بعدما تأكد خروج فريق توتنهام من دوري أبطال أوروبا بهزيمته أمام موناكو الفرنسي، دعونا نلقي نظرة على الأداء المتواضع للفريق في ظل قيادة المدرب ماوريسيو بوكيتينو.
عامل استاد ويمبلي:
عندما استخدم فريق آرسنال ملعب ويمبلي عام 1998 / 1999 وفي العام التالي 1999 / 2000 لاستضافة مبارياته في دور الأبطال لحين بناء ملعبه، قال المدرب أرسين فينغر ولاعبوه أشياء بدت صحيحة عن الاستاد الوطني ومدى تأثيره الإيجابي عليهم.
لكن بعد وقت ليس بالطويل جاء تعبير اللاعبين عن مشاعرهم الحقيقة، وجاء فينغر، واللاعب راي بارلور ليصفا التجربة وخصوصا في المباراة الأخيرة بـ«الكابوس»، فيما وصفها المدافع إيمانويل بيتي بـ«الكارثة». فقد خسر الآرسنال ثلاثًا من مبارياته الست التي أقيمت على ملعب ويمبلي وفشلوا في التقدم في المسابقة، وسيكون من المثير رؤية ما إذا كان توتنهام سيحذو حذو الآرسنال ليقول ما يشعر به لاعبوه بشأن تجربتهم بملعب ويمبلي. لكن لكي لا يخطأ الفهم، فقد شعر اللاعبون بالراحة بهذا الملعب الموسم الحالي. واضطر توتنهام للعب مبارياته بدوري الأبطال في ويمبلي بسبب تقليل سعة مدرجات ملعبه وايت هارت لين ضمن أعمال بناء تجري لتشييد استاد جديد بجواره.
ومن غير المعقول القول إن اللعب على أحد أعظم الاستادات الرياضية في العالم له أثر سلبي، فلطالما كان زيارة ملعب ويمبلي حلما لأي فتى صغير مغرم بكرة القدم في إنجلترا. بالنسبة لتوتنهام، فالملعب ساعدهم على إيجاد زوايا أوسع لشن هجماتهم وشل دفاعات الخصم المتكتل. لكن عادات لاعبي الكرة تتصف دوما بالمغالاة، ووجد لاعبو توتنهام أن التحول من اللعب داخل حدود الملعب الصغير باستاد «وايت هارت لين» إلى استاد ويمبلي الأوسع شيئا منفرا. ورغم أن النادي فعل المستحيل كي يشعر اللاعبين أن ملعب ويمبلي بيتهم - ويجب ملاحظة أن الجو العام الناتج عن أعداد الجماهير غير المسبوقة كان مقبولا - فقد شعر اللاعبون بالغربة وببعض الإرهاق.
وجد توتنهام صعوبة في الضغط وفرض سيطرتهم في ملعب كبير كهذا، ومثلت النقاط الأربعة التي حصل عليها الفريق من ثلاثة تعادلات خارج ملعبه بدوري أبطال أوروبا شيئا إيجابيا، نظرا لأن الفريق لم يحصل على أي نقاط من المباراتين اللتين خاضهما بملعب ويمبلي، الأولى أمام موناكو والثانية أمام بارين ليفركوزن، مما يسلط الضوء على أسباب ابتعادهم عن المنافسة.
عمق الفريق:
لم يتراجع المدرب بوكيتينو عن كلماته بعد أن أكدت الهزيمة بملعب موناكو بنتيجة 2 - 1 مساء الثلاثاء الماضي خروج توتنهام من دوري الأبطال، وتحدث عن كفاح لاعبيه في المباراة لتحقيق مطلبي الدوري الإنجليزي الممتاز في ظل قسوة جميع المباريات حيث يلهث اللاعبون حتى اللحظات الأخيرة، وفي دوري أبطال أوروبا يصبح التركيز مطلوبا وبدرجة أعلى. تجليات حالة الشد العصبي واضحة، لكن دعونا نفكر فيما حدث مؤخرا، فقد احتاج توتنهام وقتا إضافيا للفوز بمباريات قوية بملعبه أمام وستهام يونايتد الأسبوع الماضي، وكان الفريق الذي سافر للقاء موناكو السبت الماضي لا يزال يلعق جراحه. وفي التدريب الأخير قبل تلك المباراة، كان على بوكتينيو أن يختبر لياقة الكثير من نجومه، منهم هاري كين، وموسى ديمبلي، وديلي ألي، وجان فيرتونغام، وفي نفس الوقت تجهيز 11 لاعبا للمباراة، ولم يكن سهلا بالمرة.
في الموسم الأخير، بدا فريق بوكتينيو محصنا ضد الإصابات، عكس الحال هذه المرة، ولم يشارك كين وتوبي الدريفيلد في ثلاث مباريات في دوري أبطال أوروبا. كذلك لم يوجد الكثيرون، وبعضهم شارك مصابا ولم تكن حالتهم سليمة 100 في المائة. كان الوضع أشبه بضربة للفريق، واحتاج بوكيتينو أن يبذل جهدا في البحث عن إجابات لدى لاعبيه، وهو ما لم يحدث وكانت تعليقاته عقب الهزيمة الأخيرة أمام موناكو كاشفة.
قال بوكتينيو: «إن شاركنا في دوري أبطال أوروبا الموسم القادم، فربما نحتاج لإجراء بعض التعديلات»، مضيفا: «نحتاج لأن نحسن من أداء فريقنا للمنافسة في الدوري الممتاز. لكن عندما يكون لديك بعض المشكلات أو الإصابات، دائما يكون من الصعب المنافسة في الدوري الإنجليزي ودوري الأبطال».
لكن بوكيتينو كان واضحا بشأن ملعب ويمبلي وأكد أن فريقه سيواصل اللعب عليه في مباريات الدوري الأوروبي إذا تأهل لهذه المسابقة.
وبعد أن أنهت الهزيمة أمام مضيفه موناكو فرص توتنهام في بلوغ دور الستة عشر بدوري الأبطال يأمل الفريق أن ينتقل للعب في الدوري الأوروبي إذا تجنب الهزيمة أمام سسكا موسكو في آخر جولة على ملعبه يوم السابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وأجهض بوكيتينو تكهنات العودة لملعب وايت هارت لين من أجل مباريات الدوري الأوروبي الأقل أهمية مقارنة بدوري الأبطال، وقال: «يحتاج اللاعبون للتركيز في اللعب. سنلعب الدوري الأوروبي في ويمبلي ويجب أن نتخذ منه مقرا لنا».
وأضاف: «في الموسم المقبل سنلعب 19 مباراة في الدوري في ويمبلي بجانب مباريات الكأس ويجب أن يكون مقرا لنا. هذه فرصة رائعة لنا».
تأثير صفقات الصيف:
عندما تعاقد بوكتينيو مع فيكتور وانياما وأحضره من فريق ساوثهامبتون في يونيو (حزيران) الماضي، تعجب البعض متسائلين كيف له أن يبرز وسط هذا الفريق، وبعد ذلك حصل المدرب على خدمات لاعب الوسط المدافع الرائع إيريك داير. لكن بوكتينيو أدرك أهمية تعظيم قدرات الفريق نظرا للمتطلبات الكثيرة لدوري أبطال أوروبا ولأن المنافسة المتزايدة على تحقيق مراكز متقدمة في حد ذاتها أمر محمود. أثبتت الأيام جدوى التعاقد مع اللاعب وانياما إلى جوار داير، حيث كانت هناك حاجة فعلية لعلاج مشكلات التشكيل في مراكز قلب الدفاع، وكأن وانياما يؤدي عملا ثابتا بشكل روتيني.
لكن ماذا عن باقي اللاعبين الجدد؟ كي أقولها بصراحة، فقد بذلوا جهدا ضئيلا لاستغلال الفرص أو لتخفيف العبء على اللاعبين الأساسيين. فقد تألق فينيسن يانسن في دوري أبطال أوروبا، تحديدا في الشوط الأول الذي انتهى بالتعادل السلبي مع ليفركوزن، لكن أداءه لم يكن حاسما، وكلما استمر من دون تسجيل أهداف في اللعب المفتوح كانت المقارنة بينه وبين روبرتو سولدادو أوضح، حيث كان الأخير مهاجما شهيرا لكنه لم يكن مؤثرا بحال. وجرى التعاقد مع جورجس كيفين نكودو ليضيف ميزة القدرة على تغيير اللعب على الأجناب، لكن بوكتينيو لم يثق به أكثر من 40 دقيقة في دوري أبطال أوروبا حيث كان أحد ثلاثة تغييرات أجراها المدرب شملت موسى سيسوكو الذي انتقل لصفوف توتنهام مقابل 30 مليون جنيه إسترليني، أساسيا في دوري أبطال أوروبا سوى في مباراة واحدة فقط، وكل من شاهده في المباراة التي شهدت انهيار فريقه أمام ليفركوزن بملعب ويمبلي لن يتذكر أداءه السيئ.
