كيف نقرأ الآخر وأي المواقف نتخذ؟

أي رؤية جادة لا يمكن أن تختزل العلاقة في {إما الإيجابي أو السلبي}

حنة أرنت
حنة أرنت
TT

كيف نقرأ الآخر وأي المواقف نتخذ؟

حنة أرنت
حنة أرنت

أرسل لي أحد الأصدقاء تعليقًا على مقالة نشرتها هنا مؤخرًا حول المفكرة الألمانية حنة أرنت يتضمن نقدًا لتوجه المقالة نحو الكشف عن جوانب تعد سلبية في التاريخ الفكري لتلك المفكرة الشهيرة. ولأن ناقدي من الأصدقاء العميقي الثقافة، الواسعي الاطلاع، ولأن نقده يتصل بمقالات أخرى تسير في الاتجاه نفسه فقد وجدت نقده مثيرًا لمسألة جوهرية سبق أن تناولتها لكن بشكل عرضي. قال الصديق إن مقالة عن تناقضات أرنت ومواقفها السلبية ليست مما يحتاجه القارئ العربي الذي ينبغي، بدلاً من ذلك، أن يطلع على الجوانب المضيئة في منجز المفكرة الألمانية كما في كتابها حول «حالة الإنسان المعاصر». ولا شك أن الملاحظة لا تنسحب على أرنت وحدها وإنما أيضًا على مفكرين آخرين بل على مجمل المنهج في تناول الفكر الغربي.
هو نقد وجيه دون شك لأنه يتأسس على رؤية له ما يسندها في حياتنا الثقافية وما تسعى إليه مجتمعاتنا، أو يجب أن تسعى إليه في تقديري كما في تقدير الصديق الذي انتقدني. هي في حقيقة الأمر وجهة نظر شريحة كبيرة من المثقفين العرب وتنطلق من سؤال أساسي تواجهه الثقافة العربية المعاصرة وأظنه كان أحد أسئلة النهضة العربية الحديثة على مدى قرن ونيف: إذا كان من المتفق عليه أن التوازن مطلوب في أي موقف حضاري تجاه الآخر، وهو هنا الغرب بطبيعة الحال، فهل الأجدى أن نكون في المقام الأول منتقدين أم معجبين، أن نبرز المنجزات أم نتحدث عن الأخطاء والسقطات؟ هل الثقافة العربية والقارئ العربي بحاجة لاكتشاف الغرب من حيث هو يقود الإنسانية اليوم في مختلف أوجه التحضر (العلمي والفكري، الخ.) أم قراءته من حيث هو غرب استعماري يسعى للهيمنة واحتواء الثقافات الأخرى؟
هذه الأسئلة، مهما حاولنا أن نخفف من ثنائياتها وتبسيطها للأمور بأن نذكر بأهمية التوازن، فإنها ستظل ثنائية وتبسيطية، أي إنها ستختزل قضية شائكة ومركبة في إما هذا أو ذاك، وهو ما لا يصدق على أي تناول معمق ومسؤول لقضايا كبرى كقضية الموقف من الآخر. ذلك أن المساحة الرمادية واسعة في ظني ومن غير الممكن لأي رؤية جادة أن تختزل العلاقة بالآخر في إما الإيجابي أو السلبي، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما أراه أسوأ أثرًا من الموقف الاختزالي، وأقصد به الموقف التوفيقي: نأخذ الأصلح ونترك الأسوأ. ليس أشد سذاجة من هذا الموقف الذي يتأسس على الظن بأن العلاقات الحضارية بتشابكاتها الهائلة يمكن أن تتحول إلى مائدة (بوفيه) ننتقي منه ما نشاء ونترك ما نشاء، نأخذ المفيد وتترك الضار.
النقد الذي وجهه إلى الصديق المشار إليه أبعد ما يكون عن هذه الرؤية التبسيطية للأشياء، وإنما هو ينطلق من إحساس بالمسؤولية: هل القارئ العربي بحاجة إلى تعريفه بحنة أرنت أو أي مفكر آخر في جوانبه السلبية أم في جوانبه المضيئة؟ لا خلاف لدى المنتقد على وجود الجانبين، لكن أيهما أولى بالاهتمام؟ هنا بيت القصيد. رأيي تجاه هذه المسألة كما يلي:
أولاً: يجب إقرار مبدأ أن المستحيل النظر إلى مسألة فكرية، بل إلى أي مسألة إنسانية، دون تحيز، أي أنه لا موقف محايد. الحياد يعني التعالي على العواطف والميول والخلفيات الفكرية والنفسية وهو ما ليس بمقدور الإنسان. كلنا متحيزون بوعي أو من دون وعي. من هنا كان الأمر أننا عندما نغلب جانبا دون آخر فإننا نتبنى موقفا، هو في الغالب موقف متحيز.
ثانيًا: تأسيسًا على هذا الوعي بالتحيز يكون الأمر أننا في القضية التي نعرضها إما نرى الإيجابي أكثر أو السلبي أكثر، إن كان الموضوع مطروحًا من هذه الزاوية حتى حين نحاول أن نقترب من الإنصاف ما وسعنا ذلك.
ثالثًا: فيما يتصل بالثقافة أو الثقافات الغربية سنواجه السؤال المتعلق بوضع ثقافات نامية إزاء ثقافات حققت قدرًا عاليًا من التراكم والعمق والشمولية وبالقدر الذي يصعب فيه أن تجاريها ثقافة أخرى حاليًا. أي إننا أمام وضع المعلم والتلميذ في أمور لا تحصى من أمور الحياة المعاصرة. ومن هنا يأتي السؤال: هل في وسع التلميذ أن يناقش وينتقد معلمه، أم أن عليه أن يتواضع ويقبل ليس كل وإنما مجمل ما يأتيه؟ لا أظن عاقلاً سيقبل بالوضع الثاني، لكن عدم القبول به لا يحل الإشكال، إذ إن ما يأتي كل متداخل ومن الصعب الفصل فيه بالانتقاء كما يظن التوفيقيون. إن تبنيت آلة أو تقنية ما فستأتيك آثارها الاجتماعية ومنظومتها الاقتصادية، وإن تبنيت نظرية في علم أو مجال ما فستتبنى، وعيت أم لم تع، جذور النظرية الفلسفية التي تتضمن مقولات قد لا تتفق معها، وهكذا.
رابعًا: إن البديل للأخذ السهل والشامل لكل ما يأتي ليس الرفض الساذج أو التوفيقي، وإنما ما يمكن أن نسميه الأخذ الناقد، التفاعل الواعي الذي يقبل بالثقافة المعاصرة، على غربيتها، مدركًا أن الوجبة ستتضمن الفيتامينات والكولسترول معًا، المهم وغير المهم، ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وينطلق من ذلك في عملية تمعن وتفحص وتقويم لا تسعى إلى حالة من النقاء والطهرانية وإنما إلى وضع إنساني صحي وإن كان رماديا وربما ملوثًا أيضًا.
خامسا: الموقف الناقد هو بالضبط ما ينهض عليه الفكر الجاد في العالم ومنه العالم الغربي، فلا يتصور فكر فلسفي أو اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك مما يمكن أن يسمى فكرًا جادًا يغفل عن المشكلات والوجوه القاتمة. بل إن الحضارة الغربية بأكملها كانت وليدة هذه الروح الناقدة ابتداءً باليونانيين. والسبب أنه من دون ذلك لا يمكن تجاوز النقص والأخطاء. وقد حاولت في هذا المكان أن أبرز عددًا من الأصوات المعاصرة والمهمة في هذا الاتجاه (فوكو، باديو، جيجيك، الخ).
سادسًا: يبنى الموقف الحذر تجاه نقد الحضارة الغربية أو الفكر الغربي عادة على أن من السهل توظيف ذلك النقد من قبل فكر متحجر أو متشدد يرفض التفاعل مع الآخر ولا يرى سوى التقنية والعلوم البحتة مجالاً للإفادة الحضارية، وهذا صحيح إلى حد كبير. الفكر المتشدد سيستفيد من الخطاب النقدي لكنه يوظف ما يخدم خطابه فقط، أي إنه لن يرى المسألة من مختلف وجوهها وسيظل في كل الحالات على موقفه المتشدد. ولذا فإن الإحجام عن نقد الحضارة الغربية نقدًا واعيًا مركبًا يسعى لاستيعاب وجوهها المختلفة يعني قطع الطريق على التناول الأحادي سواء أكان ضد تلك الحضارة أم معها. ثم إن النقد في نهاية المطاف لا يعني الكشف عن المشاكل أو المميزات فحسب وإنما يعني التحليل في المقام الأول.
سابعًا وأخيرًا: يبدو أن المكتبة العربية بما فيها من تواريخ وتحليلات وعروض وترجمات نهضت بواجب التعريف بالإيجابي سواء لدى أرنت أم غيرها بحيث تكاد هذه الصورة تطغى على ما عداها وبحيث تنشأ الحاجة إلى نوع من التوازن في قراءة الفكر الغربي. فالشروحات والعروض والملخصات تملأ أرفف المكتبة العربية حين يتصل الأمر بالعلوم والفلسفات والفنون المعاصرة، وهي في المقام الأول غربية المنشأ والتطور.
المنطلق الذي تحركت وأتحرك منه يختلف عن تلك الشروح والملخصات. ففي قراءاتي سواء ما نشر منها هنا أو ما تضمنته كتب سبق لي نشرها مثل «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» أو «الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف» أو «قلق المعرفة» سعيت وأسعى إلى ما حاولت إيجازه في الفقرات السابقة. غير أنها في مجموعها ليست سوى محاولات أحسبها جادة على محدوديتها وما زلت أسعى إلى رفدها بوعي أفضل وتحليل أعمق كلما أمكنني ذلك.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.