في منزل همنغواي.. ونسائه الملهمات

عاش فيه 10 سنوات كتب خلالها «لمن تدق الأجراس»

إرنست همنغواي - منزل همنغواي في {كي ويست} جنوب ميامي
إرنست همنغواي - منزل همنغواي في {كي ويست} جنوب ميامي
TT

في منزل همنغواي.. ونسائه الملهمات

إرنست همنغواي - منزل همنغواي في {كي ويست} جنوب ميامي
إرنست همنغواي - منزل همنغواي في {كي ويست} جنوب ميامي

تقع جزيرة «كي ويست» على مسافة تزيد قليلاً عن مائة ميل جنوب ميامي، وتعنى كلمة «كي» (بالإضافة إلى «مفتاح») جزيرة صغيرة مسطحة. تمتد عشرة جزر تشبه بعضها بعضًا، في شكل قوس، بداية بجزيرة «كي لارغو»، ونهاية بجزيرة «كي ويست»، هنا آخر نقطة إلى الجنوب في قارة أميركا الشمالية. وتبعد عن جزيرة كوبا العملاقة بمائة ميل تقريبًا.
لكن، بالنسبة للروائي الأميركي إرنست همنغواي، لا تبعد «كي ويست» عن كوبا كثيرًا. تفرقهما، كما قال، «الجغرافيا، لكن، يجمعهما التاريخ، والقدر».
وعاش نصف عمره، ثلاثين عاما، في «كي ويست»، وفي كوبا.
ولد همنغواي في ضواحي شيكاغو (عام 1899). ثم حارب في الحرب العالمية الأولى، ثم صار صحافيًا. وعاش في باريس عشرة أعوام تقريبا. ثم انتقل إلى كي ويست (عام 1929)، حيث عاش عشرة أعوام تقريبًا. ثم انتقل إلى كوبا (عام 1928)، حيث عاش عشرين عامًا تقريبا. ثم عاد إلى الولايات المتحدة (عام 1960)، إذ انتحر (كان عمره 61 عاما).
يوجد، اليوم، منزلان تاريخيان لهمنغواي (صارا متحفين): واحد في كوبا. والثاني في كي ويست.

منزل كي ويست

أشهر من منزل همنغواي هو، نصب «ساوثموست»، حيث أبعد نقطة إلى الجنوب في قارة أميركا الشمالية. عبر السنوات، صارت عادة وسط السياح ليأتوا إلى هنا، ليشاهدوا غروب الشمس (وكأنها تغرب فوق كوبا).
يوجد، بالقرب من هنا، «البيت الأبيض الشتوي»، الذي كان المنزل الشتوي للرئيس هاري ترومان. ونزل فيه لفترات قصيرة رؤساء آخرون، مثل إيزنهاور، وجون كينيدي، وجيمي كارتر.
ويوجد بالقرب من هنا، المنزل (المتحف) رقم 907، في شارع هوايتهيد. هنا عاش همنغواي عشرة أعوام تقريبًا، مع زوجته الثالثة، بولين، التي أنجبت له ابنيهما: باتريك وغريغوري. في جانب من المنزل، تعيش خمسون قطة تقريبًا، تسمى «قطط همنغواي».
ويوجد في المنزل برنامج «أعراس همنغواي»، عن حفلات زواج تُعقَد في المنزل، وهو منزل عملاق وفيه حديقة واسعة.
هنا، كتب همنغواي جزءًا من رواية «وداعا للسلاح»، ثم روايات: «أن تملك أو لا تملك»، و«لمن تدق الأجراس؟!» و«ثلوج كلمنجارو».
كان يعيش هنا، ومن وقت لآخر يسافر إلى خارج الولايات المتحدة مراسلا صحافيا. ثم يعود، ويكتب رواية على ضوء سفره. في الحقيقة، كتب كل رواياته عن أحداث وقعت خارج الولايات المتحدة (عدا رواية «أن تملك أو لا تملك»).
عن كي ويست، كتب: «ها هم (أصحاب الشركات الرأسمالية) يجوعون الفقراء. ثم يضغطون عليهم ليرحلوا. ثم يشترون مزارعهم الصغيرة، ويحرقون أكواخهم البائسة، ويبنون محلها عمارات شاهقة، وجميلة، للسياح الأغنياء».
وعن كوبا، قال: «يحكم هذا البلد ديكتاتور قاتل، يسود حكمه على كل قرية في هذا البلد» (يشير هنا إلى حكم الجنرال باتستا، حليف الولايات المتحدة وشركات التبغ والموز وقصب السكر الأميركية، والذي عزلته الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو عام 1959).

