مناطق ريف دمشق الخاضعة لـ«المصالحة» تعود بعد التهجير القسري إلى عهد «النظام السابق»

من القمع إلى الاعتقالات العشوائية التي تشمل الشباب ومعارضي النظام

مناطق ريف دمشق الخاضعة لـ«المصالحة» تعود بعد التهجير القسري إلى عهد «النظام السابق»
TT

مناطق ريف دمشق الخاضعة لـ«المصالحة» تعود بعد التهجير القسري إلى عهد «النظام السابق»

مناطق ريف دمشق الخاضعة لـ«المصالحة» تعود بعد التهجير القسري إلى عهد «النظام السابق»

بعد أكثر من خمس سنوات على خروج أوّل مظاهرة مطالبة بإسقاط النظام السوري عادت بلدات محافظة ريف دمشق، التي أخضعت لما يعرف بـ«المصالحات»، وبالتالي للتهجير القسري، إلى عهدها السابق من القمع ومصادرة الحريات والاعتقالات العشوائية التي لطالما عرف بها نظام دمشق. وتمثل مدينة التل، التي تعد أكبر منطقة لجأ إليها النازحون من مناطق سوريا عدة نموذجًا لهذا الواقع بعدما كانت قد أخضعت لهدنة منذ فترة ولـ«مصالحة» قبل بضعة أسابيع أدت إلى خروج المقاتلين والمعارضين منها، ضمن اتفاق على غرار ما حصل في عدد من بلدات ريف دمشق، أبرزها داريا والمعضمية وخان الشيح وزاكية.
ناشطون سوريون يربطون حملات الاعتقال العشوائية التي ينفذها النظام في بلدات ريف دمشق بإعلانه الشهر الماضي عن تشكيل «الفيلق الخامس»، وهو يعمل على تجنيد كل الوسائل المتاحة للتجييش لفكرة الانضمام إليه، بما فيها الاعتقالات العشوائية وإجبار الشباب على الالتحاق في صفوفه. ويشير موقع «شبكة شام» المعارض إلى أنه بعد مضي أيام قليلة على إتمام بنود اتفاق الخروج من التل، الذي قضى بإخراج 500 معارض مع عائلاتهم باتجاه محافظة إدلب، باشرت قوات النظام وبعضهم من أبناء المدينة بتنفيذ حملات اعتقال ومداهمات بحق الشبان في البلدة. وهو ما يشكل خرقًا سريعًا للاتفاق الذي نص على ألا يدخل النظام والأمن إلى المدينة، إلا بناء على بلاغ حقيقي بوجود سلاح وبعد بإعلام لجنة المصالحة».
وتلفت الشبكة إلى أن عملية الاعتقال تجري عبر موكب يضم سيارات عدة تتقدمه سيارة سوداء تتولى الإرشاد إلى المباني المقررة مداهمتها في عملية تصفية ممنهجة لكل معارضي النظام في مدينة التل. هذا الأمر يحدث في معظم مناطق «المصالحة» الإجبارية في محافظة ريف دمشق، كما يؤكد الناشط في المنطقة ضياء الحسيني، لـ«الشرق الأوسط»، ويقول: «هذه المناطق التي أخضعت للتهجير القسري عادت لتعيش الظروف نفسها التي كانت في سوريا قبل بدء الثورة من مصادرة للحريات والرأي واعتقالات عشوائية لكل من هو معارض للنظام». ويضيف الحسيني: «إنما قد يكون العدد الأكبر هو في التلّ التي يعيش فيها أكثر من 600 ألف شخص، كان عدد كبير منها لجأ إليها من مناطق أخرى».
وفي حين يؤكد الناشط الحسيني أنه تم بالفعل اعتقال عدد كبير من المعارضين، فإنه يلفت إلى أن معرفة عدد المعتقلين بات صعبا في ظل الظروف التي تعيشها المناطق التي باتت خاضعة لسيطرة النظام، الذي يعمل - بعدما دمرّ أجزاء كبيرة منها - لإعادة العمل بإداراتها ومؤسساتها الرسمية، للقول: إنه هو من يمسك بالدولة.
ويؤكّد الحسيني أن النظام لم يعمل في كل المناطق الخاضعة للمصالحات في ريف دمشق إلا تنفيذ البند الأول منها المتعلق بإخراج المقاتلين والمعارضين، في حين لم يتقيد بالبنود الأخرى، التي منها إعادة بناء المدارس وترميم البنى التحتية، والأهم منح المتخلفين عن الخدمة العسكرية مهلة ستة أشهر قبل الالتحاق، معتمدا في ذلك على الاعتقالات العشوائية.
من جهة ثانية، نقلت «شبكة شام» عن الناشطة ورد عيسى، من داخل التل، قولها «إن بعض الاعتقالات تتم بتهمة حيازة الأسلحة»، لافتة إلى أن قوات النظام استحدثت حاجزين جديدين في أحياء المدينة، وهو خرق آخر يسجل على الاتفاق الذي يبدو أنه لم يجد أي تنفيذ له على الأرض، بعد إخلاء المدينة من ثوارها. ونقلاً عن مصادر أخرى في التل أفادت «شبكة شام» بوصول قوائم جديدة إلى المدينة تضمن أسماء المطلوبين للاحتياط وعددهم ثلاثة آلاف شخص، في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات تسجيل أسماء إضافية. وهي تضم قرابة 800 ألف مدني غالبيتهم من النازحين في المناطق التي تتعرّض للقصف أو باتت خاضعة لسيطرة النظام.
جدير بالذكر، أنه بعدما كان النظام السوري قد أعلن الشهر الماضي عن تشكيله «الفيلق الخامس»، فهو ما زال يبذل جهودا لضم عدد من الشباب إليه، خصوصا في محافظة ريف دمشق، المحيطة جغرافيًا بالعاصمة. ولقد بدأ يروّج له عبر وسائل عدّة، في محاولة منه لحث الشباب على الانضمام إليه، وكان آخرها مطالبة رسمية لمديرية الأوقاف لخطباء المساجد في صلاة الجمعة، يوم أول من أمس، بحث المواطنين على الالتحاق به، مع عرض مميزات هذا الفيلق. في وقت أفادت فيه مواقع معارضة بأن النظام يعمد إلى وضع منشورات ترويجية لهذا الفيلق في ربطات الخبز كي يضمن وصولها إلى المنازل.
وكان النظام أعلن في بيان رسمي له، الشهر الماضي، عن تشكيل «الفيلق الخامس اقتحام» من الطوعيين بمهمة القضاء على «الإرهاب»، إلى جانب باقي القوات الرديفة و«الحليفة» لـ«إعادة الأمن والاستقرار إلى كامل أراضي الجمهورية العربية السورية»، بحسب ما جاء في بيان لها. ودعا البيان: «جميع المواطنين الراغبين بالمشاركة في إنجاز الانتصار النهائي على الإرهاب إلى مراجعة مراكز الاستقبال في المحافظات»، حسب تعبيره. واشترط «أن يكون الشخص أتم الثامنة عشرة من عمره، وغير مكلف بخدمة العلم، أو غير فار من الخدمة، وأن يكون لائقًا صحيًا، كما فتح الباب أمام الراغبين ممن أدوا خدمة العلم من جميع الفئات للتطوع»، لافتًا إلى أنّهم «سيتقاضون رواتب وتعويضات مادية ومزايا ورتبًا عسكرية».
وللعلم كانت قوات النظام تضم ثلاثة فيالق قبل أن تعلن في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 عن تشكيل «الفيلق الرابع»، وذلك بعيد إعلان روسيا تدخلها الرسمي في سوريا.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».