ملامح تعاون روسي ـ أميركي ـ تركي لحسم معركة الباب

وسط معلومات عن تدريب تركيا شبانًا من ريف الرقة تأهبًا لعمليات ضد الميليشيات الكردية

عربات عسكرية تركية داخل مدينة الراعي الحدودية بشمال سوريا في طريقها إلى جبهة مدينة الباب (رويترز)
عربات عسكرية تركية داخل مدينة الراعي الحدودية بشمال سوريا في طريقها إلى جبهة مدينة الباب (رويترز)
TT

ملامح تعاون روسي ـ أميركي ـ تركي لحسم معركة الباب

عربات عسكرية تركية داخل مدينة الراعي الحدودية بشمال سوريا في طريقها إلى جبهة مدينة الباب (رويترز)
عربات عسكرية تركية داخل مدينة الراعي الحدودية بشمال سوريا في طريقها إلى جبهة مدينة الباب (رويترز)

يبدو أن المعركة التي أطلقتها أنقرة قبل نحو شهر للسيطرة على مدينة الباب، في شمال سوريا، شارفت على نهايتها وبخاصة بعد تبلور تعاون روسي - أميركي – تركي لحسم هذه المعركة، وإتمام تفاهم دولي على دخول فصائل «الجيش السوري الحر» المنضوية في غرفة عمليات «درع الفرات» المدعومة تركيًا إلى المدينة الصغيرة التي تعد أكبر معاقل تنظيم داعش في ريف محافظة حلب الشمالي الشرقي.
المعطيات تقاطعت أمس عن تقدم ميداني تحققه هذه الفصائل بدعم من الطيران التركي، كما الروسي والأميركي، مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، أن الهجوم الذي يشنه مقاتلون سوريون بدعم من أنقرة لانتزاع السيطرة على الباب سينتهي قريبا، وهذا مع تأكيده عزمه على «تطهير مناطق أخرى في سوريا، من بينها مدينة منبج»، التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية.
وبدا لافتا في الساعات الماضية، بعيدًا عن الخلفيات السياسية، عودة واشنطن لدعم أنقرة في حملة «درع الفرات» بعد فترة من توتر العلاقات بين البلدين؛ إذ أفيد بتحليق طائرات أميركية فوق الباب، وقال بيتر كوك، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة «نفذ طلعات جوية دعما للقوات التركية بطلب من تركيا قرب مدينة الباب السورية الخاضعة لسيطرة (داعش) الأسبوع الماضي، لكنه لم ينفذ ضربات جوية». وأضاف كوك، أن الطلعات كانت «استعراضا واضحا للقوة». وكانت روسيا شاركت قبل أقل من أسبوع في الهجوم على الباب حين قصفت طائراتها المدينة؛ ما أسفر حينها، وبحسب القوات المسلحة التركية، عن مقتل 12 متشددا.
ويعتقد خبراء، أن التعاون الروسي - الأميركي – التركي من شأنه أن يحسم معركة الباب قريبًا، وبالتحديد خلال أيام أو أسابيع. واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد خليل الحلو، أن تأمين واشنطن غطاء جويا للقوات البرية المدعومة تركيًا ليس بالأمر الجديد؛ نظرا إلى أن هذا الغطاء كان موجودا عند انطلاق عملية «درع الفرات» لكنه تقلص بعدما شعر الأميركيون بأن الأتراك سيشتبكون مع الميليشيات الكردية التي يدعمونها أيضا. وقال الحلو لـ«الشرق الأوسط» موضحًا «أما الجديد، فهو الدعم الروسي الذي يأتي ترجمة لتفاهم أنقرة - موسكو على ملف حلب، وعلى وقف إطلاق النار في سوريا»، لافتا إلى أن «مطلب التعاون الروسي – الأميركي لمحاربة (داعش) كان مطلب موسكو منذ فترة إلا أن واشنطن هي التي رفضت دومًا».
وأشار الحلو إلى أن توعّد إردوغان بالتوجه إلى مدينة منبج التي تسيطر عليها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (ذات الغالبية الكردية)، بعد تحرير الباب من شأنه أن «يُحرج» الأميركيين مجددًا، مرجحا أن تعود واشنطن لتلعب دور «العازل» بين حليفيها التركي والكردي: «أقله طالما باراك أوباما موجودًا، باعتبار أنه لا يمكن الحسم بكيفية تعاطي الرئيس الأميركي الجديد مع ملفات المنطقة والملف السوري حتى ولو كانت الخطوط العريضة لسياسته معلنة، إن كان لجهة التأكيد على محاربة (داعش) والدفع لإقامة مناطق آمنة والعودة للتعاون مع الدول العربية».
وبالتوازي مع التقدم الذي تحققه القوات المدعومة من أنقرة في مدينة الباب، تواصل ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، تقدمها في ريف محافظة الرقة. وقالت نوروز كوباني، من مركز الإعلام في منظمة «وحدات حماية المرأة» الكردية لـ«الشرق الأوسط» إن الميليشيات الكردية «وبإطار المرحلة الثانية من حملة (غضب الفرات) وصلت إلى قلعة جعبر الأثرية على نهر الفرات قرب مدينة الطبقة وسد الطبقة، كما حررت بلدة المحمودلي، وهي حاليا تواصل تقدمها من ناحية تل السمن نحو الطبقة أيضا». في هذا الوقت، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر خاصة في مدينة الرقّة، معقل «داعش» في سوريا، أن رجل «داعش» الثاني في محافظة الرقة والمسؤول الأمني فيها ويُدعى مصطفى الحسين، المعروف بـ«أبو حمزة رياضيات»، قُتل في قصف جوي للتحالف الدولي.
ولفت يوم أمس ما نقله تجمّع «الرقة تُذبح بصمت» عن أحد الشبان المتحدّرين من ريف الرقة الذي قال إن أخاه موجود حاليًا في معسكر يقيمه الجيش التركي، مشيرا إلى أن «تركيا تجتذب شبانا من الريف الشمالي للرقة إلى معسكرات التدريب؛ تمهيدًا لعمل عسكري محتمل ضد الـميليشيات الكردية التي تقاتل في المنطقة». وأوضح أن «أعداد الشبان من الريف الشمالي للرقة، المنضمين إلى تلك المعسكرات يتجاوز الـ200 شاب، قسم منهم كان من عناصر الجيش الحر سابقًا».
وذكر أبو محمد الرقاوي، الناشط في التجمع، لـ«الشرق الأوسط» أن المعلومات تفيد بـ«إغراءات تقدمها أنقرة للشبان لحثّهم على المشاركة في معسكرات التدريب، وبعدها على مواجهة القوات الكردية»، مؤكدة لهم أن «ذلك سيتيح لهم استرجاع أراضيهم التي سيطرت عليها هذه القوات». وأضاف الرقاوي «إلا أن تركيا لا تقوم بتجنيد الشبان إجباريا كما يفعل الأكراد الذين جندوا في الريف الشمالي للرقة العشرات غصبًا عنهم؛ ما أدى إلى هجرة مئات آخرين تجنبا لإجبارهم على القتال إلى جانب (ميليشيا) قوات سوريا الديمقراطية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».