الصراع الدولي على حلب تسعّره خطط تكريس النفوذ الروسي.. وخطوط تصدير الطاقة

موسكو تريد عمقًا استراتيجيًا مقابل «ناتو» وأميركا وإيران لوصل نفوذها عبر العراق بالمتوسط

أطفال يلعبون في بركة بوسط أحد أحياء حلب (رويترز)
أطفال يلعبون في بركة بوسط أحد أحياء حلب (رويترز)
TT

الصراع الدولي على حلب تسعّره خطط تكريس النفوذ الروسي.. وخطوط تصدير الطاقة

أطفال يلعبون في بركة بوسط أحد أحياء حلب (رويترز)
أطفال يلعبون في بركة بوسط أحد أحياء حلب (رويترز)

رفعت الدبلوماسية الدولية ووسائل الإعلام الغربية قضية حلب، إلى الصدارة مجددًا، وهو ما يعكس صراعًا لم يعد خفيًا بين الأٌقطاب الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، مع تفاوت في الأجندات التي دفعت القطبين الدوليين، المؤيد للنظام السوري من جهة، والمعارض له، للتصعيد العسكري والسياسي.
ملامح التصعيد، ظهرت على شكل غارات روسية مكثفة ومتواصلة تمهيدا لتقدم النظام وحلفائه إلى الأحياء الشرقية للمدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبدعم فصائل المعارضة بأسلحة جديدة، وسط معلومات غير مؤكدة عن إمكانية منح المعارضة غطاء لاستخدام أسلحة مضادة للطائرات يُعتقد أن نماذج منها موجودة بالفعل في سوريا، رغم المخاوف من أن تستخدمها روسيا ذريعة لتكثيف ضرباتها الجوية في الشمال.
مدينة حلب، باتت محورًا مفصليًا في النزاع السوري، وذلك بالنظر إلى رمزيتها، كون السيطرة عليها تعني «رفع أسهم النظام ورئيسه بشار الأسد»، وهو ما تريده روسيا وإيران، إلى جانب الموقع الاستراتيجي للمدينة في الشمال، وهو ما يضاعف الصراع الدولي عليها، بالنظر إلى قدرتها على تكريس النفوذ الروسي في المتوسط، وتقويض النفوذ التركي أو تطويره، وتسهيل نقل الطاقة إلى أوروبا، إذا ما اعتمدت كخيار آخر عن نقله من روسيا وإيران عبر تركيا.
سفير لبنان السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب يرى أن روسيا «تريد أن تساعد النظام على استرجاع سوريا المفيدة»، موضحًا لـ«الشرق الأوسط» أن استرجاع النظام السيطرة على حلب «يمهد لمد سيطرته من حلب إلى الغرب باتجاه الساحل، ويكون ذلك مكسبًا بالغًا للروس»، بينما سيعتبره الأميركيون «ضربة لحلفائهم غير القادرين على الانفصال عن تنظيم جبهة النصرة، وهو ما يشكل حاجزًا أمما تدخل الولايات المتحدة أو تقديم مساعدات إضافية إلى حلفائها بالنظر إلى أن النصرة تعتبر من الناحية القانونية في أميركا تنظيمًا إرهابيًا لا يمكن مساعدته».
وتابع أبو حبيب: «واشنطن، بالتأكيد، لا تريد أن يقوى الأسد، وتتفق على ذلك مع العرب، إذ أنهها تريد تغيير الأسد ولكن ليس النظام، خلافًا للروس والإيرانيين الذين يتمسكون بالأسد». وتابع أنه في الوقت نفسه «من الصعب فهم دور الأتراك على ضوء تقاربهم مع إيران وروسيا، وذلك بسبب الملف الكردي الذي يجمعهم مع النظام السوري وإيران، وتركيا ترى أنها إذا صادقت جيرانها ستحقق مكاسب أكبر، رغم استحالة نسج عداوات مع الغرب بسبب روابط الحلف الأطلسي».
غير أن هذه القراءة السياسية المرتبطة بالأسد ومصيره، يناقضها رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (أنيجما) الدكتور رياض قهوجي، الذي يقول إن الأسد «يساوي صفرًا في حسابات روسيا وأميركا»، مشددًا على أن الصراع بين أميركا وروسيا «هو على النفوذ، وعلى الدور الموكل لكل طرف». وأوضح قهوجي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «ساحة تمتد من سوريا إلى العراق، والهدف الأساسي لوجود الدولتين هو وجود داعش، لكن غالبية العمل العسكري يجري في