فرنسوا فيون.. المتأهب لاجتياح الإليزيه

هل يكون المفاجأة الفرنسية الرئاسية.. على طريقة ترامب؟

فرنسوا فيون.. المتأهب لاجتياح الإليزيه
TT

فرنسوا فيون.. المتأهب لاجتياح الإليزيه

فرنسوا فيون.. المتأهب لاجتياح الإليزيه

«اللا أحد» - «Nobody» - هو اللقب الذي كان يطلق على فرنسوا فيون، هذا السياسي الذي يرجح أن يصبح مساء غد مرشحا عن اليمين والوسط لخوض المنافسة الرئاسية في شهر مايو (أيار) من العام المقبل. فالجولة الثانية (الأخيرة) من الانتخابات التمهيدية لحزب «الجمهوريون» اليميني ومجموعات يمين الوسط ستحصل الأحد بحلول الساعة الثامنة والنصف مساء سيخرج اسم الفائز من صناديق الاقتراع. وهذا الاسم سيكون رئيس الحكومة السابق فيون إلا إذا حصلت «معجزة» ما، وهي صعبة الحصول بالنظر للفرق الشاسع في نتيجة في الدورة الأولى حيث حصل فيون على أكثر من 44 في المائة من أصوات الأربعة ملايين ناخب الذين ذهبوا إلى مكاتب الاقتراع بينما حصل منافسه الأقرب آلان جوبيه على 28 في المائة. أما المرشح الثالث، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي كان مقدرا له أن يتأهل للمنافسة في الجولة الثانية، فقد خرج من السباق. وهكذا، فإن «اللا أحد» سيصبح غدا حامل لواء اليمين ويرجح بشدة أن يكون في الربيع المقبل الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة.
قبل شهر، لم يكن أحد يتوقع لفرنسوا فيون، الذي رأس الحكومة الفرنسية طيلة عهد الرئيس نيكولا ساركوزي (2007 - 2012)، أن يكون في الموقع الذي يشغله اليوم. الرجل الذي أعلن منذ سنتين ترشحه للفوز بتسمية حزبه للانتخابات الرئاسية كان يكافح لأن يكون الرجل الثالث في المنافسة التي ضمت سبعة مرشحين، من بين هؤلاء رئيس جمهورية سابق (ساركوزي) ورئيس حكومة سابق (آلان جوبيه) كان يصفه الرئيس الأسبق جاك شيراك بـ«الألمع بيننا». يضاف إليهما وزيران طموحان سابقان في حكومة فيون ما زالا في الأربعينات من عمرهما، هما وزير الزراعة برونو لومير، ووزيرة البيئة ناتالي كوسيوسكو موريزيه.
لومير كان يريد أن يكون الرجل الثالث في المنافسة السباعية. أما موريزيه، فقد راهنت على كونها المرأة الوحيدة في المنافسة، وأنها الأقرب إلى الشباب وحاملة راية التحديث والدفاع عن البيئة.
لكن فيون كذب كل استطلاعات الرأي وأخرج ساركوزي من السباق منتقما من سنوات التحقير والإهانة التي ألحقها به الأول خلال سنوات خمس. ولم ينس الفرنسيون أن ساركوزي وصف فيون يومًا بأنه «مساعده»، أي التابع له، وليس رئيس حكومة دولة كبرى تحتل مقعدا دائمًا في مجلس الأمن ولها موقع متقدم داخل الاتحاد الأوروبي ويحتل اقتصادها المرتبة الخامسة في العالم والثانية في أوروبا... ناهيك عن امتلاكها السلاح النووي وسبق أن كان لها إمبراطورية استعمارية في آسيا وأفريقيا وأميركا.
قيل وكتب كثير من التحليلات عن الأسباب التي أخرجت فيون من العتمة إلى الضوء وجعلته اليوم الرجل الذي يتراكض لكسب رضاه غالبية سياسيي اليمين والوسط. وبعدما كانت الوسائل الإعلامية على اختلافها تتجاهله، فهي اليوم تحني ركبتها أمامه، وتؤكد ما كانت تقول عكسه في الأمس القريب.
فمن هذا الرجل الذي يوصف بالكاثوليكي المحافظ على المستوى الاجتماعي والليبرالي على المستوى الاقتصادي كما أنه «صديق» الرئيس الروسي بوتين الذي تدخل «شخصيًا» في الحملة الرئاسية الفرنسية قبل ثلاثة أيام ليشيد به، وكلاهما كان رئيس حكومة ما بين عام 2007 و2012؟

