سوريا: معضمية الشام على خطى داريا.. بداية التهجير القسري بخروج مئات المدنيين

إجلاء نحو 300 شخص إلى مراكز إيواء بريف دمشق الغربي

سوريا: معضمية الشام على خطى داريا.. بداية التهجير القسري بخروج مئات المدنيين
TT

سوريا: معضمية الشام على خطى داريا.. بداية التهجير القسري بخروج مئات المدنيين

سوريا: معضمية الشام على خطى داريا.. بداية التهجير القسري بخروج مئات المدنيين

بدأت يوم أمس عملية إجلاء المئات من أهالي مدينة داريا السورية الذين كانوا قد نزحوا إلى معضمية الشام المجاورة، حيث تم نقلهم إلى مراكز إقامة مؤقتة في ريف دمشق الغربي، استكمالا للاتفاق بين النظام وفصائل المعارضة. وفي حين وصف «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الخطوة بأنها «عملية تهجير جديدة بإشراف منظمات»، مشيرا إلى أنه سيجري نقل عشرات المقاتلين ومن يرغب منهم باصطحاب عائلته معه، من المدينة في وقت لاحق إلى مناطق سورية أخرى، رأت فيها المعارضة تمهيدا لإخلاء المعضمية من سكانها على غرار داريا وذلك ضمن مخطط التغيير الديموغرافي الذي يسعى إليه النظام السوري.
عمار الحسن، مدير شبكة رصد في ريف دمشق، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن خروج المدنيين من المعضمية جاء تنفيذا للاتفاق الذي حصل بين لجنة من أهالي المنطقة وممثلين عن النظام قبل ثلاثة أيام، وذلك بعدما وضعوا أمام خيار إخلاء المعضمية أو الحسم العسكري خلال 72 ساعة. وقال لـ«الشرق الأوسط» «اليوم (أمس) اتفق الطرفان على بدء التنفيذ، وقد تم إجلاء أكثر من 300 مدني باتجاه الشمال السوري».
بدوره قال معارض وعضو في مجلس محلي - طلب عدم نشر اسمه - إن قادة الفرقة الرابعة بالجيش السوري المتمركزة في منطقة قريبة من المعضمية طرحوا على المقاتلين شروطا غير قابلة للتفاوض لإخلاء المنطقة خلال 72 ساعة أو اقتحامها. وسيشترط الاتفاق تسليم خمسة آلاف معارض أسلحتهم الثقيلة ومغادرة المعضمية بأسلحة خفيفة للانضمام لفصائل أخرى للمعارضة السورية. وبإمكان أي معارض يقطع علاقته بالانتفاضة الالتحاق بقوة أمنية جديدة في المنطقة.
من جهة أخرى، أبلغ علي خليفة، عضو لجنة المعارضة التي تتفاوض مع قوات النظام في المعضمية «وكالة رويترز» أنه «ليس بالإمكان أفضل مما كان.. حيث خيرنا بين التسوية الشاملة أو تحمل العواقب». ويمثل الاتفاق بالنسبة للمعضمية نهاية انتفاضة داخل البلدة التي يسكنها 45 ألف نسمة. بينما قال كنان نتوف، وهو طالب سابق للهندسة من المعضمية ومقاتل هناك: «صور الأسد اللي مزقناها في المظاهرات رح ترجع، وبصراحة ما عاد في شيء اسمه ثورة في المعضمية، أتمنى أنه ما تكون راحت تضحياتنا سدى».
في هذه الأثناء، أشار هشام مروة، نائب رئيس «الائتلاف الوطني» السابق، إلى أن المعلومات حول الخطط التي يقوم بها النظام متضاربة، واعتبر أن «معضمية الشام تسير على خطى داريا ضمن خطة النظام السوري للتهجير القسري، وبالتالي التغيير الديموغرافي، وهو ما سيحصل أيضا في حي الوعر في حمص». وأضاف مروة خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «الأهالي بعد 4 سنوات من الصمود وضعوا أمام خيار التهجير أو ذريعة (تسوية الأوضاع) أي الاعتقال، وبالتالي تسليم أنفسهم. ومن هنا نرى أن قرار إخلاء المعضمية من سكانها بات مسألة أيام وليس أكثر». وشدّد على أنه وبدل أن يتم تنفيذ القرارات الدولية بإيصال المساعدات إلى العائلات المحاصرة يتم تهجيرها، معتبرا «إن ما يحصل اليوم لن يدوم طويلاً، وسيكون مؤقتا»، مشددا على أن خطط النظام بالتغيير الديموغرافي لن تجد طريقها إلى التنفيذ وسيتم العمل على مواجهتها بكل الطرق.
