84 سنة على ظهور الرواية السعودية

محور رئيس على جدول أعمال ملتقى النقد الأدبي الخامس في الرياض

أساتذة جامعيون ونقاد وكتاب في افتتاح الدورة الخامسة
أساتذة جامعيون ونقاد وكتاب في افتتاح الدورة الخامسة
TT
20

84 سنة على ظهور الرواية السعودية

أساتذة جامعيون ونقاد وكتاب في افتتاح الدورة الخامسة
أساتذة جامعيون ونقاد وكتاب في افتتاح الدورة الخامسة

فرضت الرواية السعودية نفسها على فعاليات ملتقى النقد الأدبي الخامس، الذي اختتم في الرياض الخميس الماضي، فكانت محوره الرئيس هذا العام الذي جاء بعنوان «الحركة النقدية السعودية حول الرواية».
فالموقع الذي تحتله الرواية السعودية، سواء في الإنتاج الإبداعي والفكري، أو من خلال ما تؤديه من وظيفة ثقافية وجمالية في المشهد الثقافي، جعلها تتصدر المشهد برمته، مهيمنة على أوراق الباحثين في الملتقى. وقد أشار وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، الذي افتتح الملتقى، إلى هذه الحقيقة بقوله: «إننا الآن نعيش ما أطلق عليه بعض النقاد زمن الرواية.. فالمبيعات التي تسجلها الرواية تفوق مبيعات دواوين الشعر.. وليس بغريب أن تزاحم الرواية الشعر، فالرواية ابنة المدينة وكل ما يعيش وينمو في المدينة المعولمة سيكون وقودا لحروف الرواية، يملؤها بالحروب وأشكال السلام، وبعراك المجتمعات فيما بينها، وصراع الطبقات الاجتماعية».
وأضاف: «نحن بوصفنا مهتمين بالأدب والثقافة نرى ونراقب حجم الهجرات الكبيرة والكثيرة من الريف إلى المدينة، فهل بوسعنا أن نقول إننا نراقب هجرة فنية من الشعر إلى الرواية؟ لا أظن أن بين هذين الفنين منافسة، ذلك أن الشعر تسجيل لحظة من الحياة، بينما الرواية مجموعة من المدن والمجتمعات بين دفتي كتاب».
تناول الملتقى الذي نظمه نادي الرياض الأدبي وشارك فيه عدد كبير من النقاد السعوديين ومعهم نقاد عرب يتواصلون مع حركة الرواية السعودية من خلال عملهم في الجامعات السعودية، عددا من المحاور، من بينها: منهجية الحركة النقدية السعودية حول الرواية، ودراسة تاريخ الرواية في النقد السعودي، والنقد المضاد للرواية، ومحددات المتن الروائي في الدراسات النقدية، والرواية في الدرس الجامعي، وعلاقة الإعلام بالنشاط الروائي، وكذلك نقد الرواية في الأندية الأدبية.
في ورقتها المعنونة بـ«دراسة تاريخ الرواية في النقد السعودي»، أجرت الدكتورة كوثر محمد القاضي مسحا للكتب النقدية، وبعض الرسائل الجامعية التي درست تاريخ الرواية السعودية للوصول إلى مراحل تطورها. ولاحظت كوثر القاضي أن الرواية في المملكة العربية السعودية ظهرت منذ عام 1930، وكان أول عمل برز على يد عبد القدوس الأنصاري.
وأشارت إلى أن الباحثين والنقاد أصدروا دراسات عن الروايات منذ سبعينات القرن العشرين، وأولهم الدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ، الذي أصدر عام 1975 دراسة بعنوان «النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية من 1900 إلى 1945»، ثم الدكتور بكري شيخ أمين في كتابه «الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية» (1972). والدكتور إبراهيم الفوزان في «الأدب الحجازي الحديث بين التجديد والتقليد» (1981)، والدكتور منصور الحازمي في «فن القصة في الأدب السعودي الحديث» (1981)، والباحث سحمي ماجد الهاجري في «القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» (1987)، والدكتور السيد محمد ديب في «فن الرواية في المملكة العربية السعودية» (1989)، والدكتور محمد صالح الشنطي في «فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر» (1990). ونشر الدكتور سلطان القحطاني كتابه «الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها 1930 - 1989.. دراسة تاريخية نقدية» عام 1998.
