إسرائيل تستولي على الحيز القروي الفلسطيني وتقطع أوصاله

تقرير إسرائيلي يتتبع مسار بناء المستوطنات وحرمان الفلسطينيين من أراض واسعة

مستوطن يهودي يقيم مبنى خشبيًا على طرف مستوطنة «عمونة» التي بنيت عام 1977 على أراض فلسطينية خاصة (أ.ف.ب)
مستوطن يهودي يقيم مبنى خشبيًا على طرف مستوطنة «عمونة» التي بنيت عام 1977 على أراض فلسطينية خاصة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستولي على الحيز القروي الفلسطيني وتقطع أوصاله

مستوطن يهودي يقيم مبنى خشبيًا على طرف مستوطنة «عمونة» التي بنيت عام 1977 على أراض فلسطينية خاصة (أ.ف.ب)
مستوطن يهودي يقيم مبنى خشبيًا على طرف مستوطنة «عمونة» التي بنيت عام 1977 على أراض فلسطينية خاصة (أ.ف.ب)

لا تكتفي إسرائيل بمصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت ذرائع مختلفة، بل تنقل هذه الأراضي إلى أيدي المستوطنين من دون حتى الاهتمام بالتشريعات الإسرائيلية نفسها.
وقد اتهمت منظمة «بيتسيلم» الإسرائيلية (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، إسرائيل بتجريد الفلسطينيين من أراضيهم، من دون النظر للتشريعات، قائلة إن نهب الأرض من المبادئ الأكثر ثباتًا في سياسة حكومات إسرائيل منذ سنين، وهذا ما تضمّنه المشروع الاستيطاني منذ بدايته.
وقالت بيتسيلم إن إسرائيل عبر هذه العملية «تستولي على الحيّز القروي الفلسطيني، وتحطّمه إلى شظايا متناثرة، وتجرّد المواطنين من الأرض والمياه وتنقلها إلى أيدي المستوطنين».
وبحسب تقرير بيتسيلم الجديد «يؤدّي المستوطنون دورًا مركزيًّا في تطبيق هذه السياسة، إذ تطلق إسرائيل أيديهم ليعملوا - كجهاز نهب وتجريد في الحيّز الفلسطيني - في قناة تبدو وكأنها خارج سيطرتها، بما يتضمّنه ذلك من اعتداءات جسديّة ضدّ الفلسطينيين».
والتقرير، المعنون بـ«إخلاء - بناء - استغلال طرائق إسرائيل في الاستيلاء على الحيّز القروي الفلسطيني»، يركّز على مثال عيني واحد: المسار الذي اجتازته ثلاث قرى في محافظة نابلس، هي عزموط، ودير الحطب، وسالم، منذ أن أقامت إسرائيل مستوطنة «ألون موريه» في جوارهم. وهو ما عده التقرير «تجسيدا لسياسة واسعة النطاق تطبّقها إسرائيل في أرجاء الضفة الغربية منذ عشرات السنين، متستّرة بـ(احتلال عسكري مؤقت). وهي تتصرّف في المنطقة المحتلّة كما لو أنّها أرضها، تنهب الأراضي، تستغلّ الموارد الطبيعية لاحتياجاتها، وتقيم المستوطنات الدائمة». وأضاف التقرير: «رويدًا يُجرَّد المواطنون الفلسطينيون من أراضيهم ومصادر معيشتهم، لتحتلّ مكانهم في الحيّز قوى إسرائيلية بواسطة أنشطة مباشرة تقوم بها الحكومة الإسرائيلية أو بواسطة مبعوثيها المستوطنين».
ويتتبّع التقرير سلسلة من الوسائل - الرسميّة وغير الرسميّة - التي استخدمتها إسرائيل لقطع الصلة بين القرويين وأراضيهم، ومن ثمّ نقلها إلى أيدي المستوطنين. ويقول: «كانت الحلقة الأولى في هذه السلسلة إنشاء مستوطنة (ألون موريه) في عام 1980 على مساحة 1278 دونما من أراضي القرى الثلاث. بعد نحو عامين فقط، أعلن القائد العسكري الأراضي المتبقّية، الواقعة غرب المستوطنة (محمية طبيعية)، فنشأ بذلك حيّز فعلي - أكبر بكثير من المسطّح البلدي للمستوطنة - بحيث أصبحت كلّ عملية تطوير (بناء، وزراعة جديدة، ورعي) يرغب الفلسطينيّون في القيام بها، تستوجب مصادقة سابقة من قبل إسرائيل. في عام 1987 أُعلن 1700 دونم من مساحة المحمية الطبيعية (أراضي دولة)، ومنذ عام 1998 تقوم ضمن هذا الحيّز بؤرة استيطانيّة».
وبحسب التقرير، فإن الحلقة التالية في سلسلة تجريد الفلسطينيين من أراضيهم في هذه المنطقة، جاءت بها اتفاقية أوسلو. إذ جرى توزيع أراضي قرى عزموط ودير الحطب وسالم، على منطقتي «ب» و«ج»، مضيفا: «معظم المساحة المبنية في ذلك الوقت، جرى تصنيفها ضمن منطقة (ب)، في حين صُنّفت الأراضي الزراعية والمراعي، ضمن منطقة (ج)، التي بقيت تحت السيطرة التامّة لإسرائيل. وهكذا وُضعت بنية تحتيّة إداريّة لفصل الجزء الأكبر من الأراضي الزراعيّة ومناطق الرعي التابعة للقرى الفلسطينيّة عن القرى نفسها». ولاحقا «استغلّت إسرائيل شقّ الشارع الالتفافي المؤدّي إلى ألون موريه، في 1988 لإنشاء بنية تحتيّة مادّية للفصل».
ويصف تقرير «بيتسيلم» كيف أتاح كلّ قيد من القيود التي فرضتها إسرائيل على أهالي وسكان القرى الفلسطينية للمستوطنين الغزو والتوسّع.
ويقول التقرير: «تحت جُنح الفصل، الذي فرضته إسرائيل بين السكّان الفلسطينيين وأراضيهم الزراعية ومراعيهم، يبني المستوطنون منازل في المنطقة، ويقيمون بؤرًا استيطانية، ويشقّون الطرق، ويزرعون الحقول، ويغرسون الكروم، ويرعون الأغنام، ويستولون على موارد المياه الطبيعية. ممارسات المستوطنين الممنهجة هذه، تشكّل جهاز استيلاء مخصخص يتيح لإسرائيل تنفيذ سياسة التواصل الجغرافي للاستيطان الإسرائيلي في المنطقة، وفي الوقت نفسه تتيح لها التنصّل رسميًّا من ممارسات المستوطنين».
وختم التقرير بالقول إن سياسة إسرائيل تشير بوضوح إلى أنها لا تعتبر الاحتلال - الذي يشارف عامه الخمسين - أمرًا مؤقتًا. تتجنّب إسرائيل ضمّ الضفة الغربية رسميًّا (باستثناء القدس الشرقية)، ولكنّها في الواقع تتعامل مع المستوطنات كجزءٍ من أراضيها السياديّة وتسعى إلى محو الخط الأخضر محوًا شبه تام بالنسبة إلى مواطنيها الإسرائيليين الذين يقطنون المستوطنات.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.