أزمة السكن في ألمانيا تدفع إلى رواج «البيوت المتحركة»

الشباب والعاملون أكثر قاطني العائمات والحاويات

خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
TT

أزمة السكن في ألمانيا تدفع إلى رواج «البيوت المتحركة»

خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت

على الرغم من إدراج ألمانيا على لائحة البلدان الأغنى في العالم، فإن نسبة مالكي البيوت من السكان قليلة مقارنة مع إيطاليا الأقل غنى على سبيل المثال أو بعض البلدان الاسكندنافية، وتحتل ألمانيا حاليا المرتبة الخامسة في ذلك الشأن على المستوى الأوروبي.
فخلال السنوات العشر الأخيرة، تمكن فقط كل واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت، وساعد في ذلك تدني الفائدة المصرفية على القروض؛ مع أن الشروط المرتبطة بعقد القرض صعبة.
والفئة الأكثر إقبالا على الاقتراض لبناء أو امتلاك منزل عائلة أو شقة هم موظفو المؤسسات الحكومية والشركات الكبيرة، إلا أن غالبية هذه البيوت أو الشقق تكون في الضواحي، لأن الأسعار في داخل المدينة باهظة جدا.
ولقد استفاد البعض من تدني الأسعار في مناطق شاسعة على محيط المدن الكبيرة مثل العاصمة برلين، أو اشترى بيوتا متداعية في الأقاليم الشرقية ورممها أو أعاد بناءها.
إلا أن شروط القروض الصعبة لم تنجح في فتح شهية كثير من الفئات، مثل أصحاب المهن الحرة والعاملين في الشركات والمصانع المتوسطة والصغيرة، فسياسة العمل حاليا في ألمانيا لا تطمئن، لأن رب العمل يمكنه صرف عماله، حيث إن مئات الآلاف منهم يعملون بعقود عمل قصيرة الأمد أو تتجدد سنويا. وعليه، فإذا ما لم يتمكن المقترض من تسديد أقساط قرض الشقة أو البيت لفترة معينة، فإن أول إجراء يتخذه المصرف أو المؤسسة المالية المقرضة هو مصادرة المنزل وعرضه في المزاد العلني بسعر يكون عادة أدنى مقارنة بالمبلغ الذي اقترضه، فيتعرض المقترض لخسارة كبيرة جدا.. فالمصرف يسترجع ما تبقى له من القرض، أما هو فقد يحصل على بعض المال حتى ولو كان قد سدد نسبة كبيرة من الدين.
وبعدها يتجه «المنكوب» في أمر بيته أو شقته إلى سوق العقارات للبحث عن مكان يؤويه وعائلته، وهنا يواجه مشكلة أخرى، فألمانيا لديها مشاريع لبناء مئات الآلاف من المساكن، لكنها مشاريع إما طويلة أو متوسطة المدى، والقليل منها سوف ينفذ على المدى القريب.
ولقد بلغ عدد الشقق السكنية في ألمانيا حتى عام 2015 نحو 42 مليون وحدة، وعدد المباني السكنية قرابة 80 ألفًا. لكن عدد المستأجرين أو الباحثين عن مسكن تعدى 40 مليون شخص، يضاف إليهم أكثر من 675 ألف لاجئ أتوا منذ عام 2011 وحتى اليوم إلى ألمانيا، وهم بحاجة إلى مساكن أيضًا عندما تقبل طلبات لجوئهم.
وتعتبر مدينة ميونيخ من المدن الأغلى ثمنا في القطاع العقاري، إن كان من حيث الإيجارات، أو أسعار الشقق أو المباني، أو أسعار الأراضي، فمتوسط ثمن المتر المربع في شقة بحي متوسط يتجاوز 7160 يورو (نحو 7600 دولار)، وبدل الإيجار لشقة لا تتعدى 42 مترا مربعا في الطابق الخامس ومن دون مصعد يصل إلى 750 يورو (ما يناهز 800 دولار) شهريا. كما يتجاوز سعر المتر المربع لشقة في ضواحي فرانكفورت مساحتها 50 مترا مربعا 6 آلاف يورو (نحو 6365 دولارًا)، وتكون مجهزة تجهيزا بسيطا وأحيانا من دون مصعد.
* النزوح سبب ارتفاع الإيجار
ولقد شهدت كل المدن الألمانية ما بين عام 1980 وعام 2015 ارتفاعا صاروخيا في بدل الإيجارات تجاوز 100 في المائة، وبعد الوحدة بين شطري ألمانيا تفاقم الوضع لنزوج مئات الآلاف من الأقاليم الشرقية إلى الغربية، فظهرت أزمة قلة المساكن.
