لم تكن الغارة التي نفذها طيران النظام السوري على موقع للجيش التركي في منطقة الباب في الريف الشمالي لمدينة حلب، وأدت إلى مقتل ثلاثة جنود أتراك وجرح آخرين، مجرد رد من النظام على التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، بقدر ما هي رسالة متعددة الأوجه، يقف وراءها حلفاء هذا النظام، مثل روسيا وإيران، مع غض نظر أميركي عنها. إلا أن رسالة كهذه قد تعيد خلط أوراق الميدان، في معركتي الباب والرقة وما بعدهما، خصوصا أن الجيش التركي صنفها بخانة الاعتداء، من دون أن يكشف عن الخطوات التي سيلجأ إليها.
ولا يختلف المراقبون على أن أنقرة لا تتجاهل رسالة مثل هذه، ولا تبقى مكتوفة اليدين تجاهها، وهذا ما أشار إليه قيادي في قوات «درع الفرات»، الذي توقع «ردا تركيًا موجعا على قوات النظام». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الرد التركي «سيكون متوازنًا وموجعًا، لكن لا يمكن لأحد أن يتكهّن بحجمه وأين تختار القيادة التركية هذا الرد». وقال القيادي الذي رفض ذكر اسمه «لن يقف الأتراك مكتوفي الأيدي، ومن تجرأ ورد عسكريًا على خرق روسيا السيادة التركية (إسقاط طائرة روسية اخترقت المجال الجوي التركي أواخر العام الماضي)، لن يعجز اليوم عن الرد على الأسد».
هذا التطور وضعه المحلل العسكري والاستراتيجي السوري عبد الناصر العايد، في سياق «استعراض القوة من قبل الروس والإيرانيين في سوريا، بعدما باتت الساحة السورية مصيدة، الكل يورط فيها الكل، فكما أن الولايات المتحدة ورطت الروس في سوريا، كذلك فعل الروس وورطوا الأتراك».
وأكد العايد لـ«الشرق الأوسط»، أن روسيا وإيران والنظام السوري «يعرفون أن المناخ الدولي يسير بعكس رغبات تركيا، رغم أنها تحارب (داعش) في سوريا، خصوصا أنها اليوم تعمل خارج غطاء حلف الناتو». وقال: «ما نشهده اليوم، هو عبارة عن ضغط على تركيا وابتزاز لها لكي تتراجع، بحجة أن دخولها إلى سوريا غير شرعي»، لافتًا إلى أن الرئيس رجب طيب إردوغان الذي تردد كثيرًا قبل الدخول إلى سوريا «اضطر أخيرًا إلى الدخول بهدف حماية الأمن القومي لبلاده». ولا تبدو الخيارات التركية واسعة برأي العايد الذي أوضح أنه «إذا صعّدت تركيا في سوريا، ستصعّد إيران أيضًا؛ لذلك أعتقد أن الرد التركي سيكون تكتيكيًا وليس استراتيجيًا على مستوى إعلان حرب»، مشيرًا إلى أن «الأميركيين سعداء بهذا التحرش بأنقرة، بسبب التمرّد التركي على الولايات المتحدة الأميركية».
وتنفذ القوات التركية وفصائل سوريا مقاتلة مدعومة من أنقرة عملية عسكرية واسعة في شمال سوريا، تمكنت خلالها من إبعاد تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد عن المناطق المحاذية لحدودها، ووصلت إلى قرب مدينة الباب، أحد أبرز معاقل التنظيم في ريف حلب.
أما عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة المحامي ياسر الفرحان، فاعتبر أن قصف النظام للموقع التركي «يحمل رسالة من بشار الأسد، للإيحاء بأن لديه سيادة وأنه يمثل الشرعية في سوريا، وهذا غير صحيح». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن تركيا «لديها صداقة حقيقية مع الشعب السوري، ويحاول الأسد ضرب هذه الصداقة». وقال: «لا شك أن تركيا لديها الكثير من الأوراق في سوريا، بدءًا من ورقة النظام إلى ورقة (داعش) وانتهاء بورقة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يستخدمه النظام للضغط على دول المنطقة بما فيها تركيا».
ورأى الفرحان أن «تحرير قوات (درع الفرات) بدعم من تركيا لمناطق واسعة في شمال سوريا، وعودة المدنيين إلى مناطقهم التي هجروا منها، يسقط حجة النظام بمحاربة الإرهاب، ويدفعه إلى محاولة خلط الأوراق وتعقيد المشهد أكثر مما هو معقد الآن».
قصف الموقع العسكري التركي يحمل رسالة روسية إيرانية تخلط أوراق الميدان
محلل عسكري سوري: الساحة السورية باتت مصيدة للجميع
قصف الموقع العسكري التركي يحمل رسالة روسية إيرانية تخلط أوراق الميدان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة