رئيس الحكومة المكلف يقفز فوق أزماته ويتصدر زعامة السنّة في لبنان

رئيس الحكومة المكلف يقفز فوق أزماته ويتصدر زعامة السنّة في لبنان
TT

رئيس الحكومة المكلف يقفز فوق أزماته ويتصدر زعامة السنّة في لبنان

رئيس الحكومة المكلف يقفز فوق أزماته ويتصدر زعامة السنّة في لبنان

رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري (46 سنة) في لبنان، هو الوريث السياسي لرئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في عام 2005، مما دفع به إلى الواجهة السياسية قادمًا من عالم الأعمال. ولقد سطع نجمه في عام 2005، زعيمًا سياسيًا، بعدما قاد فريق «قوى 14 آذار» المعادي لسوريا إلى فوز كبير في البرلمان. ويومذاك، ساعده في ذلك التعاطف معه بعد اغتيال والده في تفجير مروّع بوسط بيروت، والضغط الشعبي الذي تلاه، والذي ساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو 30 سنة من وجوده فيه. وقد أحدث ذلك الاغتيال في حينه انقلابا في المشهد السياسي اللبناني الذي كانت دمشق اللاعب الأكثر نفوذًا فيه على مدى عقود.
وهذه هي المرة الثانية التي يتولى فيها الحريري الابن رئاسة الحكومة اللبنانية. وكانت المرة الأولى بين عامي 2009 و2011، حين ترأس حكومة وحدة وطنية ضمت معظم الأطراف اللبنانيين، وأسقطها حزب الله وحلفاؤه، وعلى رأسهم ميشال عون، بسحب وزرائهم منها.
وتكمن المفارقة اليوم في أن الحريري يعود رئيسًا للحكومة، بناء على تسوية اتفق عليها مع ميشال عون الذي انتخب رئيسًا للجمهورية، الاثنين، إنما بحصوله على 112 صوتًا من أصل 126 نائبا، في حين كان عون قد فاز بـ83 صوتًا، بعد امتناع «حزب الله» وحليفه «حزب البعث».
لم يعمل سعد الحريري في السياسة بتاتا خلال حياة والده، وسمّته العائلة لخلافته في العمل السياسي بسبب «دبلوماسيته»، بحسب مقربين. وتتسم إطلالة الحريري الإعلامية غالبًا بالهدوء والابتعاد عن التجريح الشخصي. لكنه تعلم كذلك على مدى السنوات الماضية كيف يصبح خطيبًا يحرك الحماسة بين أنصاره، بعدما انتقده معارضوه كثيرا لمحدودية قدرته على التعبير بشكل جيد باللغة العربية.
من جهة ثانية، على الرغم من القاعدة الشعبية العريضة التي انطلق منها سعد الحريري، فإنه لم يحقق كثيرا في مشواره السياسي بسبب عمق الانقسامات في لبنان، بل اتسمت مسيرته بكثير من التنازلات، مما عرضه لانتقادات كثيرة حتى داخل فريقه السياسي وشارعه. وهو يبرّر هذا الأمر بأنه يعلي المصلحة اللبنانية على مصلحته الشخصية، ويردد قولا لوالده: «لا أحد أكبر من وطنه». وذلك أنه خاض مواجهات سياسية كثيرة مع دمشق وحزب الله، لكنه اضطر مرارا إلى التنازل لهذين الخصمين القويين.
والمعروف أن رئيس الحكومة المكلف يتهم النظام السوري بالوقوف وراء اغتيال والده، لكنه اضطر بعد تسلمه رئاسة الحكومة في 2009، وتحت وطأة الضغوط السياسية، إلى القيام بزيارات عدة إلى دمشق، وصولا إلى إعلانه في أغسطس (آب) 2011 أن اتهامه لسوريا كان «سياسيًا». كذلك أعلن مرارا أنه لن يقبل بحكومات «وفاق وطني» يعرقل فيها حزب الله اتخاذ القرارات، قبل أن يشارك «تيار المستقبل» الذي يتزعمه في الحكومات المتتالية. ورفض وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بشدة على مدى سنوات، قبل أن يعمد إلى ترشيحه بنفسه في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضامنًا له أكثرية نيابية أوصلته بعد 10 أيام إلى الرئاسة.
في المقابل، نجح الحريري في التغلب على حزب الله مرة ثانية في الانتخابات النيابية في عام 2009، ولم تجرِ انتخابات منذ ذلك الوقت. ولم يخضع للضغوط التي تعرض لها من الحزب الشيعي خلال ترؤسه الحكومة، للتنصل من المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في جريمة اغتيال والده، مع توجيه اتهامات إلى عناصر من حزب الله بالمشاركة في عملية الاغتيال. ولقد أنشئت المحكمة الخاصة بلبنان في 2009، لكن حزب الله رفض أي تعاون معها، معتبرا أنها «أداة إسرائيلية أميركية لاستهدافه»، ورفض تسليمها المتهمين الذين صدرت بحقهم في عام 2011 مذكرات توقيف دولية، نافيا أي علاقة له بالاعتداء.
عاش سعد الحريري بين عامي 2005 و2007 لفترات طويلة خارج لبنان، في مرحلة كانت تشهد اغتيالات استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية مؤيدة لخطه السياسي. وبعد إسقاط حكومته في 2011، تصاعد التوتر بينه وبين حزب الله، على خلفية تدخل الأخير في سوريا، وقتاله إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد. ورغم دعمه لعون، أكد الحريري أخيرا أن موقفه من حزب الله لم يتغير، وأنه سيبقى رافضا لتورطه في القتال إلى جانب «نظام قاتل»، بحسب قوله. وكان قد أمضى مجددا معظم السنوات الماضية خارج البلاد «لأسباب أمنية».
ولد سعد الحريري في 18 أبريل (نيسان) 1970، ويحمل درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة جورج تاون في واشنطن، وهو متزوج من لارا بشير العظم التي تنتمي إلى عائلة سورية عريقة شاركت في السلطة في سوريا خلال الخمسينات، ووالد لثلاثة أولاد؛ حسام وعبد العزيز ولولوة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.