هل الهند مستعدة للتدخل العسكري في أفغانستان؟

باعتها مروحيات عسكرية وتستعد لمزيد من الدعم اللوجيستي بمباركة أميركية

الرئيس الأفغاني أشرف غني (يسار) مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وقعا أمس اتفاقية تعاون في نيودلهي (أ.ف.ب)
الرئيس الأفغاني أشرف غني (يسار) مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وقعا أمس اتفاقية تعاون في نيودلهي (أ.ف.ب)
TT

هل الهند مستعدة للتدخل العسكري في أفغانستان؟

الرئيس الأفغاني أشرف غني (يسار) مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وقعا أمس اتفاقية تعاون في نيودلهي (أ.ف.ب)
الرئيس الأفغاني أشرف غني (يسار) مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وقعا أمس اتفاقية تعاون في نيودلهي (أ.ف.ب)

كان هناك جمع من الضيوف المهمين الذين زاروا العاصمة الهندية دلهي في الآونة الأخيرة. حيث أمضى وزير الخارجية الأميركية جون كيري عطلة نهاية الأسبوع في دلهي، استمتع خلالها بالأمطار والطعام الهندي، وكان هناك الجنرال قادام شاه شاهيم قائد الجيش الأفغاني الذي وصل إلى العاصمة دلهي. كما استضافت الهند ضيفًا آخر وهو الجنرال جون نيكلسون قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وتنتظر الأسبوع المقبل زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني.
فهل هي مصادفة أم أن شيئًا ما بين الهند وأفغانستان والولايات المتحدة يجري ترتيبه من وراء الكواليس؟
يعتقد خبراء الدبلوماسية أن كل هذه الزيارات رفيعة المستوى هي مؤشرات واضحة على أن الهند تعمل في اتجاه الدعم العسكري لأفغانستان، التي مزقتها الحروب. وجاءت التصريحات الأخيرة من جانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لطمأنة كابل بشأن الاستجابة الهندية الفورية لتغطية احتياجاتها العسكرية، على العكس مما كان عليه الأمر في الماضي.
وبدأ الأمر برمته عندما كان مودي يتحدث إلى الرئيس الأفغاني عبر الفيديو خلال افتتاح قصر ستور المجدد في كابل، الذي شيد للمرة الأولى عام 1880، ولكنه تحول إلى ركام مرتين خلال الحروب التي ابتليت بها البلاد. وقال مودي: «دعني أطمئن الشعب الأفغاني أنه في سعيكم لبناء أفغانستان المزدهرة وعملكم على إحلال السلام والأمن والاستقرار في بلادكم، سوف يكون الشعب الهندي بأسره بجانبكم»، مضيفًا: «يحزننا كثيرًا أن نرى أمتكم الكبيرة وهي تجابه التحديات العاتية التي فرضتها عليها الأطراف والكيانات ذات الدعم الخارجي من أجل استمرار العنف والإرهاب».
تصريحات مودي تحمل رسالة إلى الحكومة الأفغانية، التي عانت ولسنوات طويلة من الإحباط في تغطية احتياجاتها العسكرية لمواجهة حركة طالبان، وغيرها من الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، بسبب البيروقراطية الشديدة والحذر الدبلوماسي.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أشار إلى أن الولايات المتحدة سوف تواصل وجودها العسكري في أفغانستان حتى عام 2017، فإن كابل تعد نفسها لمواجهة الانسحاب النهائي للقوات الأميركية، مما سوف يجبر الجيش الوطني الأفغاني على الدفاع الكامل عن البلاد.
الهند، التي أحجمت مرارًا عن توريد الأسلحة الفتاكة إلى الجيوش الأجنبية، غيرت من سياستها مع توريد المروحيات من طراز مي - 25 الهجومية إلى أفغانستان. وفي أعقاب ذلك، سعت أفغانستان، التي في أمس الحاجة إلى المعدات العسكرية والقوة النيرانية والدعم لمواجهة تزايد أعمال العنف الداخلية، وراء مزيد من المساعدات الإضافية من الهند. ولقد تسلم الجانب الهندي المتطلبات الأفغانية خلال الأسبوع الماضي خلال زيارة القائد العام للجيش الوطني الأفغاني، الجنرال قادام شاه شاهيم إلى الهند.
