وورن بايتي الساخر السياسي يطل من جديد

علاقة حب كسرت قواعد هوارد هيوز الصارمة

وورن بايتي كما يظهر في «القواعد غير مطبقة» - ليلي كولينز تؤدي البطولة النسائية في «القواعد غير مطبقة».
وورن بايتي كما يظهر في «القواعد غير مطبقة» - ليلي كولينز تؤدي البطولة النسائية في «القواعد غير مطبقة».
TT

وورن بايتي الساخر السياسي يطل من جديد

وورن بايتي كما يظهر في «القواعد غير مطبقة» - ليلي كولينز تؤدي البطولة النسائية في «القواعد غير مطبقة».
وورن بايتي كما يظهر في «القواعد غير مطبقة» - ليلي كولينز تؤدي البطولة النسائية في «القواعد غير مطبقة».

بين المشهد الذي وقف فيه وورن بايتي على منصّـة الأوسكار يسأل كلينت إيستوود وجاك نيكولسون «كيف تفعلانها؟» وتوقيت فيلمه الجديد «القوانين لا تطبّـق» 16 سنة.
بين هذا الفيلم وآخر أعماله السينمائية السابقة 18 سنة.
المشهد الأول جرى في حفل تتويج بايتي بأوسكار إرفينغ ج. تالبيرغ الشرفية. تساءل الممثل - المخرج علنًا وهو ينظر من المنصّة إلى حيث جلس كل من الممثلين الآخرين اللذين لا يتوقفا عن العمل متسائلاً كيف يمكن لهما ذلك. كان رد فعل جاك نيكولسون، المتوقف عن العمل الآن منذ عام 2010 عندما ظهر في الفيلم الكوميدي «كيف تعلم»، «المال» قالها بالإشارة وهو يضحك.
الآن يعود وورن بايتي (79 سنة) بفيلم جديد عنوانه «قواعد غير مطبقة» (Rules Don‪›‬t Apply) كان وعد بتحقيقه منذ ذلك الحين واشتغل عليه فعلاً لسنوات طويلة. جزء من المشكلة هي أنه لم يعد الفتى الأول الذي يستطيع باتصال واحد إيجاد المموّل المطلوب، أو إبرام عقد ما. على عكس إيستوود، الذي لا يزال اسمًا رنانًا ومطلوبًا، بايتي عليه أن يكتب ويعيد الكتابة ويعرض ثم يعرض من جديد إلى أن يجد مستثمرًا واحدًا على الأقل يؤمن بالمشروع مثله وهذا يتطلب وقتًا طويلاً.

إشارة لامعة
إلى أن استقر بايتي على اختيار هذا الفيلم سنة 2010 وانكب على كتابة السيناريو الذي أنهاه في منتصف سنة 2011 كان السؤال الحائر الذي أطلقه ما زال بلا جواب. بعد عامين من إنجاز السيناريو بوشر الإعداد للتصوير وفي الخامس والعشرين من فبراير (شباط) 2014 بوشر التصوير الذي انتهى في مطلع يوليو (تموز) في العام ذاته. المشروع دخل مرحلة ما بعد التصوير وانتهى العمل عليه وبات جاهزًا في الثالث عشر من مارس (آذار) هذه السنة.
توقيت إطلاقه اليوم يعود إلى الرغبة في دخول سباق الغولدن غلوبس والأوسكار، الجائزتان السنويتان الأكثر أهمية في عالم السينما من بين المؤسسات والجمعيات السينمائية. لكن في حين أن الفيلم نجح في الحصول على استحسان النقاد في الصحف الأميركية الرئيسة، لم ينجح تجاريًا. صحيح أن الإقبال التجاري ليس معيارًا فنيًا يحدد قدرة الفيلم على المنافسة على الجوائز التي ستعلن مع مطلع الشهر المقبل وحتى منتصف فبراير في العام المقبل، إلا أنه إشارة ذات مغزى لمدى اكتراث الجمهور لفيلم جديد من إخراج وتمثيل بايتي.
بنى المخرج حكايته على ثلاثة: ممثلة شابة هي ليلي كولينز وممثل شاب (ألدن إرنريتش) يتقدمان جنبًا إلى جنب وورن بايتي في بطولة هذا الفيلم. الحكاية من ملفات هوليوود غير الرسمية تقع أحداثها سنة 1958 مع وصول ملكة جمال في بلدتها اسمها مارلا (كولينز) إلى هوليوود لتوقيع عقد عمل مع المنتج الأسطوري هوارد هيوز (بايتي). الاستوديو أرسل لها سائقًا اسمه فرانك (إرنريتش) لينقلها من المطار. فرانك ومارلا يقعان في الحب من النظرة الأولى. هناك تعقيدات عاطفية ودينية (مارلا تنتمي إلى الكنيسة المعمدانية ونذرت نفسها أن تبقى عذراء وفرانك مرتبط بامرأة أخرى) إضافة إلى أن حبهما يخترق قانونًا فرضه هيوز على كل العاملين في مؤسسته وهو تحريم أي علاقة بين الممثلين والموظفين أو العكس.
هذا قريب من فيلم وودي ألن الأخير «كافيه سوسيَتي»، هناك فوارق عدّة لكن الأهم بينها أن فيلم وورن بايتي يدور حول هوليوود بوصفها حافزا لتحقيق الحلم الأميركي الكبير. في حين أن فيلم ألن اكتفى، وقد وقعت أحداثه في فترة مشابهة، بسرد حكاية الحب وحدها.

