الإرهاب يتحول إلى واقع أوروبي جديد

اعتداءا أنقرة وبرلين يعكسان امتداد حروب الشرق الأوسط إلى العالم

رجل أمن بلجيكي يراقب جانبا من سوق لأعياد الميلاد في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
رجل أمن بلجيكي يراقب جانبا من سوق لأعياد الميلاد في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
TT

الإرهاب يتحول إلى واقع أوروبي جديد

رجل أمن بلجيكي يراقب جانبا من سوق لأعياد الميلاد في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
رجل أمن بلجيكي يراقب جانبا من سوق لأعياد الميلاد في بروكسل أمس (أ.ف.ب)

أخرج رجل متأنق، يرتدي بزة سوداء وربطة عنق، شارة لدخول صالة تنظم بها فعالية راقية، قبل أن يشهر مسدسًا ويقتل سفيرًا في قلب الحي الدبلوماسي بالعاصمة التركية أنقرة. في التوقيت نفسه تقريبًا، وبالقرب من كنيسة كبيرة في برلين لا تزال تحمل آثار قذائف الحرب العالمية الثانية، دهس رجل حشدا من الناس بشاحنة في قلب إحدى أسواق أعياد الميلاد متسببا في إزهاق أرواح 12 شخصا وإصابة العشرات.
لم تفصل سوى ساعات قليلة من ليل الاثنين بين الهجومين الإرهابيين، الذي وقع أحدهما في أوروبا، والآخر على أطرافها، فيما اعتبره كثير نهاية فظيعة لعام شهد امتدادًا لحروب الشرق الأوسط إلى أنحاء أوروبا وما وراءها، وانتشار الإرهاب، وتدمير لحياة مدنيين عاديين، وتزايد نفوذ وقوة الحركات السياسية اليمينية.
ورغم اختلاف أسلوب وطريقة تنفيذ الهجومين، فقد أشار كل منهما إلى الحقبة الحديثة من الإرهاب، التي بدأت بتوسع نطاق التأثير الارتدادي لأثر الحروب في الشرق الأوسط، التي عجزت الجهود الدولية عن وضع نهاية لها.
في حالة تركيا، كان مقتل السفير الروسي، أندريه كارلوف، يمثل ذروة سنة تعد من أكثر الأعوام اضطرابًا في تاريخ تركيا الحديث، إذ أصبح التهديد الذي تمثله الهجمات الإرهابية حقيقة من حقائق الحياة اليومية. وجاءت هذه الحادثة عقب إفشال انقلاب على الرئيس رجب طيب إردوغان الصيف الماضي؛ وتصاعد الحرب ضد الانفصاليين الأكراد.
أما في ألمانيا التي كانت بعيدة حتى يوم الاثنين عن أعمال العنف الإرهابية، على عكس جاراتها الأوروبية أخرى مثل فرنسا وبلجيكا، فقد كان الهجوم يمثل تحققًا لمخاوفها من أن تكون التالية على القائمة. وقد ينذر المستقبل بالسوء بعدما أصبح خطر الإرهاب حقيقة، ومع تزايد المخاوف من أن تشهد السياسة في ألمانيا، التي رحبت باللاجئين القادمين من الشرق الأوسط، تحولا بسبب بزوغ نجم الحركة الشعبوية اليمينية بها.
كانت عملية اغتيال السفير الروسي لدى تركيا استعراضا منظمًا للدقة والتخطيط، إذ سُجّل الاعتداء في مقطع مصور، بثته القنوات بعد الحادثة بدقائق. أضفت أناقة الديكور، الذي تضمن جدرانا بيضاء، وصورا فوتوغرافية ملونة تصل جودتها إلى جودة الصور المعروضة بالمتاحف على الواقعة، طابعًا يذكرنا بفنون الأداء، حيث يتبختر القاتل متجولا، وملوحًا بسلاح معلنًا أن ما فعله كان انتقامًا لقصف روسيا مدينة حلب السورية.
في شقته في برلين، تابع كان دوندار، محرر صحافي تركي بارز، التغطية الإخبارية لكلا الهجومين ليلة الاثنين على جهازي تلفزيون منفصلين، مصدوما من وصول الإرهاب إلى بلده الأصلي تركيا، وبلد إقامته ألمانيا. لجأ دوندار إلى ألمانيا هربًا من السجن، بعد أن أدانته محكمة تركية بتهمة الخيانة بسبب نشره مقالا عن دعم تركيا للمسلحين السوريين. وقال إنه «من المستحيل التخلص منها؛ فهذه المشكلات تلاحقني» في ألمانيا. وأضاف قائلا: «كل من تحدثت معهم كانوا يتوقعون مثل هذا الهجوم... يستطيع أن يشعر المرء بتوتر الأجواء. لقد كانت برلين بعيدة حتى تلك اللحظة، وكان الناس ينتظرون حدوث مثل هذا الأمر. ربما لم تكن الشرطة الألمانية تتوقعه، فأنا لم أر تشديدًا للأمن في الأرجاء».
وبينما كان يشاهد الهجومين، كان يفكر في كيفية الربط بينهما. وأوضح قائلا: «أيا كان الأمر، فهو يتعلق بسوريا والشرق الأوسط». وقال إن الحل الوحيد للإرهاب هو العثور على حل للمشكلة السورية. وأضاف قائلا: «لا يمكنك التخلص من عواقب حرب كبيرة كهذه الحرب».
في أنقرة، حددت السلطات هوية الرجل المسلح، الذي صاح بشعارات إرهابية، وتم اكتشاف أنه رجل شرطة خارج دوام عمله؛ مع ذلك لا توجد معلومات واضحة عن خلفيته. وأشارت المنابر الإخبارية التركية إلى أنه من أتباع فتح الله غولن. فيما نقلت مواقع إخبارية أمس تبنّي «النصرة» الاعتداء.
قد تكون تركيا قد اعتادت على الهجمات الإرهابية، حيث وقع انفجار مؤخرًا في استاد لكرة القدم في وسط إسطنبول أسفر عن مقتل العشرات، لكنه أمر جديد على ألمانيا؛ وقد يكون تأثير خطر الإرهاب على مجتمع متفتح مثل المجتمع الألماني عميقًا.
في هذا الصدد، أشار مارك بيريني، سفير الاتحاد الأوروبي سابقًا لدى تركيا، ويعمل حاليًا باحثا زائرا في معهد «كارنيغي» بأوروبا، إلى هجوم وقع في فرنسا الصيف الماضي دهس فيه رجل يقود شاحنة المارّة في شارع مكتظ بالناس مما أدى إلى مقتل أكثر من 80 شخصا، وقال: «لقد كان هذا هو الخطر الذي كان يدركه الجميع. نحن مجتمعات مفتوحة؛ فأوروبا الغربية تختلف عن إسرائيل. أنت تتجول في إسرائيل فتجد كل شيء تحت الحماية». وقال إن الأوروبيين «يتجهون ببطء نحو تقبل أن الإرهاب هو الواقع الطبيعي الجديد». وأضاف بيريني قائلا: «مجتمعاتنا غير معتادة على ذلك».
هناك اختلاف بين تركيا وألمانيا في عدد من القضايا، منها اتفاق لمنع تدفق المهاجرين من تركيا إلى القارة الأوروبية، ومعارضة ألمانيا للحملة الأمنية التركية بعد الانقلاب الفاشل. مع ذلك، هناك ما يربط بين الدولتين؛ حيث يعمل الآلاف من المواطنين الأتراك في ألمانيا منذ عقود، وانضم إليهم مؤخرًا مفكرون، وطلب آخرون اللجوء السياسي هناك هربًا من اشتداد الحملات الأمنية في بلدهم تركيا.
عادت تولين يازيغي، أكاديمية تركية - ألمانية إلى فرانكفورت حيث ولدت، بعد أن بدأت الحكومة التركية استهداف الأكاديميين، والقبض عليهم بعد محاولة الانقلاب. وقالت: «لم أجد مكانا في العالم أشعر أنه وطني إلا أسطنبول. لقد رسخت مسيرتي المهنية، وتزوجت، وأنجبت، واشتريت منزلا هناك، لكن بعد محاولة الانقلاب خرجت البلد عن نطاق السيطرة، وبدأ الخطر يقترب أكثر فأكثر مني».
وقالت إنه حتى بعد الهجوم، الذي وقع يوم الاثنين في ألمانيا: «يبدو من البديهي بالنسبة لي أني قد اتخذت القرار الصائب». وأضافت قائلة: «الإرهاب خطر موجود في كل مكان، فقد شاهدنا كثيرا من الهجمات تحدث في أنحاء أوروبا، والهجوم الشنيع في برلين الليلة الماضية، لكن يظل المكان هنا آمنًا».
ومع ذلك قد تصبح الحياة في ألمانيا الآن شبيهة بالحياة في تركيا، حيث يحاول الناس تجنب الأماكن المزدحمة، ويتفحصون من حولهم، وما يحملونه.
وقال دوندار إنه كان ينظر من النافذة إلى إحدى أسواق أعياد الميلاد، وهي ليست السوق التي تم استهدافها مؤخرًا، التي كانت قبل يوم صاخبة. وقال: «تقع شقتي أمام متجر لهدايا أعياد الميلاد؛ يوجد رجل شرطة واحد فقط. وكان مزدحمًا جدًا بالأمس، لكن لا يوجد به أحد اليوم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
TT

أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها منظمات للمجتمع المدني، اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 800 مؤسسة مالية أوروبية لها علاقات تجارية بشركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية.

ووفقاً لـ«رويترز»، وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل، ويأمل بعض المستوطنين أن يساعدهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في تحقيق حلم فرض السيادة على الضفة الغربية التي يعدها الفلسطينيون محور دولة لهم في المستقبل.

وأدى العنف المتزايد للمستوطنين إلى فرض عقوبات أميركية، وقالت بعض الشركات إنها ستوقف أعمالها في الضفة الغربية المحتلة.

وأفاد تقرير تحالف منظمات «لا تشتري من الاحتلال» بأن 822 مؤسسة مالية في المجمل أقامت علاقات هذا العام مع 58 شركة «ضالعة بنشاط» في المستوطنات الإسرائيلية ارتفاعاً من 776 مؤسسة في 2023.

ودعت منظمات المجتمع المدني إلى تشديد التدقيق وسحب الاستثمارات إذا لزم الأمر.

وقال أندرو بريستون، من منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، وهي واحدة من 25 منظمة مجتمع مدني أوروبية وفلسطينية أجرت البحث: «المؤشر هو أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ».

وقال لنادي جنيف للصحافة حيث قُدم التقرير: «نرى أنه يجب على المؤسسات المالية الأوروبية معاودة تقييم نهجها بشكل عاجل تجاه الشركات الضالعة في الاحتلال غير القانوني».

ولم ترد وزارة المالية الإسرائيلية بعد على طلب للتعليق.

ويبلغ طول الضفة الغربية نحو 100 كيلومتر وعرضها 50، وتقع في لب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ استيلاء إسرائيل عليها في حرب عام 1967.

وتعد معظم الدول الضفة الغربية أرضاً محتلة، وأن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة في يوليو (تموز).

وأفاد التقرير بأن بنوكاً كبرى منها «بي إن بي باريبا» و«إتش إس بي سي» من بين الشركات الأوروبية المدرجة على القائمة. ولم ترد البنوك بعد على طلب للتعليق.

وأفاد التقرير بأن الشركات الضالعة بنشاط في المستوطنات وعددها 58 تشمل شركة كاتربيلر لصناعة الآلات الثقيلة، بالإضافة إلى موقعي السفر «بوكينغ» و«إكسبيديا». ولم ترد أي من هذه الشركات بعد على طلب للتعليق.

وقالت «بوكينغ» في وقت سابق إنها حدثت إرشاداتها لمنح العملاء مزيداً من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناطق المتنازع عليها والمتأثرة بالصراع. وقالت «إكسبيديا» إن أماكن الإقامة الخاصة بها محددة بوضوح على أنها مستوطنات إسرائيلية تقع في الأراضي الفلسطينية.

وكثير من الشركات المذكورة في التقرير، ولكن ليس كلها، مدرج أيضاً في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية.

وذكر التقرير أن بعض المؤسسات المالية سحبت استثماراتها من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك صندوق التقاعد النرويجي (كيه إل بي).