خارج مناطق داعش خاصة في سوريا. ولقد دخل الروسي قبل عام تحت شعار محاربة داعش، لكنه في الواقع دخل لإنقاذ النظام الذي أعطى روسيا حق إقامة قواعد عسكرية والإبقاء على نفوذ موسكو في المتوسط الذي يشكل منطقة الجبهة الجنوبية لحلف الناتو، ولم يكن له فيها أي قواعد استراتيجية». وأردف قهوجي أن روسيا التي كانت تحتفظ بنفوذ نسبي بعد انتهاء الحرب الباردة في ليبيا وسوريا و«اعتبرت نفسها مخدوعة بعد تدخل الناتو في ليبيا، ولم يبق له غير سوريا التي يسعى عبرها إلى الوجود والإبقاء على دوره». كما لفت إلى هذه المنطقة في المتوسط «تشكل أيضًا مناطق أساسية بسوق الطاقة الدولي وتصديره إلى أوروبا».
من هذا المنطلق الجيوسياسي، تبرز أهمية حلب التي تشكل نافذة لخلق عمق جغرافي استراتيجي للروس يصل إلى الحدود التركية، علما بأن حلب «تشكل المنطقة الجغرافية الأساسية لاستمرار نفوذ تركيا والغرب لأسباب كثيرة متعلقة بالمصالح التركية»، كما يقول قهوجي. ويضيف: «واشنطن أيضا باتت تشعر بتبعات سياسة أوباما وبتقليص دورها في المنطقة وفشل استراتيجية القيادة من الخلف»، بالنظر إلى أن أوباما «كان يتغنى بالدبلوماسية الأميركية وكان كيري كل شهر يجتمع مع الروس». ورأى قهوجي أن ما حصل في حلب: «هو أكبر فشل لسياسة كيري وأوباما باعتماد الدبلوماسية الأميركية لتحصين النفوذ الأميركي واستخدام القوة الناعمة»، لافتًا إلى أن كيري اليوم «محرج نتيجة ما توصلت له السياسة الدبلوماسية، وهو ما دفع أوباما لجمع الطاقم الأمني لدرس خيارات جديد بعد الفشل الدبلوماسي».
وتابع قهوجي أن إيران «تريد سيطرة النظام على كامل الأراضي السورية وبقاء الأسد على نفوذه»، وأن الإيرانيين «لا يطمحون للتقسيم، وفي حال فشلت سيطرتهم والنظام على كامل سوريا، فإنهم يطمحون للسيطرة على حلب والامتداد باتجاه دير الزور والوصول إلى العراق ليشكلوا امتدادًا جغرافيًا متواصلا من إيران باتجاه اللاذقية ولبنان»، ثم إنهم «يسعون لحماية الحدود الشمالية لسوريا، وهو ما يتطلب السيطرة على حلب التي تحد من التمدد التركي، وبالتالي الناتو باتجاه العمق السوري». إضافة إلى ذلك، حسب قهوجي فإن طهران «تطمح أيضًا بمد أنبوب النفط والغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية أو عبر حلب باتجاه المتوسط».
أمام تعدد الأجندات الدولية، يرى قهوجي أن «الروس استبقوا الأمور وقرّروا التخلي عن التفاوض لاعتبارهم بأن ولاية أوباما باتت منتهية»، وأشار إلى أن موسكو «كانت تطمح للحصول على اتفاق موقع من واشنطن، ولا يهمها التنفيذ، لكن لتضعه أمرًا واقعًا أمام الحكومة الأميركية المقبلة، لكن روسيا لن تستطع انتزاع التوقيع الذي اصطدم بالرد العنيف من القيادة العسكرية، كونه اتفاقا طويل الأمد، كما اصطدم بمعارضة جميع أركان الإدارة الأميركية، ودفع أميركا للشعور بأنها خُدعت».
بعد «الكباش» الروسي الأميركي، بات لحلب «مقاربة جديدة»، يقول قهوجي، إذ «خلعت إدارة أوباما القفازات ولم يعد الصراع ناعمًا»، مضيفا: «سنرى مدى جدية الأميركي بإيقاف التمدد الروسي، فهو يرى أن الروسي ازداد تورطًا، وهذا التصعيد سيعطيه شرعية أكبر لزيادة التدخل العسكري عبر منع المعارضة سلاحًا نوعيًا، رغم أن أزمة ثقة بين المعارضة وواشنطن على ضوء تقاربها مع المتشددين». واختتم: «نحن مقبلون على مرحلة جديدة في الصراح بحلب، وسط توقعات بأن تكون الإدارة الأميركية أكثر استعدادا للتدخل العسكري والدعم وستكون يمينية أكثر ولن تكون كما كانت بالنسبة للروس كما الحكومة الحالية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.