قوانين هوارد هيوز
في الوقت ذاته، فإن «قواعد غير مطبقة» عمل ساخر كحال فيلم بايتي الأخير «بولوورث». في ذلك الفيلم سخر من السياسة الخارجية والداخلية عبر حكاية سياسي فاسد يطلب من وكالة تعيين من يقوم بقتله. لكن صحوة الضمير تنتابه فيقرر كشف عورات السياسيين المحليين ولماذا لا يوجد معبّـر فعلي عن الطبقات الوسطى والعاملة وما دون (لأنهم ببساطة لا يموّلون الحملات الانتخابية) وكيف تعمل السياسة الخارجية بمقتضى الفوائد والمصالح الاقتصادية التي تبرر لها، من بين عوامل أخرى، دخول الحروب. حينها لم يكن غزو العراق بعيدًا عن البال والفيلم أوصل رسالته كوميديًا وغنائيًا ودراميًا.
مع أن الفيلم الجديد، على صعيد اختيار القالب الشكلي، ليس من النوع ذاته، إلا أنه يسخر من هوارد هيوز كما يحلو له. هيوز كان شخصية مطروقة في أكثر من فيلم آخرها، على مستوى الإنتاجات الرئيسية، فيلم مارتن سكورسزي «الطيار» (2004).
مرّة أخرى، هذا التشابه لا يعني أن بايتي يسرد الحكاية ذاتها. الفيلم السابق كان سيرة حياة. الفيلم الحالي قصّة كوميدرامية تستعين ببعض الواقع. من بين هذا الواقع، وإمعانًا في السخرية، ما يرد فيه الفيلم من قواعد وضعها هوارد هيوز بهدف التطبيق بلا نقاش:
«تستيقظ الممثلة في البيت الذي تم استئجاره لها في الساعة السابعة صباحًا. عليها أن تأخذ حمامًا وتكون جاهزة لتناول الإفطار في الساعة السابعة والنصف. السيارة (بسائقها الخاص) ستنطلق في الساعة الثامنة بها إلى حيث ستقوم بتمارين الرقص والتمثيل والغناء (إذا ما تطلب الدور)».
وفي قوانينه أيضًا: «على الممثلة أن تقوم بشراء حاجاتها الخاصة مرة واحدة في الأسبوع. في المساء عليها أن تقصد واحدًا من ستة مطاعم عينها الرئيس (هيوز) وممنوع عليها أن تضرب مواعيد غرامية مع أي كان. السائق هو الذي سيصحبها إلى العشاء. وعلى السائق، حين الوصول إلى النتوءات الإسفلتية في الطرق، تقليص سرعته إلى ميلين في الساعة حتى لا يتسبب في ارتجاج الممثلة التي ينقلها».
«القواعد لا تطبّق» فريد من نوعه بوصفه عملا سينمائيا وجيدا في استحواذه على منابر للسخرية في الوقت الذي يعكس فيه حب المخرج لهوليوود الأمس. في الوقت ذاته يعلّق على حالة من العلاقات التي داخلتها قواعد الاشتباك العاطفية التي أصدرها سينمائي كاد أن يصبح إمبراطور عاصمة السينما العالمية.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.