«حرب» انتخابية في المغرب.. ساحتها الأسواق الشعبية والعوالم الافتراضية

كل الطرق تؤدي إلى صوت الناخب

جانب من حملة المرشح نبيل بنعبد الله (تصوير: مصطفى حبيس)
جانب من حملة المرشح نبيل بنعبد الله (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

«حرب» انتخابية في المغرب.. ساحتها الأسواق الشعبية والعوالم الافتراضية

جانب من حملة المرشح نبيل بنعبد الله (تصوير: مصطفى حبيس)
جانب من حملة المرشح نبيل بنعبد الله (تصوير: مصطفى حبيس)

أثار «اتفاق» أغلب قادة الأحزاب المغربية على «النزول» إلى الأسواق الأسبوعية، في البوادي أو الأسواق والأحياء الشعبية بالمدن، وحرصهم على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا «فيسبوك»، للتواصل مع الناخبين، في محاولة لاستمالتهم للتصويت على مرشحيهم خلال اقتراع 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لاختيار نوابهم بالبرلمان، انتباه وفضول المغاربة، سواء كانوا متتبعين للشأن العام أو مواطنين عاديين.
ورأى المتخصصون في تقنيات التواصل بشكل عام، والتواصل السياسي بشكل خاص، في تحول الأسواق الأسبوعية وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص إلى مقصد، وملجأ لزعماء الأحزاب السياسية، وساحة صراع بين المرشحين المتنافسين، صورتين عن مغرب يسير بسرعتين: صورة أولى لمغرب عميق، تبرز ملامحه في أسواق القرى، الغارقة في غبارها وبساطة ناسها، وفي الأحياء الشعبية، الغارقة في هامشيتها وهشاشتها؛ وصورة ثانية لمغرب يتطور، آخذا بأسباب التكنولوجيا للتفاعل مع أحداث الواقع افتراضيًا، حيث يمكن أن تثير الصورة الملتقطة لهذا الزعيم أو ذاك، في هذه الجهة أو تلك من المغرب العميق، التعليقات المتفاعلة للمبحرين من رواد شبكات التواصل الاجتماعي.
ولأن «الصورة بألف كلمة» كما يقال، فإن الصورة الملتقطة لهذا الزعيم أو ذاك، وهو يتفاعل مع الناس البسطاء في الأسواق، لن تجد لها معنى إلا إذا وجدت لها مكانًا على موقع الحزب أو صفحته على «فيسبوك»، قبل أن تلتهمها الشبكة العنكبوتية، وتطوح بها إلى أكثر من اتجاه.
حميد شباط، الأمين العام لـ«حزب الاستقلال»، مثلاً، تصدرت صوره المشهد الانتخابي الافتراضي، وهي تظهره متجولاً في الأزقة والأسواق الشعبية، إما مرتديًا جلبابًا تقليديًا، أبيض اللون، جالسًا في مقهى شعبي، منهمكًا، في مقاسمة آخرين طبقًا من أكلة «البيصارة» الشعبية؛ أو داخل محل لصنع وبيع الفطائر (الإسفنج)، وقد تقمص دور صانع وبائع فطائر؛ أو داخل محل «مصلح دراجات»؛ أو ماسكًا بالمقص، منهمكًا في حلاقة رأس زبون داخل محل حلاقة؛ أو برفقة محمد عبد الوهاب رفيقي، الشيخ السلفي المعروف بلقب «أبو حفص»، المرشح الثاني في اللائحة التي يتزعمها زعيم «حزب الاستقلال» في فاس، وهو يتجول في الأسواق الشعبية أو يتبادل أطراف الحديث مع الباعة والمتسوقين.
أما إلياس العماري، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة»، فقد حرص من جهته على أن يدشن حملة حزبه الانتخابية من سوق أسبوعية بقرية «حد الدري» بإقليم الصويرة، دون ربطة عنق ولا بدلة رسمية، بعد أن أظهرته الصور التي تصدرت موقع الحزب وصفحته على «فيسبوك»، مرفوقًا بأسماء الشعبي، ابنة الملياردير الراحل ميلود الشعبي، ومرشحة الحزب بالإقليم، موزعًا ابتساماته، ومتجاذبًا أطراف الحديث مع الباعة والمتسوقين.
الأمر نفسه ينطبق على قادة الأحزاب الأخرى، الـ27 التي تخوض غمار تشريعيات 2016. بداية من «العدالة والتنمية»، وصولاً إلى حزب «الاتحاد المغربي للديمقراطية»، مرورًا بحزب «التجمع الوطني للأحرار» وحزب «الحركة الشعبية»، و«الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، الحزب الذي ظهر زعيمه إدريس لشكر متخففًا من بذلته العصرية، ومن ربطة العنق، وهو يخاطب شباب وشيوخ أحد الأحياء الشعبية، تمامًا، مثل محمد نبيل بنعبد الله، زعيم حزب «التقدم والاشتراكية»، ونبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، ووكيلة اللائحة الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي.
