تونس: الرئيس يكلف الشاهد رسميًا برئاسة الحكومة

«النهضة» تدعم قرار الباجي.. والمعارضة تعتبره غير مؤهل لمنصب القائد الحكومي

رئيس الوزراء التونسي المكلف يوسف الشاهد أثناء وصوله إلى مؤتمر صحافي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء التونسي المكلف يوسف الشاهد أثناء وصوله إلى مؤتمر صحافي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
TT

تونس: الرئيس يكلف الشاهد رسميًا برئاسة الحكومة

رئيس الوزراء التونسي المكلف يوسف الشاهد أثناء وصوله إلى مؤتمر صحافي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء التونسي المكلف يوسف الشاهد أثناء وصوله إلى مؤتمر صحافي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة في العاصمة أمس (إ.ب.أ)

كلف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أمس بقصر قرطاج، يوسف الشاهد، وزير الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد المستقيلة، رسميا، بتشكيل حكومة وحدة وطنية، ليحسم بذلك الجدل الدائر حول مدى قدرة الشاهد على تولي رئاسة هذه الحكومة الاستثنائية، ويحسم الجولة الثانية من المشاورات المتعلقة بتكليف «الشخصية الأقدر» على تشكيل الحكومة الجديدة كما ينص على ذلك الدستور التونسي.
وقال يوسف الشاهد رئيس الحكومة المكلف، إنه سينطلق في مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فورا، مضيفا في تصريح أمام عشرات وسائل الإعلام المحلية والعالمية التي اجتمعت في قصر قرطاج، أنه سيعرض حكومته في أقرب الآجال على مجلس نواب الشعب (البرلمان)، ودعا مختلف الأحزاب السياسية والمواطنين بمختلف شرائحهم إلى مساندة الحكومة الجديدة.
ونفى الشاهد وجود نية للمحاصصة الحزبية في تركيبة الحكومة الجديدة، وقال إن «حكومته ستكون سياسية وذات كفاءات، وستغيب عنها المحاصصة»، كما أشار إلى أن المرأة ستكون ممثلة فيها بحجم أكبر مما عرفته الحكومات السابقة، مؤكدا أن المرحلة المقبلة «تتطلب مجهودات وتضحيات استثنائية، وجرأة وشجاعة، ونكرانا للذات»، على حد تعبيره.
وكشف الشاهد عن الأولويات الخمس التي ستعمل الحكومة على تنفيذها، ولخصها في كسب الحرب على الإرهاب، ومحاربة الفساد والفاسدين، والرفع في نسق النمو، وتحسين التوازنات المالية، إضافة إلى النظافة وتحسين جودة الحياة.
ووفق الدستور التونسي، تعود سلطة تكليف رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية، ويمنح رئيس الحكومة المكلف مدة 10 أيام لتقديم تشكيلة الحكومة. وعبرت أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم عن قبولها مقترح الرئيس التونسي، حيث صرح عماد الحمامي، المتحدث باسم حركة «النهضة»، أن حركته تقبل ترشيح يوسف الشاهد لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، بعد ترشيحه رسميا من قبل رئيس الجمهورية.
وبعد أن شدد الشاهد على أن الحكومة الجديدة ستكون سياسية تضم كفاءات، أضاف أنه سيبدأ مشاورات واسعة مع الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية لتشكيل الحكومة الجديدة. وناشد الشاهد في كلمته التونسيين قائلا: «أطلب من التونسيين مساندة الحكومة ودعمها في مهامها، فنحن مطالبون بالنجاح وليس لنا خيار غير ذلك».
وفي مقابل قبول حركة «النهضة» بهذا الترشيح، رفضت أحزاب المعارضة هذا التكليف، إذ قدمت حركة «مشروع تونس»، التي يتزعمها محسن مرزوق الأمين العام المستقيل من حزب النداء الذي ينتمي له يوسف الشاهد، 4 أسماء لتولي منصب رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، لكنها تحفظت عن مرشح رئيس الجمهورية، ورشحت الحركة، التي تضم في صفوفها كثيرا من السياسيين المستقيلين من حزب النداء، اسم كل من مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي التونسي السابق، وحكيم بن حمودة وزير المالية السابق، ومنجي الحامدي وزير الخارجية السابق، إلى جانب سارة بن رجب الرئيسة المديرة العامة الحالية لشركة الخطوط الجوية التونسية (شركة حكومية)، إلا أن هذه الترشيحات لم تجد صداها بين الأطراف المشاركة في المشاورات.
وعلى الرغم من أهمية التنافس على منصب رئاسة الحكومة في مرحلة الانتقال الديمقراطي، فإن معظم المؤشرات تشير إلى أن يوسف الشاهد، الذي يحظى بثقة الرئيس التونسي والمكلف رسميا بتولي رئاسة الحكومة المقبلة، سيلاقي صعوبات كبرى في تشكيل الحكومة المقبلة، على اعتبار أن 9 أحزاب سياسية تأمل في المشاركة في هذه الحكومة، كما أن المنظمات النقابية الكبرى (نقابة العمال ونقابة رجال الأعمال ونقابة الفلاحين) ستسعى بدورها إلى دعم مرشحين داخل التركيبة الحكومية.
وأبدت أحزاب المعارضة، التي يقودها تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي، تخوفا من عودة المحاصصة الحزبية من جديد، وبخاصة بعد أن تسربت أنباء عن حديث بعض الأحزاب عن ضرورة التمتع بحقائب وزارية بعينها، على غرار وزارات السيادة، وقالت إن يوسف الشاهد «يتميز بالنزاهة والاستقامة، ولكنه لا يتوافق مع المعايير والمواصفات التي يجب أن تتوفر في القائد الحكومي» على حد تعبيرها.
وأوضح عصام الشابي، القيادي في الحزب الجمهوري المعارض، في تصريح إعلامي، أن الإصرار على أن يكون رئيس الحكومة من حركة «نداء تونس»، على اعتبار أنه الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية الماضية، سيجعل الحكومة المقبلة بعيدة كل البعد عن حكومة الوحدة الوطنية، التي اقترحها الباجي، ولن تنجح في إرسال رسائل إيجابية لفائدة التونسيين، على حد تعبيره.
وبخصوص بموافقة «النهضة» على تكليف الشاهد بتشكيل الحكومة ودعمها مقترح الباجي، على الرغم من تريثها في إصدار موقف نهائي، أكد أعلية العلاني، المختص في الجماعات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط»، أن النهضة التي تابعت التغيرات السياسية الحاصلة في مصر، ومؤخرا في تركيا «تدرك أن حدة المعارضة السياسية في الواقع الحالي ستعود عليها بكثير من المصاعب التي قد تمس وجودها السياسي، لذلك تسعى إلى مسايرة الموجة وتثبيت أقدامها في المشهد السياسي، دون أن تعمد إلى فرض آرائها على بقية الشركاء السياسيين».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.