بردى يفيض... والمحسوبيات أفشلت خطة الطوارئ

انقطاع المياه لليوم السادس والمطر لا يروي عطش دمشق

طوابير أمام آبار المياه الجوفية في منطقة دمر بريف دمشق بسبب أزمة المياه التي تتعرض لها العاصمة السورية (مواقع تواصل اجتماعي)
طوابير أمام آبار المياه الجوفية في منطقة دمر بريف دمشق بسبب أزمة المياه التي تتعرض لها العاصمة السورية (مواقع تواصل اجتماعي)
TT

بردى يفيض... والمحسوبيات أفشلت خطة الطوارئ

طوابير أمام آبار المياه الجوفية في منطقة دمر بريف دمشق بسبب أزمة المياه التي تتعرض لها العاصمة السورية (مواقع تواصل اجتماعي)
طوابير أمام آبار المياه الجوفية في منطقة دمر بريف دمشق بسبب أزمة المياه التي تتعرض لها العاصمة السورية (مواقع تواصل اجتماعي)

في اليوم السادس لانقطاع المياه عن العاصمة السورية، قالت مؤسسة مياه دمشق إنه لا يوجد إطار زمني لحل موضوع المياه في المدينة ومحيطها، وإن ودورها هو في تعويض سكان المدينة من خلال خطة الطوارئ. إلا أن الخطة التي وضعتها المؤسسة لم تف بحاجة السكان، بسبب غياب عدالة التوزيع والمحسوبيات، التي فاقمت الأزمة وخلقت حالة من الاستياء العام.
وبلغ القهر والأسى أوجَه ليل أول من أمس، مع فيضان نهر بردى وإغراقه طريق الربوة غرب دمشق، بسبب تحويل مجرى مياه النبع عين الفيجة إلى مجرى النهر بعد تفجير النبع. وتسبب فيضان النهر (المياه المهدورة) في أزمة مرور خانقة، حيث شوهدت شلالات المياه تتدفق من الجبل وتغرق الطرق. ونشرت إحدى صفحات التواصل في دمشق صورا للفيضان أثارت حنق الدمشقيين المتعطشين لقطرة ماء.
كل ذلك ولم تبلغ كارثة انقطاع المياه عن دمشق ذروتها بعد، فما زال هناك النذر اليسير في الاحتياطي، وتصريحات المسؤولين في حكومة النظام والبعض في الفصائل المسلحة المسيطرة على منطقة نبع الفيجة في وادي بردى، لا تبشر بأي أمل في قرب حصول حل لأزمة المياه التي تفاقمت فجأة على نحو سريع دون سابق إنذار. وفي حين بث ناشطون معارضون نداء عاجلا يحذر من «نزول مستوى نبع الفيجة للنصف نتيجة قصف النظام» وأن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى «غور النبع» خلال أيام قليلة، قال مصدر مسؤول، في مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي بدمشق وريفها، إنه «لا حلول لانقطاع المياه حاليًا طالما أن مصدر المياه خارج إشراف المؤسسة». ولفت المسؤول في تصريح لجريدة «الوطن» المحلية المقربة من النظام إلى أن «المناطق التي لم تصلها المياه ضمن الموعد المحدد في الجدول، لن تستطيع الحصول عليها بسبب انخفاض كميات الضخ وبخاصة المناطق المرتفعة مثل ركن الدين والجادات».
وكانت مؤسسة مياه الشرب في دمشق قد أعلنت في ثاني يوم الأزمة التي بدأت الخميس الماضي، عن خطة طوارئ تحدد حصة المياه لكل فرد تتراوح من 30 إلى 35 لترا يوميًا. وقسمت الخطة مدينة دمشق إلى ستة قطاعات، بحيث تقطع المياه يومين وتأتي في اليوم الثالث.
وتستهلك دمشق وريفها نحو ستمائة وخمسين ألف متر مكعب من مياه عين الفيجة، وبعد فرض خطة التقنين انخفض الاستهلاك إلى خمسمائة ألف متر مكعب، والتخزين الاحتياطي المطلوب لتغطية احتياج ثلاثة أيام يجب أن يفوق المليون ونصف المليون متر مكعب.
