قراءة في تطور خطط «داعش ليبيا»

ظهور تحالفات مع جماعات إرهابية أفريقية أخرى

تنظيم {داعش} أجبر على الانسحاب من مدينة درنة الليبية لكنهم استطاعوا السيطرة على مناطق أخرى في الهلال النفطي في الشهور الأخيرة (رويترز)
تنظيم {داعش} أجبر على الانسحاب من مدينة درنة الليبية لكنهم استطاعوا السيطرة على مناطق أخرى في الهلال النفطي في الشهور الأخيرة (رويترز)
TT

قراءة في تطور خطط «داعش ليبيا»

تنظيم {داعش} أجبر على الانسحاب من مدينة درنة الليبية لكنهم استطاعوا السيطرة على مناطق أخرى في الهلال النفطي في الشهور الأخيرة (رويترز)
تنظيم {داعش} أجبر على الانسحاب من مدينة درنة الليبية لكنهم استطاعوا السيطرة على مناطق أخرى في الهلال النفطي في الشهور الأخيرة (رويترز)

تشير دلائل كثيرة إلى تكثيف نشاط تنظيم داعش الإرهابي المتطرف في ليبيا، وانتقال عدد من قياداته ممن كانوا في السابق في العراق وسوريا إلى ليبيا. أحد أبرز التحذيرات فيما يخص نشاط تنظيم داعش كان تحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال اجتماع عقده في مقر «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (سي آي إيه) مع مستشاريه في مجال الأمن القومي في أبريل (نيسان) 2016. يومذاك أشار أوباما إلى حملة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» في كل من العراق وسوريا، وقال خلال الاجتماع إن التنظيم في «وضع دفاعي» بعدما تقلّصت رقعة الأراضي التي كان يسيطر عليها وضرب كبار قادته، وهو ما أدى إلى ارتفاع في عدد مقاتلي «داعش» المتجهين إلى ليبيا. واعتبر أن هذا الواقع يستلزم أهمية التركيز على محاربة «داعش» في ليبيا أيضًا خلال المرحلة المقبلة.

رسائل تبرز دور المقاتلين العرب
يظهر التوجّه الاستراتيجي لـ«داعش» في إنتاج رسائل إعلامية تستهدف إظهار التحول العسكري والتركيز على مناطق في ليبيا سيطر عليها التنظيم منها مدينة سرت، وانتقال عدد كبير من قادة «داعش» من جنسيات مختلفة - سواء كانوا في السابق في العراق أو سوريا - إلى ليبيا، أحد أبرزهم «أبو نبيل الأنباري» العراقي الجنسية الذي كان أميرًا لمحافظة صلاح الدين في العراق. كذلك انتقل إلى ليبيا «أبو البراء الأزدي»، وهو رجل دين متشدّد يمني الجنسية، إثر أوامر من زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي» بالانتقال هناك وتعيينه واليًا على ولاية برقة في شرق ليبيا.
وكجزء من الخطة الإعلامية ظهرت خطابات وتوجيهات من قادة ودعاة دين داعشيين بخصوص الانضمام إلى «داعش ليبيا». وبثت إذاعة سرت المحلية في فبراير (شباط) 2016، بعد تمكن «داعش» من السيطرة عليها خطبًا ودروسًا للقيادي تركي البنعلي، أحد أبرز قادة «داعش» الذي أسقطت عنه الجنسية البحرينية في يناير (كانون الثاني) 2013. ولقد دعا البنعلي الليبيين إلى ضرورة «الانقياد لأوامر الشرع بمبايعة خليفة المسلمين»، وحذّر من «الموت ميتة الجاهلية» في حال عدم انضوائهم تحت راية الخلافة «الداعشية». ومن جهة أخرى، انتقل أحد قادة التنظيم في ليبيا وهو السعودي «أبو علي الجزراوي» إلى صفوف التنظيم بسرت برفقة قادة آخرين، وقام بدعوة من أطلق عليهم لقب «إخوة التوحيد في الجزيرة العربية وتونس ومصر والسودان، وكل الغيورين على دين الله إلى النفير في سبيل الله».
وراهنًا، يواصل التنظيم المتطرف توظيف القتل والوحشية بهدف زرع الذعر في نفوس الآخرين. وكانت من أبشع الجرائم الفظيعة التي ارتكبها «داعش ليبيا» وعمل على نشر صورها، نحره 21 مصريًا من الأقباط العاملين في ليبيا بأسلوب وحشي، الغاية منه بث الذعر ونشر رسالة عالمية، خصوصًا أنه نشر مقطع لبث مرئي لعملية القتل باللغة الإنجليزية.
ومن ثم كثف «داعش» الرسائل التي تسلّط الضوء على دور العرب والأفارقة، وخصوصًا، من التونسيين في التنظيم، إما من باب بث الذعر للآخرين من وفرة وجود المتطرفين من جنسيات مختلفة من جهة، أو من أجل استقطاب هذه الجنسيات للانضمام إلى التنظيم من جهة أخرى. ومن أبرز طرق تسليط الضوء الرسائل عبر حسابات تابعة لما يُعرف بـ«ولاية برقة الليبية»، ونشر صور للقتلى منهم من أطلق عليهم «شهداء على ثرى برقة». وشاع ربط الكنية التي تم اختيارها بالدولة أو المنطقة التي ينتمي إليها، مما يدل على قوة الرسائل الإعلامية التي يستخدمها التنظيم ومحاولته إبراز دور المقاتلين العرب، وتنحصر الأعداد الأكبر ما بين تونس والسودان وأفارقة جنوب الصحراء، التي كثفت حضورها ومساندتها لتنظيم داعش ليبيا. من ناحية ثانية يحرص «داعش» على توجيه عدد من الرسائل التي تتوعد دولاً أخرى مجاورة كالتهديد بمهاجمة تونس من شمالها إلى جنوبها. ومن أبرز تلك التهديدات مقطع فيديو ظهر فيه الانتحاري «أبو طلحة التونسي» وهو يتحدث بانتشاء وبأسلوب غير متّزن، ويشير فيه إلى المتفجرات في السيارة، وتخطيطه للعملية الانتحارية في مدينة بنغازي الليبية، وفي الوقت نفسه يتوعّد فيه تونس «بالمجيء بالذبح والتفجير من برج الخضر إلى بنزرت».