وظلت العاصمة برلين تقاوم ارتفاع بدل الإيجارات وأسعار الأراضي إلى أن استسلمت لأصحاب العقارات والمباني، مما جعل الفترة الذهبية التي عاشتها بعد الوحدة في طي النسيان. واليوم فإن بدل إيجار شقة مساحتها 50 مترا مربعا قفز من 500 يورو (نحو 530 دولارًا) إلى 1000 يورو (1060 دولارًا) شهريا، وتوجد أحياء في برلين لا يمكن لموظف أو عامل عادي حتى التفكير في السكن فيها، مثل الحي الحكومي أو وسط برلين الذي يعرف باسم «برلين ميتي». والأمر ليس أفضل في مدن مثل دوسلدورف أو أسن أو كولونيا أو بون، فشقة لا تتعدى 40 مترا مربعا لا يقل بدل إيجارها عن 500 يورو شهريا، يضاف إليها الكهرباء ومصاريف جانبية أخرى.
هذا الوضع والتوقعات بمواصلة ارتفاع بدل الإيجار دفع بالكثيرين، وبالأخص الطلاب إلى التفكير أو اللجوء إلى المساكن المتنقلة، وهي فكرة بدأت قبل 15 سنة في مدن كبيرة مثل ميونيخ وفرانكفورت لكن القلة كانوا يخوضون هذه المغامرة، والفكرة توسعت اليوم وأصبح هناك شركات ومقاولون ومهندسون يقومون ببناء ما يسمى بـ«الميني» شقق، أو شقة صغيرة متنقلة مساحتها بضعة أمتار مربعة، تتوفر فيها كل وسائل الراحة والضروريات من المطبخ والسقيفة الصغيرة إلى المرحاض وحتى الحمام.
* السكن المتحرك
مع تزايد الإقبال على الشقق المتنقلة، أصبح التنافس كبيرًا بين الشركات والمقاولين لعرض الأفضل والأجمل والأحسن.. وبالطبع الأكثر تنافسية وجذبًا من حيث الأسعار. وهناك اليوم شقق بمساحة لا تقل عن العشرين مترا مربعا بسعر 15 إلى 30 ألف يورو (16 إلى 32 ألف دولار)، وتدخل ميدان المنافسة شركات نمساوية كثيرة، وهذا شجع سيدة الأعمال النمساوية تريزا شتاينغر وصديقها على «ركوب الموجة» وتأسيس مكتب عقارات في ألمانيا لبيع المنازل المتحركة، وساعدها في ذلك أنها مهندسة معمارية وصديقها خبير عقاري، وهي تختار للزبائن الأماكن المفضلة لتركيز البيت مع توفير كل مستلزماته كالكهرباء والتدفئة بواسطة الطاقة المتجددة التي تحتاج فقط إلى صفائح شمسية. كما تتوفر إمكانية الاتصالات عن طريق الهواتف النقالة، التي يمكن ربط عقدها بتوفير قنوات تلفزة.
وأغلب زبائن تريزا شتاينغر من الشباب الذين يرغبون في العيش وسط الطبيعة، أو ممن لا يمتلكون أموالا طائلة للإيجار، فيلجأون إلى القروض الصغيرة أو مساعدة من العائلة.
ولدى هذه الشركة اليوم منازل لها شرفة ونوافذ نصف حجرية مساحتها 2.5 متر X 6 أمتار، وحتى العشرة أمتار، لكنها ثابتة من دون أساسات، مع ارتفاع نحو النصف متر عن الأرض. ويترك الخيار للزبون لإدخال تعديلات على التقسيمات الداخلية أو فرش الشقة.
ولا يخشى ساكن مثل هذه البيوت أي نقص، فأعمدة الخطوط الكهربائية متوفرة في ألمانيا حتى بالقرب من الغابات، ومن يُرِد الاستقلال عن شركات الطاقة يمكنه استخدام لوحات ضوئية ووضع البطارية في أحد زوايا المنزل، فتطور هذه التقنية في ألمانيا جعل استخدامها سهلا للغاية.
إلا أن لارا مولر، الطالبة في جامعة كولونيا، لجأت إلى «حاوية» للسكن فيها حولتها إلى شقة صغيرة فيها كل لوازم العيش من الحمام وحتى زاوية النوم، وفي الصيف تستقبل أصحابها أمام باب الحاوية.
وكل ما يلزم لارا متوفر: فرن وتدفئة ومياه ساخنة تعمل بالبطارية، وماء للاستحمام يأتيها من خزان يحتوي على 650 لترا، كما أضافت إليه فلتر لماء الشرب، لكن عليها أن توجد في مكان فيه «وصلة» مع أحد المجاري الصحية من أجل التخلص من مياه الصرف، وتسكن اليوم بالقرب من تجمع سكني مما يجعلها غير معزولة.
وتبرر لورا هذه الخطوة بأن هناك أكثر من 80 ألف شخص في المدينة، والشقق المعروضة للإيجار بأسعار معقولة لا تتجاوز نحو 5 آلاف شقة. وهي من جانبها لا تستطيع دفع بدل إيجار مرتفع لأنها تحصل من والديها على 670 يورو شهريا (نحو 710 دولارات) فقط، وأجرة أصغر شقة تبلغ نحو 650 يورو.. لذا قررت العمل خلال الصيف وشراء حاوية حولتها إلى شقة مريحة، ووضعتها في مكان لا يبعد عن الجامعة سوى 40 دقيقة بالدراجة.
