منذ انتخابه لرئاسة حزب العمال، أبدى جيرمي كوربن عدم اهتمام وأحيانا كثيرة تبرما واضحا من الصحافة. وربما يعبر عن ذلك المشهد الذي حدث بعد فوزه مباشرة بالتصويت لرئاسة الحزب حيث كان يسرع في طريقه على جسر ويستمنستر وتطارده كاميرات محطة تلفزيون «سكاي» والمذيع يسأله «ما رأيك في فوزك بزعامة الحزب؟» لم يلتفت كوربن للمذيع، وإن كان بدا التأفف واضحا على وجهه، واستمر في مشيه سريعا تطارده الكاميرا وسؤال المذيع يعاد أكثر من مرة حتى وصل لسيارة كانت بانتظاره فاستقلها ومضى. المشهد كان مؤشرا على عدم ثقة الزعيم الجديد للعمال بالإعلام.
في البداية اكتفى كوربن بالحديث لعدد من وسائل الإعلام وظهر في برامج محدودة منها برنامج المذيع الشهير أندروو مار، كما كتب مقال في صحيفة «ديلي تلغراف» المحافظة، يدعو فيها القراء للانضمام لحزبه، المقال كان له وقع طيب وأظهر كوربن في ضوء إيجابي ولكنه لم يستمر على ذلك النهج وهو ما منح نقاده فرصة لمهاجمته قائلين إن رئيس حزب العمال غير بارع في التواصل مع الإعلام.
هذه النظرة قد تبدو متحيزة من الإعلام البريطاني تجاه سياسي له باع طويل في المعارضة ضد الحكومات المتعاقبة وسياساتها وحتى ضد حزب العمال، فهو من دائرة السياسي اليساري المخضرم توني بن. ولكن الأسبوع الماضي تفاقمت أزمة كوربن مع الإعلام حيث إنه يخوض معركة ضد نواب البرلمان من أعضاء حزبه والذين صوتوا لنزع الثقة منه واستقال معظمهم من حكومة الظل التي يتزعمها. ولكن كوربن أصر وما زال أنه الزعيم المنتخب وأنه يملك شعبية هائلة لدى أوساط الناشطين والأعضاء الجدد للحزب. خلال معركته للفوز بزعامة الحزب مرة أخرى لجأ كوربن لمناصريه المتحمسين وتوجه لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالفعل استجاب له الآلاف ممن انضموا للحزب من أجله وازداد عددهم في الفترة الأخيرة وهو ما يحسب له حيث تضاعف عدد المنتمين للحزب بشكل هائل ما يجعله أكبر الأحزاب في بريطانيا من حيث عدد الأعضاء.
في مقابلة مع محطة التلفزيون البريطاني الرابعة احتد كوربن على المذيعة التي كانت تقاطعه بالأسئلة وهدر قائلا: «دعيني أكمل كلامي» لم يبد السياسي أية محاولات لكسب ود المحاورة أو الجمهور أيضا، وغاب عنه دهاء السياسيين المعروف والذي يمكنهم من التعامل مع الصحافة والإعلام حتى وإن كان معاديا لهم. وفي نفس الوقت يصر فريق حملته الانتخابية على أن الإعلام متحيز ضده، وهو ما تناوله البرنامج الإخباري الشهير «نيوزنايت» في إحدى حلقاته الأسبوع الماضي حيث استقبل البرنامج ثلاثة من مناصري كوربن للحديث عن موقف الإعلام المعادي لكوربن كما يرونه. وأشار المتحدثون إلى أن الصحف والبرامج دائما ما تسخر من زعيم العمال وتنتقده على طول الخط.
وكأن ذلك كان تلخيصا للماضي واستباقا لما هو آت، فانشغلت الصحف هذا الأسبوع بما أطلقت عليه «تراين غيت»، وهي الضجة التي أثيرت بعد أن صور كوربن فيديو له وهو يفترش الأرض في أحد القطارات، قائلا للجمهور «هذا القطار اليوم مكدس بالركاب» وأن الكثير من الركاب لم يجدوا لهم مكانا للجلوس واستمر ليتحدث عن دعوته لتأميم وسائل النقل العام بعد أن أثبتت الخصخصة أن شركات القطارات لا تقوم بالدور المطلوب منها وسط شكاوى متصاعدة من سوء الخدمات وعدم توفير مقاعد كافية. الفيديو نجح في إثارة النقاش مجددا حول القطارات والأوقات التي يقضيها المسافرون عليها، وخاصة أنها الوسيلة الأساسية للعاملين للتوجه لمقار عملهم في لندن وغيرها من المدن.
لم يرق الفيديو لريتشارد برانسون رئيس شركات قطارات «فيرجين» التي صور الفيلم على متنها، فقام بعرض فيديو مأخوذ من كاميرات المراقبة على القطار تظهر كوربن وفريقه وهم يمشون بين المقاعد التي تبدو خالية من الركاب، مع تعليق برانسون أن على كوربن أن يحجز مقعدا المرة القادمة. اندلعت المعركة بعد ذلك ما بين مناصري كوربن ومعارضيه، فظهر عدد من مساعديه على التلفزيون للدفاع عن رئيس حزبهم قائلين إن القطارات كانت إما محجوزة أو تحمل حقائب، وإن كوربن لم يكذب أو يبالغ في الحديث عن ازدحام القطار. لم يحاول كوربن الرد على برانسون مباشرة واختار أن يتوجه لمناصريه عبر «تويتر» وأن يدع لفريقه الظهور في الإعلام التقليدي. ولكن مراسل القناة الرابعة أثار الموضوع أثناء مؤتمر صحافي عقده كوربن للحديث عن جهاز الرعاية الصحية، ورد كوربن على المراسل قائلا: إن المؤتمر منعقد لمناقشة الخدمات الصحية، واحتد على المراسل الذي أصر على سؤاله مشيرا إلى أنه «يعيش في بلد حر ومن حقه أن يمارس عمله الصحافي»، ثم قرر كوربن أن يجيب على الأسئلة مبديا تأففه مستخدما النبرة الساخرة في كل إجاباته على الصحافي.
تبقى المعركة مفتوحة ما بين سياسي له شعبية كبيرة على الأرض والمناصرين له الذين يشاركونه الأفكار الثورية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات وتأميم وسائل المواصلات، وما بين النقاد الذين يرون أن زعيم حزب العمال يحاول أن يقود معركته بعيدا عن الإعلام التقليدي الذي يراه معاديا له.
هل يحتاج رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن للإعلام؟
علاقة مضطربة ما بين اتهامات للإعلام بالمعاداة.. وانتقادات له بالتعالي
هل يحتاج رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن للإعلام؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة