إسرائيل تصادر كافكا

طه حسين أول من عرّف بأعماله عربيًا مقارنًا بينه وبين المعري

كافكا  -  قبر كافكا في براغ
كافكا - قبر كافكا في براغ
TT

إسرائيل تصادر كافكا

كافكا  -  قبر كافكا في براغ
كافكا - قبر كافكا في براغ

قضت المحكمة العليا في إسرائيل قبل أيام بوجوب نقل مجموعة من الكتابات التي كتبها فرانز كافكا، بشكل دائم، إلى المكتبة الوطنية في إسرائيل، منهية بذلك معركة قانونية طويلة استمرت ثماني سنوات. وكان كافكا، الذي توفي بمرض السل في عام 1924في مدينة براغ، قد أوصى ماكس فرود بحرق كتاباته،، وطلب منه أن يحرقها. لكن برود لم يفعل. وعندما هرب الأخير من براغ لفلسطين في عام 1939، أخذ معه حقيبة مليئة بكتابات كافكا. وعند وفاته عام 1968 في تل أبيب، أصبحت الأوراق جزءا من الميراث الذي تركه لسكرتيرته، ولكن المحكمة العليا حكمت بأنها جزء من تراث إسرائيل بعد معركة قانونية استمرت ثماني سنوات

المقابر أكثر شاعرية من صالات الأفراح. هكذا قلت وأنا أفكر بزيارة قبر اليهودي التائه لأقرأ عنده بعضا من قصائد السوري رياض الصالح الحسين.
لنذهب باكرا إلى المقبرة، اقترحت رفيقتي وهي تنظر إلى الخريطة. إنها بعيدة في الدائرة السابعة من المدينة قريبة من الضواحي.
من مالسترنكا إلى جالفسبو سبع محطات في المترو الذي يودي إلى ضواحي براغ، أبنية متشابهة من العهد السابق، والمساكن الشيوعية التي بنتها الدولة، مسبقة الصنع، بشعة متشابهة وكأنها لا تخص براغ.
مائتا كراون ثمن باقة من الورود، ودخلنا في مهابة إلى المقبرة اليهودية المظللة بأشجار لبلاب عملاقة، على الباب مباشرة غرفة بتوسطها حارس المقبرة، رمقني بعينين «قزّازتين»، وقال: «إني لا أستطيع الدّخول حتى أرتدي القبعة اليهودية على رأسي»، يقصد تلك القلنسوة الزرقاء بنجمة سداسية، جعلت جسدي يقشعر. من المستحيل دخول المقبرة أو أي معبد أو مكان ديني يهودي دونها، علي ستر فروة شعري بينما يمكن لرفيقتي أن تدخل بشعر مفلوش ولا أحد يستوقفها، أرشدني إلى مكان وجود القلانيس الزرقاء بحزم، أخذت القلنوسة من الصّندوق الكبير في جوار الباب. ووقفت صامتا لا أعرف ماذا أفعل، ضاق تنفسي فجأة وشعرت أن علي الخروج من هذا المكان، وفعلا فعلت، اجتزت البوابة الكبيرة وصرت خارجا واقفا بذهول، وغضب ولا أعرف لماذا؟
أحمل القلنسوة بين يدي وأشعر أن هناك شيئًا غير عادل، لم يكن كافكا يوما متدينًا يهوديًا، وكان موقفه سلبيًا تمامًا من الصهيونية وتثير لديه الغثيان. ولكن قراءة كافكا المجيرة لمصلحة الصهيونية هي ببساطة تعني تصنيفه وقتله وصلبه. فهو القائل بوضوح لا يحمل أي ريب. ماذا يجمعني باليهود؟ لا أكاد أرى شيئًا يجمعني بنفسي.
«كافكا - كاتب يهودي من وجهة نظر عربية» كتاب صدر بالألمانية للباحث عاطف بطرس، وفيه يتناول المؤلف تاريخ استقبال أدب أحد أشهر الكتاب في العالم، كما يشرح خلفيات النقاش العربي الحاد الذي اندلع حول «صهيونية كافكا».
يسهب الكتاب في الأسباب التي جذبت أعمال فرانز كافكا المثقفين في المنطقة العربية منذ منتصف القرن العشرين. وكان أول من عرف القراء على أعماله باللغة العربية للدكتور طه حسين، وذلك في مقال صدر في منتصف الأربعينات، قارن فيه بين أجواء عالم كافكا والشاعر أبي العلاء المعري معتبرًا أن كلا الأديبين عاش عصرًا من الاضطراب والأزمات والفساد، وأن كليهما عاش متأرجحا بين اليأس والأمل.
طه حسين قرأ كافكا بوصفه كاتبًا كونيًا، متخلصًا من قصر النظر الذي يسعى للتصنيف والقتل الشخصي، وبالتالي إعدام المنتج سلفًا.
ووجد طه حسين في أعمال كافكا حقائق موجعة لكن لا يمكن إنكارها تتمثل في استحالة ربط الإنسان بالرب وعدم فهم الذنب البشري، وعدم معرفة مغزى الحياة، فالتشاؤم يحمي الناس من الكبر والغطرسة.
نشر طه حسين في مايو (أيار) 1933 في مجلة «نجم الشرق» مقالا بعنوان «الاحتقار» التي أجرى فيها سجالا مع آيديولوجية المذهب القومي الاشتراكي (النازي) المناهضة للفكر، ولقد نادى باحتجاجات دولية عقب حرق كتب الكتاب اليهود في برلين، وقام طه حسين بدعوة من يودا ماجنيس رئيس الجامعة العبرية بزيارة القدس عام 1943 (قبل قيام دولة الكيان)، وأظهر تعاطفًا كبيرًا مع مصير اليهود الذين قام النازيون بمطاردتهم وقتلهم. ويهمل الأدب العربي وكتاب السيرة ما فعله عميد الأدب التنويري، طه حسين حقا. ولكن دون أدنى شك كان لهذا الموقف الأثر الأكبر بفتح الثقافة العربية على أدب فرانز كافكا.
غير أن قصة ذات مستوى ضئيل من أدب كافكا اعتمدها البعض، لإدانته واعتباره كاتبا صهيونيا، هي قصة «بنو آوى وعرب».
قام بعض الكتّاب العرب بالمناداة بحظر كتب كافكا، وهناك كتاب عرب تمسكوا بكافكا بقوة بمنتجه، ولم ينتهِ السجال وليس آخره ما كتبه عاطف بطرس بالألمانية أنهى كتابه بالجملة الختامية من قصة كافكا «ورقة قديمة». هذا سوء فهم، سيؤدي بنا جميعا إلى الهلاك.
برسائل كافكا إلى خطيبته سيرد فيها إفصاح عن بعض رغباته بالذهاب للعمل في فلسطين، ولكنه لم يفعلها وتورد لديه جملة متناقضة، يقول فيها: «أنا معجب بالصهيونية، أنا مشمئز منها»، وهي جملة توضح التناقض برأيه حول الصهيونية كحركة تحررية في أوروبة، وحركة استعمارية في فلسطين. فهي كان لها خطابان مختلفان؛ واحد لنصرة اليهود في أوروبا الذين تعرضوا حقًا لأكبر لمأزق وجودي، والآخر كيف تحولت الصهيونية التحريرية في أوروبا إلى شبيه لمن تكافحه في فلسطين.
كل هذا خطر ببالي وأنا واقف أتأمل القلنسوة اليهودية. وأفكر بحجم الشرخ الحقيقي الذي صنعته الصهيونية، بين اليهود والعرب فعلاً. كانت كل الزيارة مهددة، وكل هذا التعب صار على المحك. لا يمكن لي أن أضع هذه الخوذة على الرأسي: قلت لرفيقتي.
كان رفضي حتميًا، فصورة المستوطنين في فلسطين، وهم يحملون رشاشات «العوزي»، ويتقلّسونها هي ما يرتبط في وجداني بهذه القلنسوة. هناك سوء فهم عميق تكرس وتجذر وشخصيًا أنا لا أستطيع البدء بالتفهم، تحت أي اسم لست مؤهلا نفسيا ولا عقليا لذلك. كان علينا أن نهدأ ونتوقف لنشرب بعضا من القهوة ونفكر ماذا يمكن أن نعمل؟ تذكرت فجأة أني قرأت في الموسوعة اليهودية فكرة قد تكون هي الحل.
كل ما في الأمر علي أن أضع قبعتي الرياضية على رأسي، وقد يمكنني المرور. يعني المهم تغطية الرأس، وليس مهما بقلنسوة زرقاء عليها نجمة سداسية أم لا.. وفعلاً أخرجت القبعة الرياضية من الحقيبة ووضعتها على رأسي، وشائنًا من جديد إلى المقبرة. دخلنا بهدوء، ودون النظر إليه مررت بجانب الحارس لم يحرك ساكنًا، كانت مقبرة عظيمة ذات مهابة لونها الأخضر من أغرب الألوان التي رأيتها في حياتي، قبورها عملاقة راسخة، نظيفة جميلة ومرتبة بعناية مدهشة. «المقبرة بتشهي الواحد يموت»، قلت لشريكتي في الرحلة هامسًا.
وصلنا إلى القطاع رقم 21 رقم حظي، بجوار السياج كان قبر فرانز كافكا يجثم هناك تحت سطح من الحصى الأبيض. بجواره قبر أبيه ومقابله قبر صديقه ماكس الذي له الفضل بإبقاء جزء كبير من تراث كافكا حيًا، إذ لم ينفذ طلبه بإحراق مخطوطاته.
هذه الأيام انتشر على وسائل الإعلام الخبر التالي: قضت المحكمة العليا في إسرائيل بوجوب نقل مجموعة من الكتابات التي كتبها الكاتب فرانز كافكا، بشكل دائم، إلى المكتبة الوطنية في إسرائيل، منهية بذلك معركة قانونية طويلة. وكان برود، المنفذ لوصية كافكا، تجاهل الوصية بالحرق، ونشر كثير من أعمال الكاتب، الذي كان يكتب بالألمانية.
عندما هرب ماكس برود من براغ إلى فلسطين في عام 1939، أخذ معه حقيبة مليئة بكتابات كافكا.
وعندما توفي برود عام 1968 في تل أبيب، كانت الأوراق جزءًا من الميراث الذي تركه لسكرتيرته استير هوف، التي أورثتها بدورها لابنتيها، إيفا هوف وروث فيسلر.
وأصرت الأختان المقيمتان في تل أبيب على الاحتفاظ بمجموعة واسعة من الوثائق النادرة، ولكن السلطات دفعت بأنها كانت جزءًا من تراث إسرائيل، ويجب أن تذهب إلى المكتبة الوطنية في القدس.
وبعد معركة قانونية استمرت ثماني سنوات، قضت المحكمة العليا أنه وفقًا لإرادته، لم يكن برود يرغب بأن يتم بيع ممتلكاته بأعلى سعر، ولكن أن تذهب تركته الأدبية إلى المكتبة الوطنية.
وكانت استير هوف باعت بالفعل مخطوطة عمل كافكا الأكثر شهرة «المحاكمة» مقابل مليوني دولار أميركي. واحتفظت العائلة بمعظم المجموعة في بنوك بإسرائيل وسويسرا.
في المقبرة أجد قبر ماكس برود يقابل قبر كافكا كأنه حارسه الأبدي.
ورائي جاء الحارس يسعى، ينظر إلينا بعينين مرتابتين، لم نأبه له، لم أكن على استعداد أن أفرط بقيمة تلك اللحظات بجوار القبر. وبينما انضم إلينا زائر آخر قادم من إنجلترا كان يرتدي قبعة، تشاركنا معا تلك اللحظات العالية من الصمت، تقاسمنا التأمل والنظر إلى القبر. وتبادلنا الابتسامات الودودة قبل أن يغادر بهدوء.
بقيت لأتمم مراسم الزيارة، رتبت باقة الزهر وأسندتها إلى كعب الشاهدة ثم بدأت بالقراءة بصوت جهوري مسموع جعل الحارس يأتي مرة أخرى لينظر إلي «شزرا مزرا»، ويتمتم ببضع كلمات ويمضي. تذكرت قصيدة لرياض الصالح الحسين:
لرجل مات
الخنجر في القلب
والابتسامة بين الشفتين
الرجل مات
الرجل يتنزه في قبره
ينظر إلى الأعلى
ينظر إلى الأسفل
ينظر حوله
لاشيء سوى التراب
لا شيء سوى القبضة اللامعة
للخنجر في صدره
يبتسم الرجل الميت
ويربت على قبضة الخنجر
الخنجر صديقه الوحيد
الخنجر
ذكرى عزيزة من الذين في الأعلى
وضعت رسالة رياض في قلب القبر، بين حجرين ثابتين، وانتقيت 12 حصاة بيضاء أخذتها تعويذة من المقام الجليل، سأقدم بعضها لمن يستحق حبَّ كافكا حين أعود. في حضرة القبر والمقبرة كان علي أن أسند ظهري لشاهدة القبر وأرقش انطباعاتي عن عوالمه. وأكتب كيف أراه وأحسه وأقرأه.. وأقول للعالم على الأقل هذه قراءتي. أعكر صفو عزلته الأبدية فهو الذي قال: لا أعتزلُ الناس لأنني أريد أن أعيش بِسلام، بل لأنني أريد أن أموت بِسلام.

* كاتب من سوريا



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».