بعد تدميره داريا.. الأسد يصلي العيد على أطلالها ويتساءل: «لصالح من فعلنا هذا»؟

قصف مدفعي وجوي طال عدة مناطق صبيحة أول أيام «الأضحى» وقبل بدء الهدنة

صبيان من دوما المحاصرة بريف دمشق يسيران قرب مبان مدمرة أول أيام عيد الأضحى أمس (رويترز)
صبيان من دوما المحاصرة بريف دمشق يسيران قرب مبان مدمرة أول أيام عيد الأضحى أمس (رويترز)
TT

بعد تدميره داريا.. الأسد يصلي العيد على أطلالها ويتساءل: «لصالح من فعلنا هذا»؟

صبيان من دوما المحاصرة بريف دمشق يسيران قرب مبان مدمرة أول أيام عيد الأضحى أمس (رويترز)
صبيان من دوما المحاصرة بريف دمشق يسيران قرب مبان مدمرة أول أيام عيد الأضحى أمس (رويترز)

في أول أيام عيد الأضحى وبينما كان موالو نظام الأسد يبالغون في مظاهر الاحتفال بالعيد في حي الميدان والأحياء التي يقطنونها في دمشق، كانت قوات الأسد تواصل دك مدينة دوما في الغوطة الشرقية والزبداني ومضايا المحاصرتين ومخيم خان الشيح الفلسطيني بريف دمشق، بحمم من نار، فيما يقود رأس النظام بشار الأسد سيارته وسط مدينة داريا المدمرة في طريقه لأداء صلاة عيد الأضحى.
ونفى ما يقال عن تهجير قسري لسكان داريا وإحلال سكان شيعة مكانهم، مؤكدا أن «القضية أكبر من داريا» في مشهد سوريالي لا شبيه له في التاريخ، سوى مشهد الإمبراطور الروماني نيرون واقفا في برجه العالي يتسلى بمشهد احتراق روما عام 64م. وبالقدر الذي تداول به إعلام النظام صور الأسد في داريا كدليل لنصر مؤزر على معارضيه، استفزت تلك الصور مشاعر السخط والنقمة في نفوس الغالبية الصامتة من السوريين، لا سيما أهالي داريا الذين نزحوا عنها منذ عام 2012، ويترقبون اللحظة التي يسمح لهم فيها بالعودة إلى مدينتهم وتفقد بيوتهم، وكانوا على مدى عشرة أيام من إخلاء المدينة من المعارضة ومن تبقى من المدنيين المحاصرين، يشاهدون أثاث منازلهم معروضا على أرصفة أسواق المسروقات في المناطق المحيطة بداريا.
تقول عفيفة إنها بكت بحرقة عندما رأت سجادتها، وتعرفها من حرق في طرفها، وأيضا أواني مطبخها، تباع أمام الجامع بمدخل مدينة صحنايا. وتساءلت عما إذا كان بالإمكان أداء الصلاة في داريا.. «فلم لم يسمح لنا بتفقد منازلنا؟».
يذكر أن النظام منع قبل عدة أيام دخول عناصر الميليشيات التابعة له وعناصر الجيش إلى داريا، بزعم أن كثيرا من دخلوا بهدف التعفيش، فقدوا، وذلك لوجود مناطق مفخخة يجب تمشيطها. إلا أن هذا القرار لم يحدّ من تدفق المسروقات من داريا إلى أسواق المناطق المجاورة، ليتبين أن هذا الإجراء كان هدفه تأمين المنطقة التي سيدخلها رئيس النظام وأعضاء حكومته لأداء صلاة العيد، بحسب مصادر في المعارضة بالداخل.
وأدى الأسد، أمس، صلاة العيد في جامع سعد بن معاذ في مدينة داريا المدمرة، بعد عشرة أيام على إخلائها ممن تبقى فيها من المدنيين والثوار المسلحين، بموجب اتفاق تم بإشراف الأمم المتحدة وبمساعدة منظمة الهلال الأحمر السوري.