التسلل وطفرة الإرهابيين العرب
وحول تونس، يلاحظ أنه برز دور المقاتلين التونسيين بشكل خاص في الآونة الأخيرة، سواء من خلال أعداد المنضمين إلى «داعش»، أو عبر منفذي العمليات العسكرية لهم، التي تتدرج بدءًا بعمليات انتحارية وصعودًا إلى مناصب قيادية في التنظيم. ويتعارض هذا مع الجهود التي تبذلها السلطات التونسية في منع تسلل المقاتلين المتطرفين عبر الحدود من وإلى تونس، إذ تواجه الحكومات صعوبة في السيطرة، بالأخص، في المناطق الحدودية. وهو الأمر الذي حدا بالسلطات التونسية إلى بناء جدار وخندق على امتداد الحدود مع ليبيا بارتفاع يصل إلى 170 كيلومترًا. وتبعت الجزائر أخيرًا النسق ذاته في بناء جدار عازل على حدودها مع ليبيا لحماية أراضيها من تسلل المقاتلين المتطرفين.
وللعلم، تعد حادثة تفجير سيارة مفخخة في أحد معسكرات تدريب خفر السواحل في مدينة زليتن الليبية في مطلع 2016، التي أدت إلى مقتل 70 شخصًا وإصابة مائة آخرين واكتشاف جنسية منفذها (أبو يقين التونسي)، سببًا ترافق مع ظهور أدلة وشواهد كثيرة على ازدياد عدد المقاتلين التونسيين في ليبيا، مما أدى إلى تصاعد المطالبات الليبية بترحيل التونسيين العاملين في ليبيا.
وحقًا، هناك عدد كبير من الهجمات الإرهابية الأخرى التي سلطت الضوء على جنسيات المتورطين بها. وفي مطلع عام 2015، نشر المركز الإعلامي لما يسمى بـ«ولاية طرابلس» في «داعش» ليبيا بيانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عقب تنفيذ عملية الاعتداء فندق كورينثيا في العاصمة الليبية طرابلس. ونسب البيان العملية إلى كل من «أبو إبراهيم التونسي» و«أبو سليمان السوداني»، وكان اقتحم خلالها مسلحون الفندق، وأطلقوا الرصاص عشوائيًا على الموجودين بداخله، مما تسبب بمقتل 11 شخصًا منهم خمسة أجانب بينهم أميركي وفرنسية وكورية وسيدتان فلبينيتان.
ويتشارك القادمون من السودان مع داعشيي تونس في تنفيذ عمليات انتحارية تستهدف مناطق حساسة كنقاط التفتيش أو أماكن مكتظة بالأجانب. ولقد تصاعدت اتهامات من قبل الجيش الليبي في أكثر من مناسبة بأن السلطات السودانية متساهلة مع من يرغب في عبور الحدود والانضمام إلى التنظيمات المتطرفة. ويسهل الوصول إلى الأراضي الليبية من خلال المناطق الصحراوية المفتوحة على المناطق الشرقية من ليبيا.
ووفق التقارير، تزايد عدد السودانيين الذين ينتمون للتنظيمات الإرهابية في الآونة الأخيرة، ولكن تضاربت المعلومات حول أعدادهم في ليبيا. فحسب السلطات السودانية لا يتجاوز عددهم المائة، بينما ذكر «المركز الليبي لدراسة الإرهاب» أن أعدادهم في عام 2016 وصلت إلى 455 مقاتلاً. وحسب التقارير شاع وجود تغلغل لـ«داعش» ما بين صفوف الطلبة في الجامعات السودانية ما سهّل من عملية استقطاب الشباب السوداني. ذلك إلى جانب المتطرفين السودانيين الذين كانوا في السابق ينتمون لتنظيمات متطرفة أخرى موالية لـ«القاعدة» - سواء «القاعدة في مالي» أو تنظيم «بلاد المغرب الإسلامي» - ومن ثم إما تخلوا عن بيعتهم أو أصبح هناك تعاون ما بين تنظيمهم و«داعش». وأحد أبرز الأمثلة على ذلك الشاب «أبو زيد محمد حمزة» نجل الشيخ «أبو زيد حمزة» زعيم أنصار السنّة المحمدية في السودان، الذي انضم في عام 2012 إلى التنظيمات المتطرفة في مالي، ومن ثم انتقل إلى القتال في ليبيا.
أضف إلى ما سبق تزايد أعداد أفارقة جنوب الصحراء في «داعش ليبيا»، ويأتي هؤلاء من دول متعددة، منها مالي والنيجر وتشاد ونيجيريا وموريتانيا. ويعد غالبية هؤلاء الأفارقة المنتمين إلى «داعش ليبيا» من أولئك الذين إما بايعوا تنظيم «بوكو حرام» المتطرف في نيجيريا أو «جماعة أنصار الدين» المتطرفة شمال مالي. ويظهر وجود تعاون ما بين تنظيمي «بوكو حرام» و«داعش»، بل وإرسال «بوكو حرام» مقاتلين إلى ليبيا وتعاون «داعش» معهم منذ عام 2015. ولقد حذر نائب وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن من خطورة تعاون التنظيمين، وذكر أن أبرز نتائج ذلك التعاون أن رسائل «بوكو حرام» باتت أكثر وضوحًا، إضافة إلى قدرتها على التواصل مع الآخرين، مما يؤكد وجود علاقة بين التنظيمين، وإن لم تتضح الصورة بعد في ذلك.

