسباني بعد أن باع جلّ لاعبيه، وفشل في الحصول على بطولة كبيرة منذ عشر سنوات، الفرحة الأخيرة لأبناء مدينة فلنسيا شرق إسبانيا كانت في موسم 2003 - 2004، حين حققت «الخفافيش» بطولتي الدوري الإسباني وكأس الاتحاد الأوروبي آنذاك، لتعمّ الفرحة ويبتهج سكان المدينة البالغ عددهم 800 ألف نسمة على ضفاف البحر المتوسط.
كانت الأمور تسير على ما يرام عندما كانت ديون فالنسيا قليلة، ولا تكاد تذكر، حتى أراد رئيس فالنسيا السابق خوان سولير عام 2005، أن يكون الفريق موضع حسد في إسبانيا، وقرر بناء ملعب جديد يدعى «نيو مستايا»، وموّل بنك بنكاخا المشروع بتكلفة 350 مليون يورو، وانقلب السحر على رأس سولير الذي بسببه ازدادت فاتورة الديون حتى بلغت 550 مليون يورو عام 2009.
ورحل سولير وهو يجرّ أذيال الخيبة، وحل بدلا عنه رئيس جديد يدعى مانويل يورينتي الذي خفّض الديون بقدر 180 مليون يورو بمساعدة حكومية. وقال حينها: «يمكنك دائما بيع اللاعبين النجوم، وتبقى قادرا على المنافسة، لولا تدخل الحكومة الإقليمية لما كنا قادرين على السداد، أو لجرى إنزالنا إلى السيغواندا (الدرجة الثالثة الإسبانية)».
ومنذ ذلك الوقت ومزاد فالنسيا مفتوح طوال العام للراغبين في شراء اللاعبين. فبين عام 2003 و 2013، باع النادي العريق الذي تأسس 1919، عشرات اللاعبين الموهوبين بسبب الديون، بينما يرى مختصون في اللعبة أنه لو تمكن النادي من الحفاظ عليهم حتى اليوم لأذاق برشلونة والريال الخسائر والهوان، ولجلب بطولة أبطال أوروبا مرغمة إلى مقر النادي القابع في الحي الشهير (كالي بينتور).
وباع فالنسيا كل من ديفيد سيلفا إلى مانشستر سيتي، راؤول ألبيول لريال مدريد، دافيد فيا وجوردي ألبا إلى برشلونة، خوان ماتا إلى شيلسي، فرناندو موريانتوس وفابيو أوريليو إلى ليفربول، روبيرتو سولدادو إلى توتنهام، إيسكو إلى ملقا، بابلو هرنانديز إلى سوانزي، ألبيرتو كوستا إلى سبارتاك موسكو، كارلوس مارتشينا إلى فياريال، آرون نيوكيوز إلى جلاسكو رينجرز.
وفي منتصف أغسطس (آب) من العام الحالي، أعلن آماديو ساليفو رئيس فالنسيا الحالي، أن ديون ناديه بلغت 276 مليون يورو، وعلى الرغم من ذلك، فإن ملعب النادي القديم (الماستيا) مرهون للبنوك، وغالبية الأسهم ملك للشركات، وقال ساليفو إن مجلس الإدارة نجح في تقليل المصاريف وتخفيض الأجور والعمل مع الشبان مجددا.
وفي غرب السعودية، حالة مشابهة لنادي فالنسيا الإسباني، هو نادي الوحدة السعودي الذي اضطر لبيع لاعبيه، خوفا من انتقالهم بالمجان لأندية جماهيرية بقوة القانون والنظام. ولعل هذا الأمر اتضح جليا في عهد الرئيس السابق جمال تونسي، بعد اشتراط اللاعبين التجديد مقابل مبالغ مرتفعة تفوق ميزانية النادي المكّي الواقع في حي (العمرة) بمدينة مكة المكرمة.
ومع تزايد الديون والالتزامات المادية على النادي المكيّ، وحماسة اللاعبين في الخروج من الفريق بسبب العروض المغرية والملايين المعروضة، قبلت إدارات الوحدة المتعاقبة بيع اللاعبين المميزين واحدا تلو الآخر، في مشهد شبهه البعض بعقد لؤلؤ انفرط على الأندية القادرة ماديا.
يقول سلطان اللحياني عضو مجلس الإدارة حاليا وقائد الفريق السابق في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان على الإدارة الحفاظ على حقوقها المادية جراء الانتقالات، لكل نادٍ إمكانيات مادية لا يستطيع تجاوزها، لا ألوم الشبان الذين رحلوا فهذا عصر الاحتراف، الوحدة امتلكت لاعبين مميزين ولو توفرت المادة لكان الأمر مختلفا».
ويمكن القول إن السوق الوحداوية لبيع المواهب المكية قد بدأت في يناير (كانون الثاني) 2007، حينما كان أول الراحلين سعيد لبان إلى العاصمة الرياض مع نادي الشباب، وبعد ستة أشهر لحق به الهداف ناصر الشمراني، بينما ذهب إلى النادي ذاته كل من مختار فلاته ومهند عسيري.
وبين أشهر النجوم الراحلة عن نادي الوحدة أسامة هوساوي وعيسى المحياني اللذان غادرا إلى الفريق العاصمي الهلال، بينما اتجه مبارك الأسمري وعبد العزيز فلاته إلى الفيصلي. وكان علاء الكويكبي أحد أبرز النجوم الواعدة غادر إلى نادي النصر في العاصمة الرياض، ثم اعتزل بعدها، بينما اشترى الأهلي كامل الموسى وكامل فلاته.
ومن بين النجوم طلال الخيبري الذي توجه إلى القادسية، بينما استقر سلمان الصبياني مع الاتحاد. وبعد أن يئس أحمد الموسى، قرر الذهاب إلى الفتح، وحاز النصر خدمات اللاعب الظهير الأيسر إبراهيم الزبيدي، والفيصلي كذلك جلب عبد الله المطيري وعبد الله دوش.
ويتذكر المشجع الوحداوي جيدا موسم 2007، حينما استحق فريقه المركز الثالث في مسابقة الدوري السعودي، بعد أن مثله جيل ذهبي أعاد ذكريات فريق عام 1966، حين خطف كأس الملك آنذاك، كما لا تزال ذكريات الموسم 2011 عالقة عندما استطاع الفريق الوصول إلى نهائي كأس ولي عهد البلاد، بعد غياب 38 عاما عن النهائيات، حيث مني بخسارة ثقيلة من نادي الهلال.
ما يؤلم كبار السن في منطقة مكة المكرمة رؤية ناد عريق بتاريخه ورجالاته ونجومه كالوحدة يتأرجح ما بين الدوري الممتاز والدرجة الأولى، بينما لو صبر الوحداويون قليلا وحثوا رجال الأعمال لدفع الملايين للحفاظ على اللاعبين، لحصدوا اليوم ذهبا وجنوا ثماره بعد سنوات عجاف.
«الوحدة السعودي».. «عقد لؤلؤ» انفرط على الأندية الجماهيرية
شابه «فالنسيا» الإسباني في تفريطه بألمع النجوم نتيجة الديون والظروف المادية
«الوحدة السعودي».. «عقد لؤلؤ» انفرط على الأندية الجماهيرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

