تضحيات كبرى ومال قليل... مرحبًا في عالم كرة القدم

بعيدًا عن فئة النخبة... 45 % من اللاعبين في العالم يتقاضون أقل من 1000 دولار شهريًا

لورانس بيل يتقدم بالكرة خلال مشاركته مع كارلسلوندس بالدرجة الثانية من الدوري السويدي
لورانس بيل يتقدم بالكرة خلال مشاركته مع كارلسلوندس بالدرجة الثانية من الدوري السويدي
TT

تضحيات كبرى ومال قليل... مرحبًا في عالم كرة القدم

لورانس بيل يتقدم بالكرة خلال مشاركته مع كارلسلوندس بالدرجة الثانية من الدوري السويدي
لورانس بيل يتقدم بالكرة خلال مشاركته مع كارلسلوندس بالدرجة الثانية من الدوري السويدي

سيارات رياضية سريعة ويخوت تجوب أرجاء البحر المتوسط وجزر خاصة - تلك بعض العناصر التي كثيرًا ما يربطها البعض بحياة لاعبي كرة القدم - أو هكذا يخيل لهم. وقد داعبت الصورة ذاتها مخيلتي عندما كنت مراهقًا داخل أكاديمية مانشستر سيتي - وهي ذات الصورة التي تحطمت مرارًا أمامي مع كل عقد جديد أوقعه منذ ذلك الحين.
الشهر الماضي، صدر تقرير العمالة العالمية الذي يتناول ظروف العمل داخل إطار كرة القدم للمحترفين. وكشف التقرير أن 45 في المائة من اللاعبين بمختلف أرجاء العالم يتقاضون أقل من 1000 دولار شهريًا. وبالنسبة لأولئك الذين يضعون كل لاعبي كرة القدم في فئة كبار الأسماء الساطعة بالدوري الإنجليزي الممتاز، فإن مثل هذه الأنباء تعد بمثابة صدمة كبيرة - لكنها ليست كذلك بالنسبة لي، فأنا لاعب كرة قدم محترف، وعلى امتداد الجزء الأكبر من مسيرتي داخل الملعب كنت واحدًا من مجموعة الـ45 في المائة.
بعد مانشستر سيتي، انتقلت إلى روتشديل، حيث تقاضيت 60 جنيهًا إسترلينيًا أسبوعيًا، الأمر الذي هيأني نفسيًا لمستقبل كروي زهيد الأجر. وعليه، فإن الأجور المتواضعة التي حصلت عليها أخيرًا بعدما أصبحت لاعبًا محترفًا بدت بالنسبة لي كثروة ضخمة. وعلى مستوى الاحتراف، لعبت في صفوف تولسا رفنيكس بالدوري الأميركي وكارلسلوندس بالدرجة الثانية من الدوري السويدي. وما بين الفترتين، قضيت بعض الوقت في صفوف أندية لا تشارك بالدوري الإنجليزي، مثل هايد يونايتد وحاليًا ألعب في صفوف ماكلسفيلد تاون. وعلى مدار مشواري الكروي، لم أحظ قط بالمكافآت المالية السخية التي لطالما ارتبطت في أذهان الناس بكرة القدم للمحترفين.
وقد لعبت بجد على مدار فترة طويلة للوصول إلى ما حققته الآن، وبمرور الأيام اتضح لي أن الوظيفة التي كانت تراودني في أحلامي صعبة المنال على نحو يفوق بكثير ما تخيلته من قبل. وتؤكد نتائج مسح أجرته الرابطة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين، والمعروفة اختصارًا باسم «فيفبرو»، بالتعاون مع جامعة مانشستر، وشمل قرابة 14 ألف لاعب كرة قدم من الذكور ينتمون إلى 54 دولة عبر أوروبا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وأفريقيا، أنني لست وحيدًا على الإطلاق في مواجهة مثل هذه الظروف القاسية.
بوجه عام، يقسم التقرير اللاعبين إلى ثلاثة فئات، تتألف الأولى من النخبة التي تتقاضى الشريحة الأعلى من الأجور والتي تشارك في بطولات الدوري الممتاز الخمس الكبرى على مستوى أوروبا - وهم نمط اللاعبين أصحاب المهارات الأعلى ويحظون بأعداد ضخمة من المتابعين عبر «إنستغرام»، أما الفئة الثانية من اللاعبين فيتمتع أعضاؤها بظروف عمل جيدة، لكنها غير مذهلة. في المقابل، نجد أن اللاعبين المنتمين إلى الفئة الثالثة يتقاضون أجورا زهيدة ويعملون في ظل ظروف خطرة ويضطرون لقبول ذلك لرغبتهم في الاستمرار بمجال كرة القدم.
وتوضح الإحصاءات أن أعداد اللاعبين المنتمين إلى الفئة الثالثة صاحبة الشريحة الدنيا من الأجور تفوق بكثير أعداد اللاعبين المنتمين إلى الشريحة العليا: 20 في المائة من اللاعبين يتقاضون أقل من 300 دولار شهريًا، بينما يتقاضى 45 في المائة أقل من 1000 دولار. في المقابل، فإن الـ15 في المائة الموجودين بالقمة يحصلون على أكثر من 8 آلاف دولار شهريًا.
