بيروت تحتل المركز الأول بطعامها متفوقة على أشهر مدن العالم

«الهريسة» و«الفول المدمّس» و«الفتّة» تفوّقت على البيتزا والفيليه مينيون بفضل الطهاة اللبنانيين

الشيف مارون شديد - الشيف شارل عازار - الشيف جو برزا
الشيف مارون شديد - الشيف شارل عازار - الشيف جو برزا
TT

بيروت تحتل المركز الأول بطعامها متفوقة على أشهر مدن العالم

الشيف مارون شديد - الشيف شارل عازار - الشيف جو برزا
الشيف مارون شديد - الشيف شارل عازار - الشيف جو برزا

لم يفاجأ الطهاة في لبنان بالمركز الأول الذي احتلّته بيروت، كأفضل مدينة لتذوق الطعام في العالم حسب إحصاءات موقع «ترافلاند ليجور» الأميركي. فهم يجمعون بأنهم عملوا بجهد منذ سنوات طويلة لنشر الطعام اللبناني في مختلف بقاع الأرض مما جعلهم سفراء المطبخ اللبناني بامتياز.
فحسب الموقع المذكور الذي يجري سنويا هذا الاستفتاء على قرّائه من مختلف دول العالم ضمن «وورلدز بيست أووردز»، لآراء المسافرين والانطباعات التي يحملونها من تجاربهم في هذا المجال، فقد تقدّمت بيروت على بلدان أوروبية وآسيوية في تقديمها أشهى الأطباق. فلا باريس ولا فلورنسا ولا بوردو وسن ميغيل وروما وشيانغ ماي، استطاعت أن تضاهيها في مطابخها رغم أن تلك البلدان تعدّ الأشهر في هذا المجال.
وتناقش قرّاء الموقع بشأن أفضل المدن والجزر في العالم وخطوط الرحلات البحرية والمنتجعات السياحية وخطوط الطيران، فصنّفوها حسب ميزاتها والطعام الذي يقدّم فيها.
ومن هذا المنطلق نجحت بيروت في حصد المركز الأول بين عشر دول أخرى، كواحدة من الأفضل بينهم في الأطباق التي تقدّمها في مطاعمها. وجاءت النتيجة كالتالي: بيروت في المركز الأول ويليها سان سيباستيان (إسبانيا) وباريس في المركزين الثاني والثالث. ولتكرّ السبحة بعدها ولتأتي فلورنسا وبولونيا وروما (إيطاليا) كرابعة وخامسة وسادسة، وسان ميغيل وشيانغ ماي وبرشلونة وبوردو في المراكز الباقية على التوالي.
«نحن نعمل في إطار نشر الطعام اللبناني منذ أكثر من عشرين عاما، ولقد نجحنا في جذب أنظار أهم طهاة العالم إلى أطباقنا». يقول الشيف جو برزا العائد حديثا من روما حيث شارك مع زميله الشيف شارل عازار في مهرجان خاص عرضا خلاله أطباق طعام تترجم نظرتهما إلى المطبخ اللبناني، هو الذي سبق ووقف إلى جانب أهم طهاة القصور والملوك ورؤساء الجمهوريات في العالم ويضيف: «لقد تحوّلنا إلى ضيوف شرف وسفراء فوق العادة للمائدة اللبنانية، فحللنا في مهرجانات وأسابيع طعام شرق أوسطية تجري في العالم أجمع، بحيث يرسلون إلينا الدعوات بالاسم للمشاركة فيها». ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد لمسنا عن قرب مدى اهتمام الطهاة القيمين على هذه النشاطات بحيث كانوا يندهشون بمذاق الطعام الذي نحضّره، وأحيانا كثيرة يطلبون منّا أن يعدّونها معنا على طريقة «Quatre mains» (الأيادي الأربع)، لتجمع ما بين المذاقين الغربي واللبناني معا».
والمعروف أن الشيف برزا ذاع صيته في العالم من خلال تقنيته الحديثة في تحضير الطعام اللبناني التقليدي، فضاهى بأطباقه الصحيّة والبسيطة المكوّنات، ما يحضّره طهاة عالميون أمثال تيري ماركس المعروف بأطباقه المرتكزة على الأوزان الجزئية (بالغرامات). فجال في عواصم العالم (روما، موجان، نيس وغيرها) ويقول: «قريبا سأسافر إلى البرتغال (مدينة الغاف)، لأشارك في مهرجان خاص يستضيف أهم 10 طهاة من سلسلة فنادق (هيلتون) في العالم وأنا واحد منهم، ولأقدم مع زميلي شارل عازار (اختصاصي حلويات) طبق (الفريكة) المالح والحلو معا، كونه اختير من قبل مجلّة (إيل) منافسا بمكوناته للكيناوا الآسيوي».
مشوار طويل بدأه طهاة لبنان منذ سنين في مجال تثبيت المطبخ اللبناني التقليدي بهوية حديثة، ويعدّ الشيف مارون شديد واحدا من بين هؤلاء الذين تركوا بصمتهم في هذا المجال. «لقد فرحت كثيرا بهذه النتيجة التي احتلّتها بيروت، فنحن نعلم جيدا أن مطبخنا اللبناني صار اليوم في طليعة المطابخ الشرق أوسطية، فلم يعد يمر عليه طهاة العالم مرور الكرام، بل يستمتعون باكتشافه وفي التعرف على أطباقه». يقول مارون شديد الذي يستعد لافتتاح مطعم في منطقة الأشرفية ومدرسة لتعليم أصول الطبخ. ويضيف: «لقد شاركت في صالونات غذائية عالمية وبينها مونتي كارلو ومارسيليا ومونبيليه وروما وغيرها، وما أستطيع قوله هو أننا تفوّقنا فيها على غيرنا من أشهر الطهاة في العالم، وما زال طبق (الصيادية مع الريزوتو) الذي قدّمته في مهرجان للطعام في مدينة مارسيليا الفرنسية، يسكن في ذاكرة أهم الطهاة الذين وجدوا هناك إن برائحة بهاراته (كمّون وبهار حلو)، وإن بطعم فيليه السمك الطري المقلي على طريقتي. ويضيف: «لا تقتصر اهتماماتنا بالطبق اللبناني بل نسعى أيضا إلى تعريف العالم إلى منتجاتنا الأصيلة من دبس الرمان والزعتر وماء الزهر والمربات على أنواعها. وهذا ما حملته معي إلى مارسيليا من خلال «سلّة جورجيت» (تحتوي على منتجات لبنانية عريقة)، فأخذ منها كلّ شيف ما أعجبه من مذاق حقيقي للعسل والسماق وغيرها. فهم لم يسبق أن تعرّفوا إلى تلك المنتجات إلا الصناعية منها فكانت بمثابة اكتشاف جديد لهم».
إذن ليس بالصدفة حلّت بيروت في المركز الأول بطعامها متفوّقة على مطابخ عالمية، ويذكر التقرير الخاص بهذه النتيجة مطاعم لبنانية بالاسم ك«السوسي» المعروف بأطباقه التقليدية، من فول مدمّس وبليلة و«فتّة الحمّص، و«الطاولة» وهو المطعم الذي يجمع تحت سقفه أطباق طعام عريقة ومن بينها «الهريسة» تحضّرها طاهيات من مختلف المناطق اللبنانية، لهو دليل حسّي إلى مدى تأثّر زائر بيروت بأطباقها اللذيذة والخارجة عن المألوف. وبالنسبة لعدد كبير منهم، فهم يبحثون عنها في مطاعم لبنانية موجودة في بلادهم، ك«قوليلي» في مانهاتن لصاحبه الشيف فيليب مسعود، و«سمسم» لكريستينا وكارين صفير في مدينة نيويورك.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.