بطاقة شخصية
فرنسوا شارل أرمان فيون ليس جديدا في عالم السياسة. فهذا الرجل الذي تنقل في كثير من المناصب السياسية، كان نائبا ووزيرا ورئيس بلدية ورئيس مجلس محلي ومناطقي وعضو مجلس شيوخ ورئيس حكومة... ولد قبل 62 سنة ونشأ في منطقة السارت بجنوب غربي فرنسا. والده ينتميان إلى البرجوازية المحلية التي تعتنق عادة مبادئ محافظة لن يشذ عنها - على الأرجح - رئيس الجمهورية القادم. ذلك أن السمة البارزة في طبع فيون، وفي برنامجه السياسي الذي يخوض على أساسه الحملة الانتخابية الرئاسية، هي أنه محافظ على المستوى الاجتماعي وليبرالي على المستوى الاقتصادي.
وهذا الرجل الكاثوليكي المتدين يرفع اليوم لواء العائلة. ومع أنه يمتنع عن انتقاد القانون الذي يتيح للنساء الإجهاض، الذي أقر في السبعينات، فإنه يغتنم كل فرصة ليؤكد أنه على «المستوى الشخصي» يرفض الإجهاض، كما أنه عازم على إعادة كتابة بعض فقرات القانون الخاص بإتاحة المجال للمثليين بـ«التبني الكامل» للأطفال.
يقترب فيون في هذه المواقف من مبادئ ومقاربة الكنيسة الكاثوليكية إلى درجة أن خصومه من اليمين واليسار يتهمونه بأنه يقود «ثورة محافظة». وهذه المسألة خاصة، كانت أحد محاور «المنازلة التلفزيونية» مساء الخميس بينه وبين منافسه اليميني آلان جوبيه الذي يقدم نفسه على أنه أكثر ليبرالية على المستوى الاجتماعي وأقل راديكالية على المستوى الاقتصادي. وفي حين يفتخر فيون بمقارنته بمارغريت تاتشر «المرأة الحديدية»، التي حطمت النقابات في بريطانيا وقادت برنامجا اقتصاديا بالغ الليبرالية عن طريق بيع حصص الحكومة في الصناعات والخدمات، فإن جوبيه يريد إصلاحات «ناعمة» لا تزيد من تهميش المهمشين أصلا ولا تنزل العمال والموظفين إلى الشوارع وتعطل الاقتصاد.
وفي أي حال، فإن الاثنين يريدان إصلاح قانون العمل وخفض أعداد الموظفين ورفع سن التقاعد وزيادة ساعات العمل الأسبوعي وإلغاء «ضريبة الثروة» وزيادة رسوم القيمة المضافة، ما يجعل الاثنين يندرجان في الخط السياسي اليميني بدرجات متفاوتة، «معتدلة» بالنسبة لجوبيه، و«راديكالية» بالنسبة لفيون.

رجل متقشف
الصورة الشخصية الرائجة لفرنسوا فيون لدى الجمهور الفرنسي هو أنه رجل «متقشف»، منطو على نفسه، يضبط أعصابه ولا يضحك إلا في المناسبات «الكبرى». وخلال الأشهر الأخيرة، سعى مستشارو فيون إلى تغيير صورته وصقلها. ومن الأمور التي لا يعرفها كثيرون عن فيون أنه رياضي مكتمل يهوى التسلق والرحلات الراجلة في الجبال وهي عادة كسبها منذ أن انضم إلى فرقة الكشافة في منطقته حيث أصبح أحد مسؤوليها وهو في السابعة عشرة من عمره. والأهم من ذلك، أنه يهوى السرعة ويشارك شخصيا في سباقات السيارات التي تجرى سنويا في مدينة لومان الواقعة في دائرته الانتخابية.
عائليًا، تزوج فيون من مواطنة بريطانية هي بينيلوب كلارك، التي التقاها عندما كان طالبًا، وأنجب منها خمسة أولاد... ما يكشف مدى تمسكه بالقيم العائلية والمكان الكبير الذي تحتله العائلة في فلسفته الشخصية والسياسية على السواء. وعلى عكس ساركوزي الذي طلّق مرتين، وجوبيه الذي طلق مرة واحدة، فإن فيون لم يطلق أبدا في حياته.
مع نهاية دراسته الجامعية حيث تخصص - كذلك زوجته المستقبلية - في القانون، كوالديه، حيث كانت والدته أستاذة جامعية ووالده كاتب عدل، سعى فيون للعمل في الميدان الإعلامي. والتحق في فترتين تدريبيتين بوكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب» في مدريد ثم في بروكسل. لكنه لم يكمل في هذا الطريق لأن السياسة غلبت ميوله الإعلامية. ومنذ شبابه الأول، كان فيون يكن إعجابا منقطع النظير للجنرال شارل ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة وبطل تحرير فرنسا.

