أجمع المشاركون في الجلسة الختامية ندوة أصيلة الأولى «الوحدة الترابية والأمن الوطني.. أي مآل لأفريقيا» على أن المراهنة على تضافر الجهود من أجل السلام والديمقراطية والتنمية والحكم الرشيد هي السبيل الوحيدة التي من شأنها أن تمكن الأفارقة من التصدي بنجاعة لمخاطر الإرهاب والإقليمية الضيقة (الحدود الوطنية).
ولخص الخبير السنغالي أليون سال، المدير التنفيذي لمعهد مستقبل الأفارقة في بريتوريا، الذي أدار جلسة أول من أمس، مجموع مداخلات المشاركين في الندوة في قوله: «يمكننا القضاء على الإرهاب، إن كان من المستحيل استئصاله جذريا، وعلى مشاكل الإقليمية الضيقة شريطة تحمل المسؤولية بتشكيل معسكرات للسلام والديمقراطية والتنمية».
وأضاف أن المشاركين في ندوة أصيلة أبرزوا أنه لا بديل عن التحالف الوثيق بين الفاعلين الدوليين وغير الدوليين من أجل مواجهة الإرهاب وتفكيك خلاياه، وهو أمر «يمر بالضرورة عبر مقاربات أمنية وأخرى غير أمنية».
وشدد سال، في عرضه الاختزالي لأشغال جلسات الندوة، على ضرورة أن «يحافظ الأفارقة على جوهرهم الداخلي بقبول التغيير»، داعيا إلى «أخلاقيات للمستقبل» لا يقودها رجال سياسة «ينحصر همهم في الانتخابات المقبلة»، وإنما رجال دولة، بالمفهوم الحقيقي: «منشغلون بالأجيال المقبلة».
وفي مواجهة إشكالية الإرهاب، أوضح الخبير السنغالي أن المتدخلين أكدوا أن «أفريقيا ليست معزولة»، محملا مسؤولية مخاطر الإرهاب المستفحلة لقوى عظمى تنتج الأسلحة المدمرة وتسوقها في عدد من بلدان القارة.
في سياق ذلك، انتقد محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير خارجية المغرب الأسبق، سلبية هذه الدول الكبرى التي لم تأخذ مأخذ الجد الخطر الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباقي بلدان القارة الأفريقية إلا عندما تهددها الإرهاب في عقر ديارها.
وأكد بن عيسى، وهو أيضا رئيس بلدية أصيلة، أن التمويل هو مظهر آخر لا يقل أهمية إن لم يزد، عند التطرق لموضوع الإرهاب، وقال إنه «لا توجد حركة أو مجموعات إرهابية يمكنها أن تبقى من دون مال».
من جهة أخرى، وفيما يخص أفريقيا، أوضح بن عيسى أنه «لا يمكننا أن ننكر أنه في المنطلق، قام كثير من البلدان بتشجيع الإرهاب». وأشار إلى أن الأمر هو ذاته بالنسبة للحركات الانفصالية في بلدان شرق أفريقيا وإريتريا والوضع في السودان وحركة «الشباب» في الصومال.
وأبرز بن عيسى أن «دولا شاركت، بطريقة لا مسؤولة، بشكل مباشر أو غير مباشر في تشجيع الإرهاب لأسباب تافهة، كان من نتائجها بروز جماعات إرهابية من قبيل بوكو حرام»، مشيرا إلى غياب مبادرات جدية على الصعيد الأمني والتسليح والعلاقات بين الدول من شأنها أن تؤدي إلى التضامن المرغوب فيه لمواجهة هذه الظاهرة.
بدورها، أثارت الباحثة المصرية أماني الطويل، مديرة الوحدة الدولية والبرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عضو المجلس المصري للشؤون الأفريقية، مسؤولية الفاعلين غير الرسميين في تشجيع الإرهاب، وبالأخص الشركات متعددة الجنسيات التي تدفعها مصالحها الاقتصادية إلى دعم بعض الأنظمة أو دعم مطالب انفصالية تهدد الحدود الوطنية.
وعرف السفير موحى وعلي تاكما، مدير مديرية الشؤون الأفريقية السابق بوزارة الخارجية المغربي، الإرهاب بكونه وسيلة تعبير عنيفة تقوم بها أقلية من أجل فرض وجهة نظرها أو مواجهة الآراء السائدة على حيز ترابي، مضيفا أنه يتعين على السلطة السياسية أن تتخذ التدابير الضرورية كي لا يتفتت الإجماع الوطني والاجتماعي في البلد.
ورأى تاكما أنه كلما كان الفارق في الثروات بين المجتمعات واضحا تمظهر العنف، ومن هنا تأتي، في نظره، أهمية «إيجاد توازن بين الحداثة والأصالة» انطلاقا من مبدأ أنه «إذا انفتحنا بشكل مبالغ فيه نذوب، وإذا انغلقنا بشكل مبالغ فيه نختنق».