* السكن في العائمات
كما دفع ارتفاع أسعار الشقق البعض إلى السكن فوق الماء - أو بالقرب منها - في عوامات، مما جعل هذا القطاع في رواج متواصل. ففي برلين على سبيل المثال شركة «فاسر فيرك» المتخصصة ببناء عائمات لتكون إما مكاتب أو شقق عائمة، فالأسعار كما تقول مديرة التسويق أقل بكثير مما يدفعه الناس لشراء مساكن. فشقة عائمة مساحتها حتى الـ70 مترا مربعا من طابقين لا يتعدى سعرها 80 ألف يورو (نحو 85 ألف دولار).
والعائمات هي بيوت متينة تبنى من الخشب والحديد كما البيوت العادية، ويدخل الحجر في أماكن معينة. وهي مسطحة كي لا تتعرض لفقدان التوازن، رغم أن هذا نادر لأنها تكون على ضفاف البحيرات حيث المياه غير متحركة. وتطلي جدران العائمة من الداخل والخارج بطلاء السفن. ويعتمد في الإنارة والتدفئة والكهرباء والغاز على طريقتين: إما عبر مولد كهرباء أو عن طريق الطاقة الشمسية التي أصبحت منتشرة في ألمانيا.
والهندسة التي بينت بها المساكن العائمة تسمح بتمديد أنابيب ماء مع تنظيم ماء الصرف فيها بشكل لا يختلف عن البيوت العادية، وبواسطة مضخة يتم الاستفادة من مياه البحيرات، ولكل عائمة جسر قصير يتصل بالرصيف حيث تربط به.
* منازل عمودية
وضع المهندس المعماري كارل فولف في مدينة فريدريش هافن تصاميم منزله العمودي كي يبنى في فراغ بين عمارتين في شارع جانبي، سعيًا منه للاستفادة من كل سنتيمتر مربع. فارتفاع البيت سوف يكون 240 سنتيمترا، وعرضه 130 سنتيمترا. ورغم صغر مساحته، تتوفر فيه كل شروط الإقامة المريحة، فهو مؤلف من ثلاثة طوابق مفتوحة عموديا على بعضها البعض؛ الطابق الأرضي غرفة مطالعة ومطبخ، ثم سلم قصير إلى الطابق العلوي حيث غرفة النوم والحمام، وفوقه غرفة جلوس، ولا تغيب النوافذ عن التصميم.
وبهذا يريد المهندس الألماني مواكبة التطور الهندسي في اليابان لمواجهة قلة المساكن وارتفاع أسعارها. فأحد المهندسين اليابانيين بنى في ضاحية بطوكيو بيتا عموديا من الزجاج من طابقين بهدف دخول أكبر كمية من الضوء الطبيعي.
* من بيوت إجازة إلى مساكن ثابتة
ومع أن القانون الألماني لا يسمح بالسكن التام في بيوت متنقلة أو بيوت غير حجرية، لكن يوجد حاليا في ضاحية برلين وعلى ضفاف الأنهار أو بالقرب من الغابات تجمع لما يسمى بمساكن «الإجازة» أو نهاية الأسبوع، وهي بيوت صغيرة مبينة من الخشب وفيها كل الضروريات الحياتية.
ولقد تحولت هذه المساكن منذ سنوات إلى مساكن عادية، فالساكنة الألمانية بيتر لوب، وهي مدرسة متقاعدة، تسكن منذ أكثر من عشر سنوات في منزل كهذا مؤلف من طابقين، الأرضي فيه غرفة الطعام والمطبخ وغرفة الجلوس، وفي الطابق العلوي غرفة نوم جدرانها من زجاج وأيضًا الحمام.
كما حولت لوب الجداران إلى خزائن داخلية، وأمام البيت حديقة صغيرة تطل على منزل آخر تسكنه امرأة مسنة، وله نفس المواصفات تقريبا، وتبلغ مساحة المسكن نحو 54 مترا مربعا.
وتدفع لوب شهريا 150 يورو للكهرباء والماء والتدفئة التي تشغلها طوال الشتاء. ووصلت تكاليف تحويل السكن وشرائه من مالكه السابق إلى 30 ألف يورو، ويحتاج الخشب إلى صيانة مرة كل خمسة أعوام.
وفي هذا التجمع السكني يوجد أكثر من مائة منزل من نفس النموذج تقريبا، معظم ساكنيهم لا تتوفر لديهم الإمكانية لاستئجار شقة، ويشعرون بالراحة في وسط الطبيعة طالما أن خطوط الهاتف والكهرباء والغاز متوفرة.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».


«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.


هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»