أهم رواياته

توجد في المكتبة الكبيرة في منزل همنغواي في كي ويست كل رواياته (بالإضافة إلى مذكراته، وقصاصات صحف، وصور، ومقتنيات). ويشتري الزوار رواياته هنا أكثر من أي مكان آخر. هذه بعضها:
أولاً: «الشمس تشرق أيضا» (1926، عن سنواته صحافيًا في فرنسا). البطل الرئيسي هو جيك، الذي كان صحافيا أميركيا في باريس، ومن نجوم الجالية الأميركية هناك. أغرى البريطانية بريت، رغم أنها كانت متزوجة. وتشاجر مع رجال آخرين بسببها، منهم اليهودي كوهن، الذي نال نصيبه من الشتائم بسبب يهوديته. وتنتهي الرواية بعودة بريت إلى جيك.
ثانيا: «وداعا للسلاح» (1929، عن اشتراكه في الحرب العالمية الأولى). اشترك الضابط الأميركي فريدريك في الحرب مع القوات الإيطالية. ووصف ويلات الحرب. ووصف غرامه للممرضة العسكرية البريطانية كاثرين. لكنها شغلته عن واجباته العسكرية. وكاد يُعدم بتهمة «الخيانة العظمى»، لكنه هرب مع الممرضة إلى سويسرا. هناك أنجبت جنينًا ميتًا. وماتت في غرفة الولادة بسبب نزف حاد. وتنتهي الرواية وهو يعود حزينا إلى منزله.
ثالثا: « لمن تدق الأجراس» (1940، عن تغطيته الصحافية للحرب الأهلية في إسبانيا). كان الأميركي روبرت يقاتل في إسبانيا، مع الميليشيا الجمهورية (اليسارية) ضد «كتائب» الجنرال اليمينى فرانسسكو فرانكو. وصف فيها ويلات الحرب، وكيف قابل، وأحب، ماريا، وهي مقاتلة يسارية إسبانية. لكنه أصيب في انفجار قاتل، فاضطر لأن يودع ماريا، ويطلب من «الرفاق» العناية بها. وتنتهي الرواية وهو يحاول شن هجوم فردي على الأعداء قبل اللحظات الأخيرة من موته.
رابعًا: «العجوز والبحر» (1952، عن سنواته في كوبا). كان سانتياغو، الصياد الكوبي العجوز، قضى ثلاثة شهور في زورقه دون أن يصطاد سمكًا، خصوصا سمكة مارلين العملاقة. وعندما اصطادها، جرته من زورقه، وصارت تجره في البحر ليومين كاملين. وعندما انتصر عليها، وبدا يسبح بها نحو الساحل، هجم عليهما سمك قرش عملاق. لحسن حظ الصياد العجوز، لم يهجم عليه، وهجم على سمكة مارلين. وعندما وصل إلى الساحل، لم يبق من السمكة غير هيكل رأسها العملاق. وتنتهي الرواية والصياد العجوز نائم، يحلم بأيام الشباب.

نساء همنغواي

توجد أيضًا في المكتبة الكبيرة في منزل همنغواي في كي ويست كتب كتبها آخرون عنه. من بين الأخيرة، كتاب «نساء همنغواي».
تقول المؤلفة بيرنس كيرت: «كان همنغواي رجلا فحلا، يهوى النساء، واحدة بعد الأخرى. تبهره امرأة جميلة، فيتابعها، ويخدعها، حتى تقع في شبكته. ثم تبهره امرأة جميلة أخرى..».
حسب الكتاب، كثير من روايات همنغواي عن دول وأحداث زارها أو شاهدها، أو غطّاها صحافيًا. لكن، في كل رواية، تظهر البطلة في صورة واحدة من نسائه.
يتجادل حول هذا الذين درسوا همنغواي: هل تأثر أكثر بالدول والأحداث؟ أو تأثر أكثر بالنساء؟
تميل مؤلفة الكتاب نحو الرأي الثاني. لكنها ترى أن همنغواي، رغم «فحولته».. «فشل في فهم حاجات، وطموحات، وتناقضات النساء»، وإن هذا كان من أسباب طلاقاته وزيجاته الكثيرة (تعنى أن كثرة النساء في حياته ليست سبب فخر له، ولا يجب أن تكون سبب حسد رجال له. وأنها دليل على فشله في فهم النساء، وبالتالي حسن معاملتهن). وقالت إنه، في كل الحالات تقريبا، كان الوضع يمر بالمراحل الآتية:
المرحلة الأولى: يختار النساء المنفتحات والمغامرات (مثله).
المرحلة الثانية: يخضعن له، ويسهرن لراحته.
المرحلة الثالثة: يحس بالسأم، ويبدأ البحث عن نساء منفتحات ومغامرات.
تزوج همنغواى خمس نساء، وعشق خمسًا أخريات. وهذه رموز زوجاته في رواياته:
الأولى: أغناس: ممرضة أميركية. كانت تعمل في مستشفى عسكري خلال الحرب العالمية الأولى، حيث تعالج همنغواي عندما كان جنديا في الحرب. في رواية «وداعا للسلاح»، تظهر في دور كاثرين، انتقدها لأنها كانت قوية الشخصية، ورسمية جدًا.
الثانية: هادلي: صحافية: تقابلا عندما كانا يعملان في مجلة شهرية في شيكاغو. ثم انتقلا إلى باريس حيث عملا صحافيين. في رواية «الشمس تغرب أيضًا»، تظهر في صورة اشلي، المنفتحة والمتحررة (بمقاييس عشرينات القرن الماضي).
الثالثة: بولين: صحافية، عاشت معه خلال سنوات كي ويست. ومنها سنوات غرامه مع مارثا. صبرت كثيرا. وأنجبت له طفلين. وصورها في شخصية ماريا في رواية «وداعا للسلاح»، التي كان البطل يحبها حبا حقيقيا.
الرابعة: مارثا: صحافية: أقام معها عندما كان زوج بولين. لم تعارض ذلك. لكن، بعد أن تزوجها، أقام علاقة مع امرأة أخرى، تركته، وشتمته، وشتمها. كما في شخصية هيلين، في رواية «ثلوج كلمنجارو»، التي كانت تتعارك مع صديقها هاري وسط أحراش أفريقيا.
الخامسة: ماري: آخر زوجاته، عاشت معه في كوبا، واهتمت به عندما كبر في السن، وعندما زادت مشكلاته النفسية. وعادت معه إلى ولاية يوتا، إذ انتحر. لكن، لم يرمز لها بصورة واضحة في آخر رواياته في كوبا: «الشيخ والبحر».



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.