ولاحظت الدكتورة القاضي أن «الرواية السعودية مرت بمراحل مختلفة في تطورها، وهي مراحل يمكن أن توفر قدرا من الفهم لطبيعة التطور الفني المنجز في كل مرحلة».
وفي تأريخه لبداية الفن الروائي السعودي، أشار الباحث محمد بن عبد الرزاق القشعمي في ورقته «الفن الروائي وبداياته في المملكة، واختلاف المؤرخين في التسميات!» إلى أن «الرواية العربية في المملكة العربية السعودية بدأت بتأليف عبد القدوس الأنصاري رواية «التوأمان» التي طبعت بدمشق عام 1349هـ/ 1930م».
ولاحظ الباحث أن السعودية كانت واسطة العقد في بدايات الأدب الروائي العربي، إذ لم يسبق المملكة أي من الدول العربية سوى مصر وفلسطين والعراق؛ فقد كانت أول رواية طبعت بالمملكة في عام 1935 وهي «الانتقام الطبعي» لمحمد نور الجوهري. وقد سبقت مصر المملكة برواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، وفلسطين بتأليف رواية «الوارث» لخليل بيرس و«الحياة بعد الموت» لإسكندر خوري عام 1920، والعراق برواية «جلال خالد» لمحمود أحمد السيد التي صدرت عام 1928. أما تونس فقد عرفت الرواية عام 1935، وسوريا عام 1937، ولبنان عام 1939، واليمن عام 1939، والجزائر عام 1947، والسودان عام 1948، والمغرب عام 1957.
أما بشأن الروايات «المؤسسة» لتلك الفترة، فيتحدث عنها الدكتور منصور الحازمي، مبينا أن فترة التأسيس محصورة في ست روايات هي: «غادة أم القرى» لأحمد رضا حوحو، و«فكرة» لأحمد السباعي، و«التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، و«البعث» لمحمد علي مغربي، و«الزوجة والصديق» لمحمد عمر توفيق، و«الانتقام الطبعي» لمحمد نور الجوهري.
وكانت الرواية غير معروفة بهذا الاسم إلا في وقت متأخر، إذْ كانت تسمى «قصة طويلة» كما جاء في مسابقة جريدة «الأضواء» عام 1377هـ رغم أن «الانتقام الطبعي» كتب على غلافها «رواية علمية أدبية أخلاقية اجتماعية».
وتحدث القشعمي عما سماه مرحلة التجديد، التي بدأت برواية «ثمن التضحية» لحامد دمنهوري سنة 1959، والمرحلة الثالثة تبدأ عام 1980 التي يعدها حسن النعمي فترة التحولات الكبرى في مسيرة الرواية السعودية.
دراسات في تاريخ الرواية
وعن تاريخ الرواية السعودية، تحدث أيضا الباحث قليل بن محمد الثبيتي، عضو نادي الطائف الأدبي، معددا أهم الدراسات التي تناولت تاريخ الرواية، ومبينا أن دراسة الدكتور منصور الحازمي التي صدرت عام 1981 أول دراسة تعنى بالسرد السعودي، ثم كتاب «فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور» للدكتور السيد ديب عام 1989 الذي قسم مسيرة الرواية السعودية إلى ثلاث مراحل زمنية هي: المحاولات الأولى، وإثبات الذات، والتطور والتجديد. وبعدهما، أصدر الدكتور محمد الشنطي كتابه «فن الرواية في الأدب العربي السعودي المعاصر» وهو في بابين، الأول: «هاجس التحول» والثاني: «هامش التحول».
أما دراسة الدكتور سلطان القحطاني «الرواية في المملكة العربية السعودية نشأتها وتطورها 1930 - 1989» فانفردت بدراسة الرواية السعودية منذ نشأتها حتى آخر عمل صدر في الثمانينات.
وآخر الدراسات التي تناولت تاريخ الرواية السعودية هي دراسة الدكتور حسن النعمي «مراحل تطور الرواية»، ويقسم النعمي هذه إلى: مرحلة النشأة، ومرحلة التأسيس، ومرحلة الانطلاق، ومرحلة التحولات الكبرى.



جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي
TT
20

جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي

لم يأتِ رحيل المبدع العراقي جمعة اللامي في السابع عشر من هذا الشهر مفاجئاً لمعارفه ومحبيه. إذ لم تحمل السنوات الأخيرة الراحة له: فقد سكنه المرض، وتلبدت الذاكرة بضغوطه، فضاع كثير من الوهج الذي تميزت به كتاباته. وتجربة جمعة اللامي فريدة؛ لأنه لم يكن يألف الكتابة قبل أن يقضي سنواتٍ عدة سجيناً في عصور مضت. لكنه خرج من هذه أديباً، وصحافياً متميزاً.

ربما لا يعرف القراء أنه شغل مدير تحرير لصحف ومجلات، وكان حريصاً على أن يحرر الصحافة من «تقريرية» الكتابة التي يراها تأملاً بديعاً في التواصل بين الذهن واللغة. خرج من تلك السنوات وهو يكتب الرواية والقصة. وكانت روايته «من قتل حكمت الشامي» فناً في الرواية التي يتآلف فيها المؤلف مع القتيل والقاتل. ومثل هذه المغامرة الروائية المبكرة قادت إلى التندر. فكان الناقد الراحل الدكتور علي عباس علوان يجيب عن تساؤل عنوان الرواية: من قتل حكمت الشامي؟ جمعة اللامي. لكن الرواية كانت خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ماورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية). وسكنته روح المغامرة مبكراً. وكان أن كتب مسرحية بعنوان «انهض أيها القرمطي: فهذا يومك»، التي قادته أيضاً إلى محنة أخرى، لولا تدخل بعض معارفه من الأدباء والمفكرين. وجاء إلى القصة القصيرة بطاقة مختلفة جزئياً عن جيله. إذ كان جيل ما بعد الستينات مبتكراً مجدداً باستمرار. وكان أن ظهرت أسماء أدبية أصبحت معروفة بعد حين وهي تبني على ما قدمه جيلان من الكتاب: جيل ذو النون أيوب، وما اختطه من واقعية مبكرة انتعشت كثيراً بكتابات غائب طعمة فرمان، وعيسى مهدي الصقر وشاكر خصباك، وجيل عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي، والذين بنوا عليه وافترقوا عنه كمحمد خضير، وموسى كريدي، وأحمد خلف، وعبد الستار ناصر، وعدد آخر. وكان جمعة اللامي ينتمي إلى هذا الجيل، لكنه استعان بهندسة القصة لتكون بنية أولاً تتلمس فيها الكلمات مساحات ضيقة تنوء تحت وقع أي ثقل لغوي. ولهذا جاءت قصصه القصيرة بمزاوجة غريبة ما بين الألفة والتوحش، يتصادم فيها الاثنان، ويلتقيان في الأثر العام الذي هو مآل القص.

وعندما قرر اللامي التغرب وسكن المنفى، كان يدرك أنه لن يجد راحة البال والجسد. لكنه وجد في الإمارات ورعاية الشيخ زايد حاكم الدولة، وبعده عناية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ما يتيح له أن يستأنف الكتابة في الإبداع الأدبي وكذلك في العمود الصحافي. ولمرحلة ليست قصيرة كان «عموده» الصحافي مثيراً لأنه خروج على المألوف، ومزاوجة ما بين العام والشخصي، اليقظة والحلم، المادية والروحانية. وعندما ينظر المرء إلى مسيرة طويلة من الكد الذهني والجسدي فيها الدراية والعطاء، يقول إن الراحل حقق ذكراً لا تقل عنه شدة انتمائه لمجايليه وأساتذته وصحبه الذين لم يغيبوا لحظة عن خاطره وذهنه، كما لم يغب بلده الذي قيَّده بحب عميق يدركه من ألِفَ المنافي وسكن الغربة.

سيبقى ذكر جمعة اللامي علامة بارزة في أرشيف الذاكرة العراقية والعربية الحيّة.

 كانت روايته «مَن قتل حكمة الشامي؟» خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ما ورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية)