تمتع بزيارة بيروت «مجانًا»

أماكن أثرية وأخرى طبيعية متاحة أمام الجميع دون أي مقابل

حديقة الصنائع في وسط بيروت واحة خضراء تهدئ الأعصاب - صخرة الروشة في بيروت
حديقة الصنائع في وسط بيروت واحة خضراء تهدئ الأعصاب - صخرة الروشة في بيروت
TT

تمتع بزيارة بيروت «مجانًا»

حديقة الصنائع في وسط بيروت واحة خضراء تهدئ الأعصاب - صخرة الروشة في بيروت
حديقة الصنائع في وسط بيروت واحة خضراء تهدئ الأعصاب - صخرة الروشة في بيروت

أحيانًا كثيرة، عندما نقصد بلدًا ما للسياحة نبحث عن أماكن تخفّف عن جيوبنا، وتنقذ ميزانيتنا من التبذير والإسراف المرافقين لشعورنا في التمتع برحلتنا.
وبعض البلدان الأوروبية كمدينة باريس مثلاً، وضعت بتصرّف زوّارها لائحة تضم متاحف وساحات صوّرت فيها أشهر الأفلام السينمائية، إضافة إلى حدائق رائعة «سان فانسان وتويلري» وغيرها من الأماكن المتاحة زيارتها مجانًا.
أما في لندن ومن خلال مواقع إلكترونية كثيرة، في استطاعتك أن تأخذ فكرة شاملة عن أماكن تمكنك زيارتها أثناء وجودك في مدينة الضباب، تصبّ أيضًا في مجال السياحة المجانية، ومن بينها مشاهدة تبديل حرس قصر باكينغهام الملكي، وزيارة بارك ساعة غرينتش العملاقة، وكذلك مبنى المصرف المركزي البريطاني وقاعة «غيلد هال غاليري» للفنون وغيرها.
وكما في لندن كذلك في أميركا، فالأماكن السياحية المجانية فيها كثيرة، وبينها «ميرتل بيتش» و«سنترال بارك» وآثار «سانت هيلين» وغيرها.
أما في بيروت فالأماكن المتاحة زيارتها مجانًا كثيرة أيضًا، والبعض لا يتنبّه لهذا الأمر، كونه لا يملك فكرة مسبقة. وفيما يلي 6 أماكن سياحية مجانية أردنا من خلالها أن نعرّفكم عليها، كي لا تفوتكم زيارتها أثناء وجودكم في «ستّ الدنيا».

حرج بيروت
يعدّ هذا المكان مرتعًا سياحيًا محببًا لهواة المشي والهرولة والوجود بين أحضان الطبيعة. فهو يقع في قلب المدينة (بين منطقتي قصقص والطيونة) على مساحة 300 ألف متر مربع، يفتح أبوابه أمام الزوّار أيام السبت، فيما يقتصر الأمر على قسم صغير منه باقي أيام الأسبوع.
ويقال إن هذه الحديقة تحمل في طيّاتها طابعًا تاريخيًا، إذ كانت تشكّل أيام الفينيقيين مركزًا للآلهة عشتروت. كما يتردد بأن أخشاب شجرها الكثيف استخدمه الفينيقيون لبناء مراكبهم. أما أشجار الصنوبر التي تظلّل الحرج فينسب غرسها إلى الأمير المعني فخر الدين الثاني.

صخرة الروشة
تعدّ صخرة الروشة رمزًا من رموز السياحة في بيروت، وهي تتكوّن من كتلة صخرية هائلة مجوّفة في الوسط في قلب البحر، بمحاذاة الشاطئ، ويبلغ ارتفاعها نحو 25 مترًا، فيما تبلغ قمّتها 70 مترًا. عادة ما يجلس الناس قبالة هذه الصخرة الملقّبة بـ«صخرة الحب»، ليتأملوها عند ساعة المغرب من على كورنيش الروشة الذي يعجّ بالناس ليلاً ونهارًا. فمشهد مماثل تغطس خلاله الشمس في البحر ناشرة أشعتها الحمراء على صخرة الروشة، لهو بمثابة لوحة فنية نادرة يحلو للسيّاح التقاط الصور التذكارية معها.

آثار وسط المدينة
تعدّ الأعمدة الأربعة أحد أشهر الآثار الرومانية الموجودة وسط بيروت. وقد تمّ اكتشافها أثناء الحفريات التي أقيمت أمام البرلمان اللبناني في ساحة النجمة عام 1968. وتترافق هذه الآثار مع أعمدة منحوتة أخرى تمّ اكتشافها في عام 1940 بين ساحة النجمة والجامع الكبير، وكانت تؤلّف سابقًا جزءًا من كاتدرائية الروم الأرثوذكس القديمة. وعادة ما تقام في جوار هذه الآثار الحفلات الموسيقية والغنائية والمعارض، وهي تضمّ إضافة إلى الأعمدة آثارًا أخرى تعرف بـ«الاكسيدرا» والحمامات الرومانية.

حديقة الصنائع
هي إحدى أهم الحدائق العامة الموجودة في قلب بيروت وتعرف بحديقة رينيه معوّض، وتبلغ مساحتها نحو 22 ألف متر مربع. وتعتبر هذه الحديقة المكان المفضّل لمحبي السكينة والهدوء ومرتعًا طبيعيًا يمارس فيه الأطفال هواياتهم في ركوب الدراجة الهوائية واللعب في الطائرات الورقية الملوّنة. تظلّل حديقة الصنائع أشجار مختلفة بينها البوانسيتيا والزعرور والسنديان. كما تحتوي على كميات من الورود الملوّنة المزروعة في أنحائها كالبيوتينيا والورد الجوري والفيربينا. وتتوسطها بركة تاريخية تعرف بالنافورة العثمانية. تفتح حديقة الصنائع أبوابها أمام الجميع يوميًا وتقام في أرجائها أحيانًا كثيرة معارض فنيّة ونشاطات تثقيفية.

الجامع العمري الكبير
يعدّ أحد أقدم المباني في بيروت ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر. وكان في القرن الثاني عشر يشكّل مبنى كنيسة مار يوحنا المعمدان أيام الصليبيين، وخلال حقبة المماليك تحوّل إلى جامع كبير. كان يعرف بجامع الخليفة عمر بن الخطّاب، ثم ما لبث أن صار اسمه «الجامع الكبير». يأخذ مدخله منحى الهندسة أيام المماليك، وأيام الانتداب الفرنسي أعيد بناء مدخله ليتم اتباعه بملحق يعرف بـ«الرواق». أعيد ترميم هذا الجامع (عام 2004) بعد تدميره أيام الحرب الأهلية في بيروت، ويعدّ حاليًا واحدًا من الأماكن السياحية التي يقصدها السياح العرب والأجانب.

متحف سرسق
متحف سرسق أو (متحف نقولا إبراهيم سرسق) هو واحد من المتاحف المهتمة بالفنون المعاصرة في بيروت. بني هذا المتحف الذي كان يشكّل القصر الخاص لصاحبه نقولا سرسق في القرن التاسع عشر. يجمع في هندسته بين الطابعين الإيطالي والعثماني معًا، ويقع في شارع السراسقة العريق في منطقة الأشرفية.
افتتح هذا المتحف لأول مرة أمام الزوّار في عام 1961 بعد 9 سنوات على وفاة صاحبه، الذي أوصى بأن يحوّل قصره إلى متحف للفنّ الحديث والمعاصر. ولم يبقَ القصر على صيغته القديمة، بل أعيد تجديده وأجريت عمليات تطوير له، بحيث تحول إلى تحفة معمارية تستحق وحدها الزيارة والتمتع بجماليتها. ويستطيع زائره الاطلاع على مجموعات فنيّة يختزنها بين جدرانه بصورة دائمة، إضافة إلى نشاطات مختلفة تتنوع بين حفلات تواقيع كتب وندوات ومعارض رسم ونحت يشهدها المتحف على مدار السنة.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».