تنتشر أشجار التين في جميع أنحاء العالم حاليًا ولكن أفضل أنواعها تظل في منشئها الأول وهي منطقة الشرق الأوسط التي وجدت فيها هذه الأشجار منذ قديم الزمان. وتعد ثمار التين من الفواكه المفضلة في المنطقة، ويتم تناولها طازجة أو مجففة. وهناك كثير من أنواع التين التي تتراوح في الحجم واللون، وكان القدماء يقدسون التين لأنه من الفواكه السكرية التي وفرت الطعم السكري قبل اكتشاف السكر.
ويعد التين من الأطعمة متكاملة العناصر الغذائية؛ فهو يحتوي على البروتين والدهون والنشويات والألياف، بالإضافة إلى معادن البوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والحديد وفيتامينات ألف ودال، ويعد من المواد المضادة للأكسدة في الجسم. وهو جزء مهم من حمية البحر المتوسط التي ثبت علميا أنها تحافظ على صحة القلب. وهو أيضًا يساعد على خفض الوزن حيث يوفر الشعور بالشبع لفترات طويلة بفضل الألياف التي يحتوي عليها. ويحافظ التين أيضًا على صحة العظام بفضل معدلات الكالسيوم العالية فيه.
وتعد أشجار التين من الأنواع التي تناسب بيئة الشرق الأوسط تمامًا. فهي تحتاج إلى ضوء الشمس والتربة شبه الجافة مع مصادر مياه جوفيه تصل إليها الجذور. وتوجد أشجار التين حول الجداول المائية وفي المناطق الجبلية وأحيانا على أطراف المزارع. وبلغ من تقدير الإغريق لثمار التين أنهم أصدروا قانونا يمنع تصديرها.
ويبدأ موسم الحصاد للتين بعد الصيف، وحتى بدايات الخريف. ويعد التين من المحاصيل سريعة التلف ويتعين تناوله بعد يوم أو يومين من الشراء، مع الاحتفاظ به مبردًا. ويتم اختيار الثمار بناء على لونها وملمسها، وإذا كانت الثمار لم تنضج بعد يمكن تركها في درجات الحرارة العادية حتى تنضج وبعدها تحفظ في برادات. ولا يجب غسل التين إلا قبل تناوله مباشرة.
أما التين المجفف، فيمكن الاحتفاظ به لفترات طويلة ويمكن حفظه أيضًا في البرادات.
ويدخل التين في كثير من الأطعمة مثل المربى وسلطة الفواكه ومخبوزات التين والبسكويت، كما يدخل التين ضمن مكونات وجبة الإفطار في شهر رمضان المبارك. كما يمكن تناوله مع الخبز والجبن. ويؤكل التين الطازج غير مبرد من أجل الحصول على أفضل نكهة له.
وفي منطقة الشرق الأوسط تنمو أشجار التين في التربة الجافة والمناطق الصخرية بداية من سطح البحر وحتى ارتفاع 1700 متر. وتفضل أشجار التين التربة جيدة الصرف وهي تصل إلى أحجام كبيرة وترتفع حتى أربعة أمتار، ولديها جذور ممتدة تبحث عن مصادر المياه الجوفية.
وفي مصر تنمو شجرة التين على ضفاف نهر النيل وفروعه، ويفضل المصريون الاستظلال بها في الصيف. وهي توفر الغذاء لكثير من الطيور والحيوانات بالإضافة إلى الإنسان.
من أقدم الآثار الدالة على وجود أشجار التين في المنطقة اكتشاف 9 ثمار جافة في وادي الأردن يعود تاريخها إلى 9400 سنة قبل الميلاد. ويشير هذا التاريخ إلى أن التين كان يستخدم كغذاء بشري قبل زراعة القمح والشعير. وكانت أشجار التين تزرع في المنطقة قبل نشأة المحاصيل الزراعية الأخرى.
وعرف الرومان التين وصنفوه إلى عدة أنواع، وكان يُستخدم غذاء سواء طازجًا أو مجففًا كما كان يستخدم أيضًا لتسمين الإوز. وبعد ذلك انتشرت أشجار التين من أواسط آسيا وحتى البرتغال، وانتقلت بعد ذلك إلى الأميركيتين في القرن الخامس عشر. ووصلت أشجار التين إلى لندن للمرة الأولى في القرن السادس عشر.
وازدهرت زراعة أشجار التين بوجه خاص في ولاية كاليفورنيا التي تشبه في مناخها منطقة البحر المتوسط. وانتعشت فيها زراعة كثير من أنواع التين. وتزرع أشجار التين من أجل ثمارها أو كأشجار زينة، وأفضل أنواعها هو النوع التركي الذي يتميز بثمار كبيرة الحجم، وبمحصول يمكن جمع ثماره أربع مرات سنويًا.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في شمال أوروبا، يُمكن الآن زراعة أشجار التين والحصول على محصول منها في دول وسط أوروبا، من المجر شرقًا وحتى بريطانيا غربًا. ومن أنواع التين ما يزرع في حدائق المنازل في أوروبا وهي أنواع لا تحتاج إلى تخصيب من أنواع من الدبابير التي تخصب أشجار منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يمكن جني عدة محاصيل سنويًا من أشجار التين في المناطق الحارة، فإن زراعة التين في مناطق باردة مثل بريطانيا تعني جني محصول واحد سنويًا بينما يقضي الطقس البارد على براعم التين التي لم تنضج بعد في موجة المحصول الثاني. كذلك يتسبب الصقيع الشتوي في سقوط أوراق أشجار التين خلال الشتاء وعودتها مع الربيع، مما يكلف النبات الكثير من الطاقة في إنبات أوراق جديدة سنويًا.
وتحتاج أشجار التين إلى أركان مشمسة في حدائق تواجه الجنوب أو الغرب في بريطانيا ومحمية من الرياح الباردة. وبعدما تستقر الأشجار في التربة لا تحتاج إلى رعاية تُذكر سوى الري في أوقات القحط التي لا ينزل فيها المطر لأكثر من أسبوعين.
ويمكن زراعة التين عبر البذور أو بقطع فروع من الشجرة الأصلية وزراعتها. وينتج العالم نحو مليون طن متري من التين سنويًا. وتتفوق دول منطقة الشرق الأوسط في إنتاج التين عالميًا حيث تتبوأ تركيا المركز الأول (إحصاءات عام 2012) بإنتاج يصل حجمه إلى 274.5 ألف طن متري، أي ما يفوق ربع الإنتاج العالمي، تليها مصر بإنتاج 171 ألف طن متري، ثم الجزائر وتنتج 110 آلاف طن متري، والمغرب بحجم 102.7 طن متري. وتأتي بعد ذلك إيران ثم سوريا ثم الولايات المتحدة والبرازيل وألبانيا، وأخيرًا تونس في المركز العاشر.
وجرت في كاليفورنيا أبحاث مكثفة خلال القرن الأخير على وسائل تحسين سلالات أشجار التين. وتنتج كاليفورنيا نحو 80 في المائة من إنتاج التين الأميركي، وهي تزرع مساحة 16 ألف هكتار بأشجار التين وتزرع عشرة أنواع من هذه الأشجار.
من الحقائق الغريبة عن ثمار التين أن بعض أنواعها تحتاج إلى أنثى الدبابير لتلقيحه وتحتجز ثمرة التين أنثى الدبور بداخلها، ثم تفرز عليها إنزيمات تهضمها. ولذلك يتجنب بعض النباتيين أكل التين بالمرة. ومع ذلك يعتبره البعض أكثر الفواكه فائدة لصحة الإنسان لما يحتويه من عناصر غذائية.
من الفوائد الصحية المثبتة للتين أنه يخفض من ضغط الدم لاحتوائه على نسبة جيدة من البوتاسيوم. كما أن الألياف التي يتميز بها التين تساعد على صحة الأمعاء، وتسهم في خفض الوزن للشعور بالشبع لفترات أطول. وتشير بعض الدراسات إلى أن أوراق شجر التين تسهم في ضبط معدلات الإنسولين في مرضى السكر ومنع بعض أنواع السرطان.
كيف تزرع أشجار التين وتعتني بها؟
من أجل أفضل النتائج ينصح الخبراء بتحديد امتداد الجذور حتى يتوجه جهد الشجرة نحو الثمار، وليس نحو النمو والأوراق. ويكون إعداد التربة بحفر ما يقارب 60 سنتيمترًا من التربة وتبطين الحفرة بالبلاط الذي يمنع امتداد الجذور. ثم توضع الشجرة مع تربة وسماد في الحفرة حتى تتساوى مع سطح الأرض.
ويمكن زراعة الأشجار بغمر الأصص التي جاءت فيها الشجرة في التربة، على شرط أن يكون صرف المياه منها جيدًا. ويمكن نقل الشجرة إلى أصص أكبر حجمًا كل ثلاث سنوات. وهي تحتاج إلى ري دوري وربما أيضًا التغذية بالسماد.
وخلال فصل الشتاء يجب حماية أشجار التين بتغطيتها بالبلاستيك حتى لا يقتل الصقيع الفروع الصغيرة. ويمكن خلع الأغطية في نهاية شهر أبريل (نيسان) استعدادا لنمو فصل الربيع. وإذا كانت الأشجار مزروعة في أصص يمكن نقلها إلى مواقع دافئة مثل الصوبات أو داخل مرأب. ويجب الحفاظ على رطوبة التربة خلال فصل الشتاء أيضًا.
وفي الربيع، يمكن تشذيب الشجرة بقطع الفروع الضعيفة والطويلة، كما يُمكن استخدام بعض الفروع لإنماء أشجار جديدة بغرسها في التربة في مكان محمي من الصقيع الشتوي. وفي كل الأحوال يجب حماية هذه الأشجار من الطقس البارد والحشرات والطيور.