إن كان هناك حادثة واحدة تلخص نقص الفطنة التي أظهرها توتنهام بدوري أبطال أوروبا العام الحالي فهي تلك اللحظة التي شاهدناها في الدقيقة 53 من زمن مباراة موناكو مساء الثلاثاء الماضي. فقد كان المهاجم كين قد سجل للتو هدف التعادل 1 - 1 من ضربة جزاء، وأخذ موناكو الكرة لتنفيذ ضربة البداية من منتصف الملعب، وبعد أربع تمريرات بالضبط قام توماس ليمير بتسديد الكرة لتتخطى حارس توتنهام ليسجل هدف الفوز للمنافس، ولم تكن مفاجأة أن نشاهد بوكتينيو غاضبا خارج الملعب. في بعض الأحيان يقال إن اللاعبين يحتاجون بعض الوقت للتأقلم مع إيقاع اللعب والضغط بدوري أبطال أوروبا، فقد يحتاجون لمباراتين قادمتين أو أكثر – رغم أن أداء توتنهام في موسم 2010 / 2011 لم يكن بهذا السوء.
يعتمد الأمر باستمرار على مستويات التركيز الثابتة ليكون اللاعب مستعدا للعطاء عندما تحين اللحظة الحاسمة.
غير أن أداء توتنهام الموسم الحالي كان مليئا بالسلبيات الناتجة عن أخطاء فردية إما بسبب اندفاعهم للحصول على فرص ثمينة أو بزلاتهم في الخلف. «قلت لك في بداية الموسم إن تحدينا لن يكون بدنيا أو فنيا، بل في إدارة عقولنا»، بحسب بوكتينيو عقب مباراة موناكو الثانية، مضيفا: «لا أعتقد أننا قد أدينا بالشكل الذي يؤهلنا للدور التالي، وإن كان هذا لا يعنى أننا نفتقد المقومات في أقدامنا، فما نحتاج لتطويره هو عقليتنا».
4 - نقص الإبداع: شكا بوكتينيو كثيرا من نقص القوة والصلابة بفريقه أمام المرمى، فقد كانت هناك لحظات أثناء مباريات دوري أبطال أوروبا نسى فيها اللاعبون أدوارهم ومراكزهم في الملعب. فمثلا الكوري سون هونغ مين وهاري كين كلاهما أضاع فرصا محققة في المباراة التي خسرها فريقهما على ملعبهم أمام موناكو، وكذلك ضل ديلي آلي الطريق إلى المرمى في مباراة فريقه أمام ليفركوزن، وسون لم يكن قادرا على إنهاء الهجمات في بداية المباراة أمام موناكو. ولن نجافي الحقيقة إن قلنا إن الإحصاءات أظهرت أن توتنهام لم يسجل سوى هدف واحد من لعبة مفتوحة - هدف الفوز الذي سجله سون في فريق سيسكا موسكو - وجاءت باقي الأهداف من ضربة رأس في مباراة موناكو التي أقيمت عل ملعب توتنهام، وضربة الجزاء التي سددها كين في مباراتهم خارج ملعبهم.
أكثر ما يبعث على خيبة الأمل هو عدم قدرة توتنهام على السؤال والتحري عن قدرات منافسيهم. بالفعل كانت هناك بعض المقاطع الممتعة لكنها لم تدم طويلا، وكان ينقصها بعض الذكاء. ففي منتصف الطريق وسط المجموعة وبعد ثلاث مباريات بدا الفريق قانعا بما لديه وبالنقطة التي حصل عليها من ليفركوزن، لكن انسداد الأفق أمام ليفركوزن بملعبي ويمبلي وموناكو بجنوب فرنسا فجر نوبات البحث عن الروح المفقودة التي طالما اعتادت عليها جماهير توتنهام.