وأظهر شريط مصور بثه التلفزيون الرسمي الأسد يقود سيارته بنفسه في مدينة داريا في الطريق إلى الجامع، حيث كان ينتظره أعضاء حكومته ومفتي الجمهورية. وقال الأسد أثناء وقوفه على أطلال المدينة التي دمرها سلاح الجو التابع لقواته إنه مصمم على «استعادة كل المناطق السورية من الإرهابيين».
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية «سانا»، فقد قام الأسد بجولة في عدد من شوارع داريا رافقه فيها كبار المسؤولين بعد أدائه صلاة العيد. وقال الأسد إن زيارته إلى داريا «لكي نستبدل الحرية المزيفة.. بالحرية الحقيقية» متهما معارضيه بـ«العمالة المأجورة»، داعيا السوريين «باتجاه المصالحة»، وأعرب عن ثقته بأن أغلبية الأشخاص الموجودين داخل المناطق الخارجة عن سيطرته، «يرغبون بالعودة لحضن الوطن، ولكن هناك أحيانا شك بالدولة وأحيانا خوف من المسلحين». والمفارقة أن الأسد تساءل مستغربا: «لصالح من ندمر مدننا.. ولو نظرنا الآن ونحن في أرض الواقع.. لصالح من فعلنا هذا أو ضد من؟ بكل تأكيد ليس لصالحنا.. لصالح دول أخرى.. ولكن بكل تأكيد هو ضدنا.. فلماذا نكمل بهذا الطريق؟».
وكانت أطراف في المعارضة قد حذرت من قيام النظام بإفراغ داريا من سكانها بهدف إحداث تغيير ديموغرافي في محيط العاصمة، وتوطين سكان شيعة من ذوي عناصر الميليشيات العراقية والإيرانية الذين يقاتلون إلى جانب قوات النظام.
وتأتي زيارة الأسد إلى مدينة داريا قبل ساعات من بدء تنفيذ وقف إطلاق النار المتفق عليه بين موسكو وواشنطن، المقرر في السابعة من مساء أول أيام عيد الأضحى أمس الاثنين، وسط ترقب لمدى نجاحه بعد موافقة النظام السوري عليه.
ومع أن المجلس المحلي لمدينة دوما كان أول الأطراف المعارضة التي أعلنت موافقتها على قرار الهدنة ودعا إلى وقف الحرب، إلا أن أول استهداف جوي لقوات النظام كان من نصيب مدينة دوما صبيحة اليوم الأول من العيد، حيث تم استهداف الأحياء المدنية بثلاثة صواريخ عنقودية أسفرت عن إصابة العشرات من المدنيين بينهم نساء وأطفال، كما أصيب الكادر الإسعافي التابع للدفاع المدني في «مركز 300» بالكامل أثناء قيامه بإسعاف الجرحى جراء القصف العنيف الذي تعرضت له المدينة.
واستهدف قصف مدفعي لقوات النظام الحربي مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين من قبل قوات النظام وميليشيا ما يسمى «حزب الله». كما تعرض مخيم خان الشيخ لقصف عنيف. وفي درعا، ألقى الطيران المروحي براميل متفجرة على تل عنتر الواقع شمال بلدة كفرشمس بريف درعا الشمالي.
وينص اتفاق الهدنة الروسي - الأميركي على وقف كل عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النظام في مناطق أساسية سيتم تحديدها، ووقف القصف بالبراميل المتفجرة واستهداف المدنيين. فيما تلتزم المعارضة باتفاق وقف الأعمال القتالية. ويمتنع الطرفان عن شن هجمات وعن محاولة إحراز تقدم على الأرض. وبعد مرور 7 أيام على تطبيق وقف الأعمال القتالية وتكثيف إيصال المساعدات، تبدأ الولايات المتحدة بالتنسيق مع الروس تنفيذ ضربات جوية مشتركة ضد «جبهة فتح الشام» وتنظيم داعش.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».