وفي حين لفت مروة إلى أن «نحو 48 هدنة في مناطق سوريا عدة أدت إلى مغادرة السكان منازلهم نتيجة سيطرة النظام على مناطقهم»، أشار إلى «إن ما يحصل الآن في داريا والمعضمية يأتي ضمن عنوان التهجير القسري بشكل واضح، وذلك على غرار ما حصل قبل ذلك في القصير والزبداني التي أخرج أهلها منها إلى إدلب ليأتي إليها أهالي الفوعة وكفريا».
ويوم أمس، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى انطلاق حافلات النقل الداخلي من نقطة التجمع في معضمية الشام، وعلى متنها المدنيون الذين يصل عددهم إلى أكثر من 300، غالبيتهم من الأطفال والنساء، حيث ستتجه الحافلات هذه نحو مراكز إيواء في منطقة الكسوة وحرجلة بريف دمشق الغربي، بعدما سبقتهم إليها في 26 و27 من شهر أغسطس (آب) الماضي، مئات العائلات من مدينة داريا، التي جرى تهجيرها باتفاق بين سلطات النظام وفصائل عاملة في مدينة داريا بغوطة دمشق الغربية.
للعلم، الإعلام السوري الرسمي أشار إلى أن «خروج» عشرات العائلات «يأتي استكمالا لتنفيذ اتفاق داريا الذي توصلت إليه الحكومة السورية مع الفصائل المقاتلة وتم بموجبه السبت إخلاء داريا بالكامل من المدنيين والمقاتلين على حد سواء». وقالت «وكالة الصحافة الفرنسية» إن عشرات الأشخاص معظمهم من النساء والأطفال بدأوا صباحا الخروج سيرا على الأقدام من معضمية الشام حاملين أمتعتهم باتجاه مدخل المدينة، حيث كانت ثماني حافلات تنتظرهم تمهيدا لنقلهم إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف دمشق. وتولت عناصر من قوات النظام تفتيش الحقائب والتحقق من ورود أسماء الأهالي في لوائح رسمية.
هذا، ويذكر أن حكومة النظام والفصائل المقاتلة في مدينة داريا في ريف دمشق في 24 أغسطس توصلت تحت الضغط والتهديد من جانب النظام وداعميه إلى اتفاق يقضي بخروج 700 مسلح من المدينة إلى مدينة إدلب (شمال غربي سوريا) وأربعة آلاف مدني إلى مراكز الإيواء. وفي اليوم اللاحق، أخلى الجيش المدينة بالكامل تطبيقا لبنود الاتفاق.
داريا، الملاصقة للعاصمة دمشق من الجهة الجنوبية الغربية، تحظى رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، إذ كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد رئيس النظام السوري في مارس (آذار) 2011، وتعد من أولى المناطق التي حاصرها النظام في عام 2012، وقال رئيس لجنة المصالحة في داريا مروان عبيد للتلفزيون الرسمي إن خروج العائلات أمس الجمعة يشكل «المرحلة الثالثة من اتفاق داريا»، موضحا أنهم من النازحين على مراحل إلى معضمية الشام. أما بالنسبة للمعضمية المتاخمة لها من الغرب، فتسيطر الفصائل المعارضة على المدينة التي تحاصرها قوات النظام منذ مطلع عام 2013، وكان المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قد انتقد «استراتيجية» إخلاء مدن محاصرة في سوريا على غرار داريا. وقال: «هل ينبغي أن نتجاهل واقع أن هناك في الوقت الراهن استراتيجية واضحة لتطبيق ما حدث في داريا في الوعر (حمص) ومعضمية الشام؟»، كذلك انتقدت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إخلاء داريا ومناطق أخرى محاصرة تم الاتفاق بشأنها دون إشراف المنظمة الدولية، على اعتبار أنه يمثل سابقة مثيرة للقلق لإعادة توطين المدنيين قسرا بعد حصار للجيش.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.