علما بأنه مع ازدياد عدد سكان دمشق في العقود الأخيرة، بات نبع عين الفيجة يلبي نحو 60 في المائة فقط من احتياج دمشق وريفها. وقد تم سد العجز من خلال مياه الآبار. ومع توقف تدفق مياه النبع، مؤخرا، اعتمدت خطة الطوارئ على تقنين توزيع المخزون الاحتياطي بالإضافة لمياه الآبار، فإن غياب عدالة التوزيع والمحسوبيات فاقمت الأزمة وخلقت حالة من الاستياء العام ظهرت بوضوح في تعليقات السوريين على الصفحات المؤيدة للنظام.
وعزا مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي محمد الشياح، عدم وصول المياه إلى تلك القطاعات، بقوله إن «قيام بعض المواطنين بتعبئة كل ما لديهم من أوان وعبوات بشكل يفوق حاجتهم وضعف الضخ يحرم باقي المواطنين في المنطقة نفسها من الحصول على حصتهم!». وتابع: «لا فترة زمنية محددة حتى الآن لعودة المياه إلى وضعها الطبيعي، وخطة الطوارئ تحوي عيوبا ونواقص سيتم تحسينها في الأيام المقبلة».
وفي حين نفدت زجاجات المياه المعدنية من محلات البيع، شوهدت حركة غير اعتيادية لسيارات الإطفاء وسيارات الدفاع المدني، لنقل وتأمين المياه لمنازل الضباط والمسؤولين وبعض الدوائر الحكومية والعسكرية. واستعان المدنيون بموارد بديلة رغم قلتها، كخزانات وآبار الحدائق العامة ومواضئ الجوامع، وآبار داخل بعض المنازل العربية القديمة. وأفتى رجال دين بعض الجوامع وسط دمشق، التي انقطعت عنها المياه، بالتيمم، بحسب ما تناقله سكان حي الشيخ محيي الدين على سفح جبل قاسيون.
ولوحظت حركة لصهاريج بيع مياه في بعض الأحياء؛ حيث اصطف الناس حاملين عبوات مختلفة الأحجام. سيدة ستينية كانت واقفة في أحد تلك الطوابير، أقسمت أنها غسلت عدة أطباق للأكل بمياه «بقين» (المياه المعبأة بالزجاجات)، في حين قالت سيدة أخرى إن ناطور البناء الذي تسكنه سرق لها مياها من خزان جيرانها المسافرين خارج البلاد.
وتزامنت أزمة المياه في دمشق وريفها مع أزمة خانقة في الغاز المنزلي والمازوت بالإضافة لأزمة الكهرباء الدائمة، بينما تشهد البلاد منخفضا جويا وبردا قارسا جعل الحياة في دمشق بالغة الصعوبة.
وتفاقمت أزمة المياه جراء الحملة العسكرية التي شنها النظام على منطقة وادي بردى، منبع المياه الرئيسي المغذي للعاصمة. وبحسب مصادر في المعارضة أمطرت قوات النظام قرية عين الفيجة خلال الأيام القليلة الماضية بمئات القذائف المدفعية والصاروخية، ونحو سبعين برميلا متفجرا أدت إلى تدمير المحولات في منطقة النبع وخروج النبع من الخدمة.
ولم تفض المفاوضات بين كتائب الجيش الحر في وادي بردى والنظام، لأي اتفاق بين الطرفين، وكان لافتا، أمس، عرض أحد أعضاء لجان المصالحة، الشيخ عمر رحمون، عبر حسابه على موقع «تويتر» التدخل مجددا لاستئناف جهود المصالحة. ورحمون كان الطرف المفاوض من جانب النظام في اتفاق حلب الذي انتهى تنفيذه الخميس الماضي بإخراج أكثر من 40 ألفا من مقاتلي المعارضة من حلب الشرقية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.