سجون «سي آي أيه» حول العالم: أضرار لا يمحوها الزمن

عشرات المعتقلين من خريجي «غوانتانامو» يعانون مشكلات عقلية ونفسية

لطفي بن علي يعيش في كازاخستان ويعاني أمراضا نفسية بسبب أدوات التعذيب الأميركية (نيويورك تايمز)
لطفي بن علي يعيش في كازاخستان ويعاني أمراضا نفسية بسبب أدوات التعذيب الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

سجون «سي آي أيه» حول العالم: أضرار لا يمحوها الزمن

لطفي بن علي يعيش في كازاخستان ويعاني أمراضا نفسية بسبب أدوات التعذيب الأميركية (نيويورك تايمز)
لطفي بن علي يعيش في كازاخستان ويعاني أمراضا نفسية بسبب أدوات التعذيب الأميركية (نيويورك تايمز)

قبل أن تسمح الولايات المتحدة باستخدام أساليب مرعبة لاستجواب المعتقلين، كان محامو الحكومة ومسؤولو الاستخبارات على يقين من أن الوسائل التي يتبعونها مع المشتبهين في قضايا الإرهاب ستكون مؤلمة وصادمة وأنها بعيدة تماما عما سمحت به سلطات بلادهم في أي وقت مضى. إلا أنهم انتهوا إلى أن أيًا من تلك الأساليب لن تترك أثرا نفسيا على المدى البعيد. وبعد خمسة عشر عاما ثبت خطأ اعتقادهم.
اليوم في سلوفاكيا، يصف حسين المرفدي ما يعانيه من صداع دائم ونوم متقطع تتخلله أحلام يرى فيها كلابا في زنزانة معتمة. وفي كازاخستان، تسيطر الكوابيس على لطفي بن علي الذي يرى نفسه يصارع الغرق في بئر عميقة. وفي ليبيا، فإن صوت راديو منبعثا من سيارة مسرعة كفيل بإثارة غضب مجيد مختار ساسي، لأنه يذكره بالفترة التي قضاها بسجن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) حيث كان يتعرض لضجيج الموسيقي الصاخبة المتواصل بصفته أحد أساليب التعذيب لحواسه.
هناك أيضا آخرون ممن يقولون إنهم لم يعودوا كما كانوا، حيث يقول المغربي يونس شكوري إنه يخشى الخروج من بيته، لأنه يرى وجوها وسط الزحام يعتقد أنها لنفس حراسه القدامى بمعتقل غوانتانامو، ويعبر عن ذلك بقوله: «أعيش هذا النوع من الرعب. لم أعد إنسانا طبيعيا».
فبعد صنوف العذاب التي ذاقوها في السجون السرية التابعة لـ«سي آي إيه» المنتشرة حول العالم والممارسات التي أجبروا عليها في معتقل غوانتانامو بكوبا، ظهرت على العشرات من المعتقلين السابقين أمراض عقلية مزمنة، بحسب سجلات طبية لم يكشف عنها بعد وسجلات حكومية ومقابلات شخصية أجريت مع معتقلين سابقين وأطباء عسكريين ومدنيين. ظهرت على بعض المعتقلين الأعراض نفسها التي ظهرت على أسرى الحرب الأميركيين الذي تعرضوا للتعذيب قبل ذلك بعقود على يد أكثر أنظمة العالم وحشية.
كان من بين المعتقلين في السجون التابعة للولايات المتحدة بعض ممن اعتقلوا على سبيل الخطأ أو استنادا إلى أدلة ضعيفة تبرأت منها الولايات المتحدة لاحقا. كان هناك أيضا آخرون ممن كانوا جنودا صغار السن لدى طالبان أو «القاعدة» ممن تبين لاحقا أنهم لا يمثلون تهديدا يذكر. في حين كان هناك بعض من عتاة الإرهابيين، ممن يشتبه بتورطهم في التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أو تفجير المدمرة الأميركية «كول» عام 2000. وفي حالات كثيرة، وقفت حالتهم العقلية عائقا أمام محاولات تقديمهم للعدالة.. فقد دخل الأميركيون في جدل طويل حول تركة ما بعد أساليب استجواب المتهمين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث تساءل الأميركيون عما إذا كان ذلك يرتقي لدرجة التعذيب أم إن السلطات نجحت بالفعل في استنطاقهم للحصول على المعلومات. وعلى الرغم من استمرار الرئيس أوباما في نقل المعتقلين من معتقل غوانتانامو، فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يصر على العودة لاستخدام الأساليب القديمة المحظورة نفسها حاليا، مثل تكنيك «محاكاة الغرق»، وهو أسلوب التعذيب الذي ندد به العالم.
وعلى الأقل، فإن نصف العدد البالغ 39 معتقلا الذين مروا ببرنامج «الاستجواب الصارم» على يد «سي آي إيه» - الذي تضمن حرمانهم من النوم، وسكب الماء المثلج عليهم، وضربهم بالحائط، ووضعهم في توابيت بعد تكفينهم أحياء - ظهرت عليهم أعراض أمراض نفسية، وجرى تشخيص حالاتهم على أنها «اضطراب ما بعد الصدمة»، و«جنون العظمة»، و«الاكتئاب» أو «الذهان».
مر كذلك بضع مئات آخرون من السجناء على غوانتانامو، حيث تعرضوا لما يعرف بـ«الحرمان الحسي»، والعزلة، والتهديد باستخدام الكلاب.. وغيرها من الأساليب، ونتيجة لكل ذلك ظهرت عليهم أعراض مرضية خطيرة.
قال بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي، إنه «من دون شك، فإن هذه الأساليب تتنافى مع قيمنا نحن الأميركيين، والنتائج المترتبة عليها تمثل تحديا دائما لنا؛ دولةً وأفرادًا قريبين من تلك القضية».
في الحقيقة، لم تدرس حكومة الولايات المتحدة التأثيرات النفسية بعيدة المدى لأساليب الاستجواب غير العادية التي اتبعتها.
ولدى سؤاله عن الضرر النفسي الذي قد يعانيه المعتقلون السابقون على المدى البعيد، أفاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بأن المعتقلين كانوا يتلقون معاملة حسنة ورعاية ممتازة، وهو التصريح الذي رفض المتحدث الرسمي باسم «سي آي إيه» التعليق عليه.
اعتمد هذا الموضوع على عدد كبير من الحالات بصفتهم عينات، وعلى التدقيق في مئات الوثائق، كسجلات المحاكم، وتقارير اللجان العسكرية، والفحوصات الطبية. وأجرت صحيفة الـ«تايمز»، أكثر من مائة مقابلة شخصية، بعضها مع معتقلين سابقين في 10 دول. غير أنه من المستحيل تقديم تقرير واف، لأن كثيرا من المعتقلين السابقين لم يعرضوا نهائيا على أطباء أو محامين خارجيين، ولذلك، فإن أي سجلات عن المعاملة التي تلقوها أثناء الاستجواب وعن حالتهم الصحية، تبقى موضع جدل.
ويحذر الباحثون من أنه من الصعب تحديد السبب والنتيجة في الأمراض العقلية، فقد تعرض بعض معتقلي «سي آي إيه» والجيش الأميركي لمشكلات نفسية ربما جعلتهم عرضة لمشكلات نفسية على المدى البعيد، في حين أظهر آخرون مرونة كبيرة في التعامل. يتسبب الاحتجاز غير محدد المدة من دون محاكمة الذي اخترعته الولايات المتحدة في ضغوط نفسية كبيرة. وأفاد استشاريون طبيون خارجيون ومسؤولون حكوميون سابقون بأن «ثمة علاقة تربط بين الممارسات الفظّة والحالة النفسية (للمعتقلين السابقين)».
بيد أن القائمين على العلاج النفسي للمعتقلين بسجن غوانتانامو لم يكلفوا أنفسهم عناء سؤال المعتقلين عما حدث لهم أثناء الاستجواب، رغم أن بعض الأطباء النفسيين لاحظوا آثار الضرر النفسي بعد الاستجواب مباشرة.
بيد أن ألبرت شيمكوس، نقيب متقاعد في البحرية الأميركية عمل ضابطا بمستشفى غوانتانامو في السنوات الأولى لإنشائه، عبر عن ندمه على عدم سؤاله المعتقلين عما كانوا يتعرضون له، قائلا: «كان هناك تعارض بين مهامنا وواجبنا تجاه مرضانا، وواجبنا بصفتنا جنودا تجاه مسؤولي السجن».
فبعد الإفراج عن السجناء من المعتقل الأميركي، لم يجد البعض أي مساعدة أو إغاثة، فمثلا تعرض التنزاني محمد عبد الله صالح الأسد وغيره، للاختطاف والاستجواب والسجن، قبل أن يعاد إلى بيته ثانية من دون إبداء أسباب وفي حالة ذعر شديدة من عملية الاستجواب، والعزلة، والخجل من الأذى الجنسي، والإجبار على التعري، والتعرض لفحص جسدي مخجل.
مات أسد في مايو (أيار) الماضي بعد أن قضى أكثر من عام كامل متنقلا بين عدد من المعتقلات التابعة لـ«سي آي إيه». فبحسب اعترافات أرملته المدونة في سجلات «اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان»، فقد اعترف لها سرا، «كأي حديث خاص بين الزوجة وزوجته، بأنه تعرض للامتهان، وأن هذا الإحساس لم يفارقه أبدا».

ممسحة بشرية
في غرفة باردة بمعتقل غوانتانامو كانت مخصصة للاستجواب، تقابل ستيفن زانكيس، طبيب نفسي عسكري سابق، مع جندي سابق في سن الطفولة كان يعمل مع تنظيم القاعدة يدعى عمر خضر. كان هذا في ديسمبر (كانون الأول). وكان خضر (كندي الجنسية)، 15 عاما، أصيب وألقي القبض عليه بعد تبادل لإطلاق النار في مجمع سكني إرهابي مشتبه به في أفغانستان حيث أرسله والده، عضو «القاعدة»، للترجمة للمقاتلين الأجانب، وفق عمر. بعد ذلك بسنوات، جرى إدانة عمر بارتكاب جرائم حرب، منها إلقاء قنبلة يدوية قتلت طبيبا بالجيش الأميركي. وكشف عمر أنه بال على نفسه أثناء أحد التحقيقات، فما كان من المحققين سوى جره على الأرض واستخدموه ممسحةً. كان عمر حينها أصغر معتقل في غوانتانامو.
وبحسب إفادة عمر للمحامين، فقد تعرض عمر للحرمان من النوم، وتعرض للبصق على وجهه، والتهديد بالاغتصاب، وأنه بعد خروجه من المعتقل «بات يرى في أحلامه أنه ملقى في قاع بئر وأنه يختنق».

إحساس دائم بالغرق
لا يستطيع الليبي محمد بن سعود أن يتذكر تحديدا متى بدأ الأميركان في سكب الماء المثلج فوقه لتعذيبه، فقد كان معتقل «سي آي إيه» في أفغانستان، المعروف باسم «حفرة الملح»، معتم دائما، ولذلك لم يكن يشعر بالأيام وهي تمر. أطلق الأميركان اسم «الإغراق بالماء»، لكن المصطلح لا يوحي بما تتضمنه العملية من تفاصيل مؤلمة؛ فقد أفاد الليبي محمد بن سعود في وثائق المحكمة وفي المقابلات الشخصية بكيف أجبروه على خلع ملابسه، ووضع يديه المقيدتين فوق رأسه والوقوف في إناء بلاستيكي طويل بغطاء أحيانا. كان أحد مسؤولي «سي آي إيه» يسكب الماء المثلج فوق رأسه، في حين يقوم اثنان آخران برش الماء البارد فوق جسده العاري الذي أخذ يرتجف، وتعرض لهذا التعذيب عدة مرات. كان الليبي محمد ضمن أول من أرسلوا إلى سلسلة معتقلات «سي آي إيه» المنتشرة في أفغانستان، وتايلاند، وبولندا، ورومانيا، ولتوانيا. وأفاد بأنه قال للمحققين الأميركان مرارا وتكرارا إنه ليس عدوهم، وإنه ليبي سافر إلى باكستان عام 1991 وانضم إلى حركة مسلحة تهدف إلى الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي. غير أن السلطات الباكستانية والمسؤولين الأميركان اقتحموا منزله عام 2003، إلا أنه أنكر صلته بأسامة بن لادن أو أي من أعضاء «القاعدة».
وفي عام 2004، أعادته «سي آي إيه» إلى ليبيا التي اعتقلته إلى أن ساعدت الولايات المتحدة ليبيا في الإطاحة بحكومة القذافي بعد ذلك بسبع سنوات. وفي مقابلات شخصية، أفاد وغيره من الليبيين، بأن المعاملة التي تلقوها من سجاني نظام القذافي كانت أفضل من تلك التي تلقوها من سجاني «سي آي إيه».
واليوم أصبح الليبي محمد بن سعود، 47 عاما، حرا طليقا، لكنه قال إنه في حالة خوف دائم من الغد، وإنه متشكك دائما من نفسه، وإنه يعاني كثيرا في اتخاذ حتى أبسط القرارات، وإن مزاجه يتقلب بسرعة وبشكل دراماتيكي.
ويحكي الليبي كثيرا في مكالمة هاتفية من منزله في مصراتة أن أطفاله كثيرا ما يسألونه: «أبي لماذا غضبت فجأة؟ لماذا أنت عبوس الآن؟ هل فعلنا ما يضايقك؟»، ويفسر السبب في ذلك بقوله إن الأميركان كثيرا ما كبلوه في أوضاع مثنية، وأحيانا كانوا يضعونه في صندوق بحجم أقل من التابوت ثم يحكمون غلق التابوت، وكثيرا ما كانوا يدفعونه إلى الحائط ويعلقونه في السقف في سجن تهزه موسيقي الروك الصاخبة. وأضاف: «كيف أشرح مثل تلك الأشياء للأطفال؟».
أقام الليبي محمد، ورفيقه السابق في معتقل «سي آي إيه»، وزميل ثالث، دعوى قضائية ضد الدكتور ميتشل والدكتور جيسين في المحاكم الفيدرالية، بتهمة انتهاك حقوقه وتعذيبه، وهي التهم التي أنكرها الطبيبان اللذان أفادا بأنهما لم يلعبا أي دور في عمليات الاستجواب.
يعد الليبي محمد أحد من شملهم تقرير لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأميركي عام 2014 بصفته أحد ضحايا انتهاكات وأساليب تحقيق «سي آي إيه».

يونس شاكوري
أطلق سراحه بعد اعتقال لأكثر من 13 عاما من دون محاكمة. أفاد شاكوري بأنه شاهد الأطباء النفسيين في غوانتانامو، لكنه لا يثق بهم، فهو وغيره يرون أن الأطباء كانوا يبلغون المحققين بجميع المعلومات التي تخص حالتهم، وأنه في إحدى المرات أعطى الطبيب دواء مضادا للذهان لأحد المعتقلين، وطلب من المحقق أن يستغل الأعراض الجانبية، وهي الجوع، وفق طبيب آخر اطلع على السجلات، رغم أن المعلومات الطبية يجب أن تظل في طي الكتمان. لكن في حقيقة الأمر الوضع في المعتقل كان ينطوي على كثير من التناقض الذي يجمع بين واجب تقديم الرعاية الصحية، وفي الوقت نفسه انتزاع المعلومات من المعتقلين.
ومن الصعب قياس حدة المشكلات النفسية التي تسبب فيها غوانتانامو لمعتقليه، أو حتى تحديد عدد المرضى. لكن كثيرا من القصص ظهرت على السطح مع مرور السنين.
فقد أفاد باندي ديفيدسون، ضابط متقاعد في البحرية الأميركية عمل طبيبا نفسيا وتولى علاج المعتقلين في غوانتانامو منذ يوليو (تموز) حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2003، في مقابلة شخصية، بأن غالبية المعتقلين كانوا في صحة جيدة، مضيفا: «لكن هناك بالتأكيد كثيرا من الحالات العقلية. كان هناك كثير ممن ظهرت عليهم أعراض (اضطراب ما بعد الصدمة). وكان هناك من عانوا قلة النوم والكوابيس، ومن عانوا عدم التركيز، والاكتئاب والاضطراب».
كتب طبيبان نفسيان عملا بالمعتقل أن نحو 11 في المائة من المعتقلين تلقوا علاجا نفسيا، وهي نسبة أقل من تلك الموجودة في السجون المدنية أو بين أسرى الحرب الأميركيين السابقين. غير أن الطبيبين أفادا بأن أطباء غوانتانامو واجهوا تحديات في تشخيص الأمراض العقلية؛ أهمها صعوبة بناء الثقة، حيث رفض كثير من المعتقلين الخضوع للكشف الطبي وتلقي العلاج، وهو ما تسبب في ارتفاع أعداد الحالات.
بعد ذلك بخمس سنوات، نشر الطبيبان الجنرال زانكيس، وفينيسنت أكبينو المدير الطبي لمنظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» بحثًا شمل 9 معتقلين ظهرت عليهم أعراض مرض نفسي بعد تعرضهم لأساليب استجواب عنيفة، مثل وضع خرطوم ماء في الفم بالقوة، ووضع الرأس في فتحة المرحاض، والتهديد بالقتل من قبل سجانيهم الأميركان.
واعتمد الطبيبان في بحثهما على تقارير الأطباء، وكذلك الاستجوابات التي ضمتها ملفات السجناء الذين كانوا ضمن أول الوافدين للمعتقل بعد إنشائه.

* خدمة «نيويورك تايمز»



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.