نساء في العمليات المساندة
على صعيد آخر، لا يتوانى تنظيم داعش عن محاولة استغلال كل الكوادر البشرية التي من الممكن الحصول عليها لتعزيز قوته العسكرية، سواء عبر تجنيد المقاتلين من المتطرفين العرب والأفارقة، أو حتى الاستعانة بالنساء اللاتي من الأسهل لهن الانتقال من مكان لآخر دون الاشتباه بهن. وعلى الرغم من عدم وجود دور رئيسي للنساء في «داعش ليبيا»، فإنه يظهر توجه جديد لتوظيفهن كجزء من استراتيجيته للبقاء من خلال استقطابهن وتشكيل كتائب نسائية تشكل اليوم 3 في المائة من عناصره. ولا تنحصر النساء المنضمات لـ«داعش ليبيا» على الجنسية الليبية، إذ هناك قادمات من تونس والجزائر والسودان وتشاد ومالي ودول أفريقية أخرى. وإن تم حصر وظائف النساء بعيدًا عن العمل العسكري لـ«داعش ليبيا»، واقتصاره على دور مساند تثقيفي، سواء عبر تنظيم حلقات دينية وتدريس، أو عبر مهام استخباراتية لتجميع معلومات حول الأشخاص والأماكن. وهذا أشبه بتوجه براغماتي قد يتطور إلى تجنيد النساء عسكريًا في حال ظهرت الحاجة، لذلك إن قل عدد المقاتلين في التنظيم.
انتقال تنظيم داعش إلى مناطق جغرافية جديدة مثل ليبيا، إثر تلقي الضربات العسكرية التي أضعفته في كل من سوريا والعراق، يزيد من التساؤل عن مدى نجاح التخطيط العسكري الأميركي الأوروبي الذي استهدف التنظيم، إذ بإمكان التنظيم مرة أخرى الانتقال إلى بلد آخر يعاني من اضطرابات سياسية وهشاشة أمنية مما يعكس توقعات تشاؤمية لمستقبل أكثر دموية. وهذا ما أشار إليه عدد من السياسيين؛ كتحذير وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان في سبتمبر (أيلول) الفائت من خطر انتقال عناصر تنظيم داعش ليبيا، إذا ما تم تضييق الخناق عليهم فيها إلى كل من تونس ومصر. وبالفعل، فإذا ما جرى تضييق الخناق على ليبيا، فإن هناك احتمال الانتقال إلى تونس ومناطق أخرى تحوي طفرة في عدد المتطرفين وإمكانية الاستجابة لإرهاب «داعش»، الأمر الذي يجعل هناك داعيًا للتركيز على اجتثاث الفكر المتطرف وتحصين المجتمعات، وبالأخص، فئة الشباب منها من الفكر المتطرف المؤدي إلى العنف السياسي.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.