ويجمع المتخصصون في التواصل السياسي والمتتبعون المشهد السياسي المغربي، على أن «تواصل الفاعلين السياسيين مع المواطنين يبقى من الأمور العادية والطبيعية خلال الحملات الانتخابية، بالنسبة إلى القوى السياسية التي تعمل بشكل دائم ومستمر»، لكن ما هو غير عادي «هو أن ينتظر الفاعل السياسي استحقاقًا انتخابيًا من أجل أخذ الصور والتواصل مع فئات المجتمع المختلفة»، وهو أمر «قد تكون له انعكاسات ضد النتائج المتوخاة».
الدكتور إدريس لكريني، أستاذ القانون العام، في جامعة القاضي عياض بمراكش، لاحظ في هذا السياق أن «هناك توجهًا من قبل الأحزاب إلى تطوير سبل تواصلها مع الناخبين»، مشيرًا إلى أن «الشعبوية» التي ميزت النقاش السياسي في السنوات الأخيرة جعلت كثيرًا من الأحزاب لا تكتفي بتنظيم حملاتها الانتخابية داخل الفنادق والقاعات الرياضية والمراكز الثقافية والاجتماعية، أو المرور عبر وسائل الإعلام العمومية، مستعملة لغة عربية رصينة في التخاطب، بل صرنا نلحظ «نوعا من الاجتهاد في إبداع أدوات تواصلية جديدة مبنية على التفاعل المباشر، وذلك من خلال زيارة الأسواق الشعبية والتماهي مع المواطنين في بعض السلوكات، من أكل وشرب، وهو ما يعني أن قادة الأحزاب السياسية أصبحوا يجدون في ذلك وسيلة فعالية أكثر في التواصل مع المواطنين»، وهو أمر «قد يكون محمودًا من جهة أنه كان يتم في الانتخابات السابقة طرح شعارات وتوزيع منشورات، مع الإطلالة عبر وسائل الإعلام الرسمية، من دون أن تكون هناك نجاعة أو قوة في الإقناع، واليوم، يبدو أن هذا التفاعل ربما يسمح بالتفاعل المباشر مع فئات ظلت بعيدة عن الشأن السياسي».
وعلاوة على الحملات الانتخابية والمنافسة التي تجري بين مختلف الأحزاب في المدن والقرى، يقول لكريني إن هناك حملات تجرى أطوارها بشكل قوي في العالم الافتراضي، وذلك من خلال المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي اعتمادًا على النصوص المكتوبة والصور ومقاطع الفيديو، إذ «في زمن السرعة يبدو أن اعتماد الشعارات المختصرة في الانتخابات له وقع كبير على الناخب، بمختلف توجهاته ومستوياته الفكرية والتعليمية؛ ذلك أن الأمر يسمح بإيصال إشارات رسائل غالبًا ما تكون بسيطة وواضحة في مضمونها. غير أن مواكبة أجواء الحملة الانتخابية، يختم الكريني، تظهر أن «بعض الأحزاب تركز على أسلوب القذف والشتم والإساءة لخصومها من الأحزاب كسبيل للتنافس، أكثر من تركيزها على مضامين برامجها وشعاراتها؛ وهو ما تكون له تبعات سلبية على مستوى التصويت لصالحها أو من حيث التأثير في نسبة مشاركة الناخبين بشكل عام».
وفيما يخص توسل شبكات التواصل الاجتماعي الناخبين لاستمالتهم، شدد لكريني على أن «أكثرية ساسة الأحزاب صاروا يلتفتون إلى أهمية شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد أن انتقلت، في السنوات الأخيرة، من قناة تواصلية إلى قناة ضاغطة، قادرة على التأثير في التوجه العام، ومن ذلك أن كثيرًا من قضايا الشأن العام، في المغرب، التي انتقلت إلى البرلمان وإلى الحكومة، لم تبدأ داخل الإعلام التقليدي، بل من داخل شبكات التواصل الاجتماعي، في شكل مقاطع فيديو وصور وآراء، خصوصا أن كل شخص صار بإمكانه، الآن، مع توسع شبكة الإنترنت، في القرى كما في المدن، ومع توفر الهواتف الذكية، أن يطلع على الأخبار، خصوصًا الشباب، الشيء الذي يفسر التفات قادة الأحزاب إلى أهمية هذه الشبكة رغم أن كثيرًا من الحسابات (فيسبوكية)، مثلا، تبقى معطلة، شأنها في ذلك شأن مقرات كثير من الأحزاب، فلا تفتح وتفعل إلا خلال فترة الانتخابات».
إن ما تنبغي الإشارة إليه - يشير لكريني في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» - هو أن «شبكات التواصل الاجتماعي أتاحت إمكانية كبيرة للتفاعل، حيث إن وزراء أو برلمانيين أو مرشحين لهم حسابات شخصية، وكثير من الآراء والتعليقات المتفاعلة تعكس الانتقادات وتباين الرؤى، من قبيل التنبيه إلى الإشكالات التي ينبغي الانكباب عليها، مع نقد الولايات السابقة بالنسبة لأحزاب معينة وطرح بدائل، أو انتقاد الحضور المرحلي في الانتخابات، وهو ما يعطي لشبكات التواصل الاجتماعي فعالية أكثر».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.