واعتبر سيليستين كريستيان تسالا تسالا (الكاميرون)، المتخصص في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية، من جانبه، أن الإرهاب هو «فيروس» انتقل إلى أفريقيا، حيث تقليد المجتمعات التي تعيش بشكل جماعي.
وأضاف تسالا تسالا، رئيس قسم التخطيط والتنمية وعميد جامعة ياوندي، أن هدف المجموعات الإرهابية من قبيل «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«داعش» هو السيطرة على القارة برمتها، مشددا على ضرورة تضافر جهود البلدان الأفريقية من أجل بلورة استراتيجية جماعية لوضع حد لهذه المجموعات مع تأمين مجال سوسيواقتصادي من أجل إدماجها.
في غضون ذلك، أكد الخبير الأفريقي على أهمية التصدي للنظام التربوي من أجل استرجاع الأشخاص المغرر بهم في صفوف الجماعات الإرهابية، وجلهم شباب لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة.
وأبرز السفير الغاني، كوبينا عنان، أهمية الأخذ بالاعتبار مآل الفئات الهشة، خاصة النساء والأطفال، في سياسات مكافحة الإرهاب، معتبرا أن المجتمعات المدنية لها دور كبير يمكن أن تقوم به في هذا الإطار.
وكانت المناقشات قد تمحورت، خلال جلسة سابقة من الندوة ذاتها، سيرها حسن أبو أيوب، سفير المغرب في إيطاليا والوزير السابق، حول قضية الحدود الوطنية من زاويتي اعتبار ظاهرة الإرهاب نفيا للتراب الوطني واعتبار هذا الأخير سيادة للدولة.
وفي هذا الإطار، أكد محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، أنه عند الحديث عن الإرهاب فهو ظاهرة جديدة ولكنه بدأ يأخذ بعدا جديدا في أفريقيا.
وأوضح قائلا: «إننا في طريقنا لنشهد موجة جديدة وانقلابا كبيرا في مفاهيم الأقاليم والفضاءات والأعداء والأمن والدفاع وغيرها»، مشيرا إلى أنه على الدول تكييف عملها ترقبا لعقد قادم سيشكل فيه الأمن «تحديا أساسا».
وحذر بنحمو من أن التوجه الحالي هو في اتجاه «انتشار المجموعات الإرهابية، وهي ظاهرة ستبلغ عددا من الأقاليم، ما يطرح قضية تكيف الدول»، مشيرا إلى أن الإرهاب يتغذى من الفراغ، بما في ذلك الفراغ القانوني وسلطة الدولة.
وقال إن ما يبرهن على ذلك هو الوضع في أفريقيا حيث «توجد أقاليم كثيرة خارج سيطرة الدولة»، مضيفا قوله إن «الواقع اليوم هو تقاسم مجموعات إجرامية السيطرة على أراض تعاني من الفراغ الذي خلفته الدولة».
وعزا خالد الشكراوي، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، انهيار عدد من الدول في أفريقيا إلى عوامل داخلية وخارجية. وأضاف أن الإرهاب ظاهرة ترتبط ببعدين هما الفضاء الجغرافي والارتباط بالمجموعة.
وشدد الباحث عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، من جانبه، على أهمية حكامة أمنية تقوم على مقاربة لحقوق الإنسان، معربا عن اعتقاده أن «الأزمة موجودة لكن يجب احترام حقوق الإنسان»، وأن «السلام ليس منافيا للقيم الإنسانية».
في السياق ذاته، استعرضت مديرة البرامج والمشاريع بالمركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، أسماء الصبار، التجربة المغربية التي تدمج حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب.
وأوضحت الصبار، التي تشغل أيضا منصب الأمينة العامة لمنتدى مراكش للأمن الأفريقي، أن الأمر يتعلق بمقاربة أمنية تقوم على تعزيز الحكامة الأمنية في إطار احترام حقوق الإنسان ومكافحة الفقر والفوارق الاجتماعية والإقصاء والدفاع عن قيم التسامح الديني والمواكبة التربوية.
يذكر أن برنامج الندوات والملتقيات لموسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته 38 الذي تنظمه مؤسسة منتدى أصيلة تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، يتضمن ثلاث ندوات أخرى في مواضيع «الحكامة (أو الحوكمة) ومنظمات المجتمع المدني» (21 - 23 يوليو (تموز) و«النخب العربية الإسلامية.. الدين والدولة» (24 - 26 يوليو) و«الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية» (27 يوليو).
التصدي بنجاعة لمخاطر الإرهاب في أفريقيا يهيمن على ندوة أصيلة الأولى
خبراء راهنوا على السلام والديمقراطية والتنمية للقضاء على مخاطره والإقليمية الضيقة
التصدي بنجاعة لمخاطر الإرهاب في أفريقيا يهيمن على ندوة أصيلة الأولى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة