الهدنة صامدة... والخروقات في مناطق يرفض النظام ضمها للاتفاق

روسيا تتقدم بمشروع لمجلس الأمن ينص على وقف للأعمال العدائية وإجراء مفاوضات

سوريون في مسيرة دعت لوحدة  فصائل المعارضة في حلب أمس (غيتي)
سوريون في مسيرة دعت لوحدة فصائل المعارضة في حلب أمس (غيتي)
TT

الهدنة صامدة... والخروقات في مناطق يرفض النظام ضمها للاتفاق

سوريون في مسيرة دعت لوحدة  فصائل المعارضة في حلب أمس (غيتي)
سوريون في مسيرة دعت لوحدة فصائل المعارضة في حلب أمس (غيتي)

خرق النظام السوري وحلفاؤه الاتفاق التركي – الروسي لوقف إطلاق النار في سوريا، في ريفي دمشق وحماه، بعد ساعات على البدء بتنفيذها، حيث قصفت قوات النظام منطقة وادي بردى بريف دمشق بالبراميل المتفجرة، فيما قصفت القوات المدعومة من إيران ريف حلب الغربي، بينما قصفت مدفعية النظام ريف حماه. كما سجل سقوط أول قتيل برصاص قنص في الغوطة الشرقية لدمشق.
وفيما بدأ العمل بالاتفاق تمهيدًا لمحادثات سلام مرتقبة الشهر المقبل في آستانة، عاصمة كازاخستان، قال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين إن بلاده تقدمت بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعم وقف إطلاق النار في سوريا ومفاوضات السلام المقبلة المقررة في العاصمة الكازاخية، الآستانة. وينص المشروع على وقف للأعمال العدائية وإجراء مفاوضات في الآستانة في نهاية الشهر القادم. وحسب المندوب الروسي، فإن المجلس قد يصوت على المشروع السبت (اليوم).
ورحبت المعارضة السورية باتفاق وقف إطلاق النار. ودعا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنس العبدة والمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، إلى لجم أي محاولة من قبل نظام الأسد وإيران وميليشياتهما لتقويض الاتفاق، حيث سجل أكثر من 30 خرقا خلال 12 ساعة لا سيما في وادي بردى والغوطة الشرقية. وناقش القياديان المعارضان خلال اجتماعهما اتفاق وقف إطلاق النار، وأثنيا على جهود تركيا التي بذلت لإتمامه، كما أكدا على أهمية مساعي قوى الثورة والمعارضة للتعامل الإيجابي معه.
ميدانيًا، بدا اتفاق لوقف إطلاق النار في عموم سوريا أبرم بوساطة روسيا وتركيا صامدا أمس الجمعة بعد بداية هشة خلال الليل في أحدث محاولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ قرابة ست سنوات. وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إن الخروقات «تركزت في المناطق التي شكلت عقبة أمام التوصل إلى الاتفاق» بعد ظهر الخميس، حيث أصرت المعارضة على ضم الغوطة الشرقية وريف دمشق إليه. وأضاف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «تلك المناطق في ريف دمشق كانت محور التباحث حول الاتفاق قبل التوصل إليه، ورغم التزام النظام بالتهدئة فيه، فإنه خرقه في تلك المنطقة».
وشهدت معظم المناطق السورية هدوءًا تخلله تصعيد القصف على ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي ووادي بردى بريف دمشق، ترافق مع اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جانب، والفصائل الإسلامية وجبهة فتح الشام والفصائل المقاتلة من جانب آخر، في محيط منطقة بسيمة ومحاور أخرى بوادي بردى.
وأكدت الهيئة الإعلامية في منطقة وادي بردى المعارضة بريف دمشق، أن قوات النظام لم توقف طيرانها الحربي والمروحي عن قصف قريتي عين الفيجي وبسيمة منذ صباح أمس، رغم اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن «قوات ما يسمى (حزب الله) اللبناني المتمركزة في (جبل هابيل) حاولت التقدم إلى محور قرية الحسينية فتصدى لهم ثوار بردى»، لافتًا إلى اندلاع اشتباكات امتدت إلى محور قانون. كما أشار ناشطون إلى تنفيذ مروحيات النظام ثماني غارات جوية بالبراميل المتفجرة استهدفت المنطقة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد السكان في منطقة قريبة من الاشتباكات قوله: «كانت أصوات القصف قوية جدا خلال الصباح، وقد ارتج المنزل أكثر من مرة على وقعها»، مضيفا: «كنت متفائلا بالهدنة لكن الوضع اليوم يشبه وضع الأمس. لم يختلف كثيرا».
الخروقات، تواصلت في ريف دمشق أيضًا، حيث أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان سقوط قذيفتين صاروخيتين على مناطق في أطراف مدينة دوما، وسط اشتباكات متقطعة في أطراف بلدة الميدعاني بمنطقة المرج في غوطة دمشق الشرقية، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، والفصائل الإسلامية من طرف آخر. وسجل المرصد سقوط قذيفتين صاروخيتين على مناطق في أطراف مدينة دوما، بالإضافة لسقوط 4 قذائف على مناطق في مزارع بلدة حزرما بغوطة دمشق الشرقية. في حين أكدت مصادر «موثوقة» للمرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل شخص جراء إصابته برصاص قناص في غوطة دمشق الشرقية.
وفي ريف حماه الشمالي، اندلعت بعد منتصف الليل اشتباكات عنيفة بين فصيل «جند الأقصى» المتشدد غير الموقع على الاتفاق وقوات النظام قرب بلدة محردة. كذلك استمرت الطائرات الحربية بتنفيذ ضرباتها الصاروخية على ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، حيث استهدفت بنحو 20 ضربة قرية السكيك وطريق تل عاس – خان شيخون، وبلدات وقرى كفرزيتا واللطامنة ومورك وحلفايا والزوار واللطامنة.
هذا، وأطلقت قوات النظام وحلفاؤها قذائف استهدفت بها قرية البويضة وجبل المدور في الريف الجنوبي لحلب. وقال مصدر معارض في ريف حلب لـ«الشرق الأوسط» إن الخروقات في ريف حلب «قامت بها الميليشيات الإيرانية والمدعومة من طهران»، مشيرًا إلى أن أنها «استهدفت مناطق في خان العسل وحي الراشدين بريف حلب الغربي». أما في الجنوب، فقد سمع دوي انفجارات بريف مدينة درعا، ناجمة عن سقوط قذائف على مناطق في قرية خبب الواقعة بريف درعا الشمالي الشرقي، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى أحدهم بحالة حرجة.
وبدأ سريان اتفاق وقف النار منتصف ليل الخميس – الجمعة. وسجل «المرصد السوري» في الساعة الثانية من بدء سريان وقف إطلاق النار الروسي - التركي، اندلاع اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف وفصائل إسلامية لم يعلم، فيما إذا كانوا من تنظيم جند الأقصى الذي «بايع» جبهة فتح الشام من طرف آخر، في محور تلة البيجو بمحيط بلدة محردة في ريف حماه الشمالي، انسحبت على إثرها قوات النظام من التلة، لتعاود بعدها السيطرة على التلة، وقتل وأصيب ما لا يقل عن 6 عناصر من قوات النظام في الاشتباكات ذاتها، كما سمعت أصوات إطلاق نار بريف حماه الشمالي أيضًا، ناجمة عن استهداف قوات النظام برشقات من الرشاشات الثقيلة على مناطق في بلدة طيبة الإمام وقرية بطيش بالريف الشمالي لحماه.
وعبر أحد قادة المعارضة عن تفاؤله بصمود هذا الاتفاق وهو ثالث محاولة هذا العام لوقف إطلاق النار في أنحاء البلاد. وقال العقيد فارس البيوش من الجيش السوري الحر لوكالة «رويترز»: «هذه المرة لدي ثقة في جديته. هناك معطيات دولية جديدة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».