الوزير كيري كان في نيودلهي عندما اجتمع الجنرال الأفغاني شاهيم مع نظيره الهندي الجنرال دالبير سينغ سوهاغ. كما التقى الجنرال شاهيم أيضًا مع 135 طالبًا عسكريًا أفغانيًا من أصل 800 طالب يتلقون التدريبات العسكرية في الهند، على خلفية تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين. وتوفر الهند بالفعل مساعدات التدريب العسكري للجيش الوطني الأفغاني، ولكن يقول المطلعون الآن إن هناك تركيزًا خاصًا على تدريب القوات الخاصة، والعمليات الخاصة، وعمليات مكافحة التمرد.
وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الهندية إن الجنرال شاهيم قدم قائمة بالمعدات العسكرية التي وضعت بالتشاور مع الجيش الأميركي. ومن غير الواضح حتى الآن مقدار المبلغ الذي سوف تسدده أفغانستان لقاء تلك الأسلحة ومقدار ما سوف تحصل عليه أفغانستان بالمجان. وتضم القائمة الأفغانية مزيدًا من المروحيات القتالية، والمروحيات الصغيرة المستخدمة في نقل القوات والطوارئ الطبية، والدبابات، وناقلات الجند المدرعة، والجسور المتحركة، والشاحنات، والمركبات المدرعة، وقطع الغيار للطائرات الروسية الموجودة في الأسطول الجوي الحربي الأفغاني. كما أن هناك مطالب بأن يفتح الجانب الهندي مدرسة للتدريب العسكري داخل أفغانستان.
يقول مصدر بارز في الجيش الهندي من المطلعين على تطورات المباحثات، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: «إن جدول أعمال زيارة الجنرال الأفغاني واضح للغاية. وسوف يقوم الرئيس الأفغاني بوضع الصيغة النهائية الرسمية لتعزيز العلاقات الدفاعية بين البلدين، كما صرحت كابل بشكل قاطع، بأنها سوف تفعل كل ما في وسعها لتلبية احتياجات البلاد وقواتها الأمنية».
وذكرت وكالة «رويترز» الإخبارية نقلاً عن شيدا محمد عبد لي السفير الأفغاني لدى الهند، قوله إن الهند عازمة على إرسال مزيد من الأسلحة إلى أفغانستان، للمساعدة في محاربة المتطرفين، حتى إن كانت باكستان قد أعربت عن قلقها من التعاون العسكري الوثيق بين الهند وأفغانستان، الواقعتين على الشرق والغرب من حدودها.
وقال السفير شيدا محمد عبد لي، إن الأمن الإقليمي آخذ في التدهور، وإن القوات الوطنية الأفغانية في أمس الحاجة إلى الإمدادات العسكرية للاضطلاع بمهمة مواجهة حركة طالبان، وتنظيم داعش، وغيرهما من الجماعات الإرهابية. وأضاف السفير الأفغاني: «نحن ممتنون للهند كثيرًا للمروحيات القتالية التي أرسلتها. ولكننا في حاجة إلى المزيد، بل لعلنا في حاجة إلى كثير من المساعدات».
ظلت أفغانستان في عهد الرئيس الأسبق حميد كرزاي، والحالي أشرف غني، وغير ذلك من الشخصيات الأفغانية البارزة، تطالب الهند باستمرار بتوفير المعدات العسكرية اللازمة. ولكن ولأسباب غير واضحة كانت الاستجابة الهندية في هذا الاتجاه سلبية على الدوام. ولكن الآن، يبدو أن الهند سوف تضطلع بدور قوي وتساعد في بناء القدرات العسكرية للجيش الوطني الأفغاني.
وصرح الرئيس الأفغاني الأسبق حميد كرزاي خلال زيارته الأخيرة إلى دلهي، وفي مقابلة إعلامية أجريت معه بشأن مساعي أفغانستان للحصول على المساعدات العسكرية من الهند: «ظلت الهند تتعامل مع تلك المسألة بحذر شديد، وكنا نتفهم ذلك الموقف من جانبها. فلقد كانت هناك اعتبارات تتعلق بالموقف الباكستاني الحساس، وهو الموقف الذي نرفضه من الجانب الباكستاني، إذ إن أفغانستان دولة ذات سيادة وتملك الحق الكامل في طلب المساعدة من أي جهة تريد. أيضًا، كانت هناك اعتبارات هندية للرؤية الأميركية حول الأمر. ولكن الهند قد ساعدت أفغانستان بالفعل قبل عدة شهور بعدد من المروحيات القتالية، وآمل أن تستمر الهند في بذل مزيد من الجهود لمساعدة أفغانستان».