ومثلما أوضح ثيو فان سيغيلين، الأمين العام لـ«فيفبرو»، فإنه «ليس جميع لاعبي كرة القدم يملكون ثلاث سيارات مختلفة بثلاثة ألوان مختلفة»، بالنسبة لي، على سبيل المثال، أملك حتى الآن سيارة واحدة طراز «فورد كيه إيه» عمرها 13 عامًا فضية اللون. وتعاني السيارة من حالة متهالكة لدرجة ظهور بقع من الصدأ عليها، ويساورني القلق بشأن كيف سأتمكن من توفير تكلفة بديل لها حال انهيارها تمامًا.
من ناحية أخرى، فإن الوصول إلى هذا المستوى يتطلب من المرء تضحيات جادة، فمنذ سن صغيرة، تفرض كرة القدم على اللاعب أن يولي اهتمامه الرئيسي إليها. من جانبي، كرست الجزء الأكبر من طفولتي واضطررت للانتقال من مدينة لأخرى واقتلاع جذوري من أعماقها مرتين سعيًا وراء عقد مع نادٍ جديد. وبالنسبة لمن يصبرون ويتفوقون، ويحصلون نهاية الأمر على فرصة تمثل فتحًا كبيرًا في مسيرتهم، فإنهم عادة ما يحظون بعقود قصيرة الأجل وأجور متواضعة. ويبلغ متوسط فترة التعاقد مع لاعب محترف أقل من عامين، حسبما أفاد به المسح سالف الذكر. إضافة لذلك، فإنه في ظل سوق مزدحمة وشديدة التنافسية، فإن اقتناص عقد ثانٍ ينطوي على صعوبة أكبر.
ويثير كل ما سبق تساؤلاً واحدًا منطقيًا: إذن لماذا يعبأ المرء بكرة القدم؟ منطقيًا، لا ينبغي لأحد الاهتمام بكرة القدم طالما سادت بها هذه الأوضاع، لكن متى كانت مطاردة أحلام الطفولة والصبا أمرًا منطقيًا؟ في الواقع، من الصعب على المرء التخلي عن أحلام نيل الشهرة كلاعب كرة قدم وما يصاحب ذلك من ثروة كبيرة. إضافة لذلك، فإن قصص لاعبين مثل جيمي فاردي تزيد كل منا اقتناعًا بأني ربما أكون المحظوظ التالي.
وللأسف الشديد، ورغم بلوغي الـ24، لا أزال أهيم عشقًا بكرة القدم، الأمر الذي أضر بطبيعة الحال بأمني المالي. واليوم، لا أزال أتدرب بجد على أمل طرق أبواب الحظ السعيد يومًا ما الموسم المقبل. في تلك الأثناء، يبدو الحاضر جيدًا تمامًا. ومثلما عمد أحد المدربين لتذكيرنا بوجه متجهم قبل كل جلسة مران، فإن هذه «أفضل وظيفة يمكنكم الحصول عليها»، وهو على صواب. إنني أعتبر نفسي شخصًا محظوظًا. إنني ألعب كرة القدم يوميًا وعشت في ثلاث دول في قارتين والتقيت بعدد لا يُحصى من الزملاء الجدد ولعبت الكرة أمام جماهير من المشجعين المتحمسين، وفي خضم كل ذلك نجحت في الحصول على درجة البكالوريوس. وعلى امتداد هذا الطريق، نجحت في البقاء بعيدًا عن شرك الديون، بل وتلقيت أجرًا مقابل هذا العمل الذي أستمتع كثيرًا به. ورغم أن الحياة نادرًا ما تتميز بالرفاهية، فإنها تبقى ميسرة في حدود المعقول.
أما قيمة تعاقدي فبلغت بالضبط 1000 دولار شهريًا خلال موسم يمتد لسبعة شهور - ويعد هذا المستوى المتوسط للأجور خلال العام الأول داخل دوري الدرجة الثالثة بأميركا الشمالية. وبالاعتماد على راتبي، تمكنت من شراء جهاز «آيفون 6»، ورغم أنني ربما أنتمي إلى فئة الـ45 في المائة الدنيا في استطلاع «فيفبرو»، فإنني على مدار الموسم لم أشعر بأي ضغوط مالية حقيقية على الإطلاق.
وبجوار الأجر، أمدني النادي بشقة مريحة تتألف من ثلاث غرف كي أتشارك فيها مع اثنين من زملائي الأميركيين. وقد عشنا داخل ضاحية مزدحمة مع باقي أفراد الفريق، وكنا نرتاد صالة ألعاب رياضية وحوض سباحة بالجوار. أما ساعات العمل مع تولسا رفنيكس فكانت من التاسعة صباحًا حتى الواحدة مساءً، مما أتاح أمامنا وقت فراغ هائلاً.
وبالفعل، عمدت إلى استغلال هذا الوقت في نيل شهادة جامعية عبر الدراسة عن بعد.. وبعد ذلك، بدأت في العمل بمجال تقديم جلسات تدريب خاصة بالمساء، الأمر الذي ساعدني في ملء بعض الفراغ في حياتي مع جني مزيد من المال في الوقت ذاته.



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».