البداية السياسية
في عام 1976 بدأ فيون أولى خطواته السياسية ملتحقا بنائب المنطقة جويل لوتول، الذي ورث عنه لاحقا دائرته الانتخابية بعدما كان قد انضم إلى حزب التجمع من أجل الجمهورية الذي أسسه الرئيس السابق جاك شيراك وأراده «تجسيدا» للديغولية الحديثة. وبعد أن شغل مناصب مختلفة في الدوائر الوزارية، تنقل فيون بداية في مناصب محلية قبل أن ينتخب نائبا عام 1981 - أي عام وصول الاشتراكيين إلى السلطة مع الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران - وبذلك أصبح فيون الذي دخل الجمعية الوطنية في سن السابعة والعشرين من العمر، أصغر نائب في الندوة البرلمانية في تلك الفترة.
كان فيون أحد الوجوه الواعدة في الجمعية الوطنية. وفي السنوات التالية، أعيد انتخابه نائبا من غير انقطاع وتولى رئاسة لجنة الدفاع، حيث أصبح خبيرا في المسائل العسكرية والدفاعية كما انتمى إلى مجموعة من «المجددين» الذين تحلقوا حول الوزير السابق فيليب سيغان. وهذا الأخير كان الشخصية التي تعلق بها فيون بسبب تركيزها على المسائل السيادية وتبينها ما يسمى «الديغولية الاجتماعية» أي سياسة اليميني التي تعير الشأن الاجتماعي أولوية في تناولها السياسة.
وشيئا فشيئا، تجذر وجود فيون في دائرته النيابية وفي مدينة سابليه سور سارت، حيث انتخب رئيسا لبلديتها من غير انقطاع، لا، بل إنه في عام 1988 وفي عام 1993 انتخب نائبا منذ الدورة الأولى. إلا أن صعوده السياسي توقف في عام 1990 عندما وقف بوجه بقاء شيراك رئيسا لحزب التجمع من أجل الجمهورية وبقاء آلان جوبيه أمينا عاما له. ومن ذلك التاريخ، يتواصل التنافس بين الرجلين اللذين تواجها في موضوع التصديق على «معاهدة ماستريخت» التي عارضها سيغان وفيون؛ لأنها تتعارض مع رؤيتهما للاتحاد الأوروبي ولرفضهما العملة الموحدة «اليورو».

العودة إلى الأضواء
لم يعد فيون إلى الواجهة إلا مع وصول اليمين إلى الحكم حين عينه إدوار بالادور، رئيس الحكومة وقتها، وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي. وعند انتخاب شيراك رئيسا للجمهورية عام 1995 وتعيين جوبيه رئيسا للحكومة، اختير فيون وزيرا للإعلام والاتصال رغم وقوفه إلى جانب منافس شيراك على الرئاسة. وأعيد تعيينه وزيرا في حكومة جوبيه الثانية وبقي وزيرا حتى عام 1997. ولاحقا شارك فيون في بلورة برنامج شيراك للانتخابات الرئاسية التي فاز بها للمرة الثانية في عام 2002.
وخلال الحكومتين المتعاقبتين لرئيس الوزراء جان بيار رافاران، شغل فيون مناصب وزراية متعاقبة إذ أصبح وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية حيث ترك قانونا يحمل اسمه، خاصا بتنظيم العمل وتليين قانون الـ35 ساعة (مدة العمل الأسبوعي القانونية) الذي صاغته الحكومة الاشتراكية السابقة. وعمد في عام 2003 إلى طرح مشروع قانون يرفع فيه سن التقاعد. لكنه في العام الذي تلاه أصيب بأول انتكاسة انتخابية.
وعندما عين دومينيك دو فيلبان رئيسا للحكومة، عمد الأخير بالتفاهم مع شيراك إلى إبعاد فيون عن الوزارة، ما خلق عداوة بين الرجلين ودفع فيون للالتحاق بنيكولا ساركوزي، حيث أصبح مديرا لحملته الانتخابية. وفي عام 2007، أصبح ساركوزي رئيسا للجمهورية وسارع إلى تعيين فيون رئيسا للحكومة. وبقي الأخير في منصبه طيلة خمس سنوات من غير انقطاع.

علاقته بساركوزي
على الرغم من طول رئاسة فيون للحكومة، فإنه لم يكن يشعر بالسعادة في عمله بسبب أطباع ساركوزي من جهة، وبسبب ميله للهيمنة على كل أعمال الحكومة وتدخله في كل شاردة وواردة. ومع هزيمته في انتخابات عام 2012، سعى فيون للتحرر من قبضته فحاول الوصول إلى رئاسة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، الذي تحول لاحقا إلى حزب «الجمهوريون» لكنه فشل في مشروعه. ثم عمد إلى الانتقال من دائرته النيابية التقليدية إلى باريس حيث انتخب نائبا عن الدائرة السابعة التي تتميز ببرجوازيتها.
وشيئا فشيئا، أخذ يبني مشروعه الرئاسي وعمد إلى إعلان ترشحه للفوز بتأييد حزبه رغم وجود ساركوزي على رأسه. وطيلة أشهر لا تنتهي كان فيون الحاضر - الغائب. وخلال الحملة التمهيدية، فشل في فرض نفسه ومشروعه وبقي يجر موقعه خلف ساركوزيه وجوبيه إلى أن كانت مفاجأة الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية التي «سحق» فيها منافسيه الرئيسيين بحصوله على 44 في المائة من الأصوات، وها هو يتأهب لأن يكون المرشح الرسمي لليمين ويمين الوسط، لا بل إنه أصبح على أبواب قصر الإليزيه إلا إذا حصلت مفاجأة ما ليست اليوم في الحسبان.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».