لعبت نيودلهي دورًا هامًا في جهود إعادة إعمار أفغانستان بعد الإطاحة بحكم حركة طالبان، حيث ضخت ما يزيد على 3 مليارات دولار لبناء مبنى البرلمان الأفغاني، وتجديد القصر الرئاسي، والسدود، والطريق الدائري الأفغاني السريع، والمستشفيات، والمدارس، وتشييد الطرق، وخلافه. كما ساعدت على ربط أفغانستان بالموانئ الإيرانية. بعد تحمله للفشل الباكستاني في الابتعاد عن حركة طالبان في أفغانستان، يستعد الجانب الأميركي الآن للسماح بالتدخل الهندي العسكري في أفغانستان. وبعد سنوات من دحض الحجج الباكستانية بأن ذلك التعاون سوف يسبب زعزعة التوازن الاستراتيجي في جنوب آسيا، يبدو أن واشنطن عازمة على تجاهل تلك المزاعم في نهاية المطاف.
وبدأت الأمور في التغير شيئًا فشيئًا، مع إشارة صادرة من الولايات المتحدة عندما صرح الجنرال جون نيكلسون علنًا الشهر الماضي بأنه ينبغي على الهند تقديم مزيد من المعدات العسكرية إلى الدولة التي مزقتها الحروب. وقال الجنرال الأميركي إن «الولايات المتحدة تقدر الدعم العسكري الهندي المقدم إلى أفغانستان». وعقد الجنرال نيكلسون مباحثات مع المسؤولين الهنود للوقوف على الوسائل التي يمكن للهند من خلالها مساعدة القوات الجوية الأفغانية، التي تعمل من أجل صيانة الطائرات الروسية القديمة لديها بسبب العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.
وقال الجنرال نيكلسون إن الدول المانحة قد ساهمت بمبلغ 4.5 مليار دولار إلى أفغانستان، ولكن تلك الأموال لا يمكن استخدامها في شراء الطائرات الروسية أو قطع الغيار المطلوبة بسبب القيود الناشئة عن الصراع الدائر في أوكرانيا. ولكن الهند غير خاضعة لأي قيود دولية وفق تلك الاعتبارات ويمكنها تصدير المعدات المصنعة روسيًا، التي هي بحوزتها بالفعل أو تطالب باستيراد المعدات وقطع الغيار من روسيا بقصد إرسالها إلى أفغانستان.
وقال الجنرال نيكلسون في نهاية رحلته إن «أي طائرات أو قطع للغيار يمكن للهند إرسالها إلى أفغانستان سوف تكون موضع تقدير وترحيب كبيرين للمساعدة في بناء وصيانة القوات الجوية الأفغانية». وقال أحد الدبلوماسيين الروس إن موسكو تدعم الجهود المبذولة لتعزيز القوات الأفغانية، حتى إن كان لا يمكنها المساعدة المباشرة في تلك الجهود.
وقال بهادر كومار الدبلوماسي الهندي الكبير الأسبق: «إذا تدخلت الهند عسكريًا في أفغانستان، فسوف تضرب عصفورين بحجر واحد، أحدهما هو محاولة تقليص النفوذ الصيني المتزايد في أفغانستان. والآخر هو أن الدور العسكري في أفغانستان سوف يساعد الهند على ممارسة أكبر قدر من الضغوط الممكنة على باكستان. ومن الناحية الاستراتيجية، بكل تأكيد، فإن أفغانستان تقع على هضبة مرتفعة تشرف على الممر الاقتصادي للصين وباكستان».
لكن حذرت حركة طالبان الأفغانية، الهند، من توفير المعدات العسكرية الفتاكة إلى الحكومة الأفغانية. وفي الوقت نفسه، وحيث إن القادة من الولايات المتحدة وأفغانستان والهند يجتمعون في محادثات الحوار الثلاثي المعلن عنه أخيرًا بين الدول الثلاث، فمن المرجح مناقشة القرارات المعنية بالمساعدات الاقتصادية والأمنية الهندية الممنوحة إلى أفغانستان. ولقد قوبل الإعلان عن إجراء المحادثات الثلاثية بالرفض الشديد من قبل إسلام آباد، التي دائمًا ما وجهت كابل الاتهامات إليها بالعمل ضد مصالح أفغانستان.
ومن شأن المحادثات الثلاثية في نيودلهي أن تثير قلق، بل وغضب باكستان، التي بذلت قصارى جهدها لإبعاد الهند، ليس فقط عن السياسة الإقليمية، ولكن من أجل ضمان أن يقتصر الدور الهندي في أفغانستان على عمليات إعادة الإعمار فقط.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».