المعارضة تطلق في جنوب دمشق معركة لـ«تشتيت قوى النظام».. وفك الطوق عن داريا

الفرقة الرابعة تتولى حصارها لكونها عمقه الاستراتيجي

جندي من فيلق الرحمن خلال مواجهات بضواحي الغوطة (أ.ف.ب)
جندي من فيلق الرحمن خلال مواجهات بضواحي الغوطة (أ.ف.ب)
TT

المعارضة تطلق في جنوب دمشق معركة لـ«تشتيت قوى النظام».. وفك الطوق عن داريا

جندي من فيلق الرحمن خلال مواجهات بضواحي الغوطة (أ.ف.ب)
جندي من فيلق الرحمن خلال مواجهات بضواحي الغوطة (أ.ف.ب)

حركت قوات المعارضة السورية وحلفاؤها جبهة جنوب غربي العاصمة دمشق، بهدف «تشتيت قوى النظام في المنطقة، وتخفيف القبضة الأمنية عن مدينة داريا في الغوطة الغربية لدمشق»، وفي المقابل، دفع النظام بتعزيزات من الفرقة الرابعة إلى محيط داريا وكثف ضرباته الجوية، في محاولة لمنع أي خرق على جبهة حيوية من شأنها أن تهز أمن عاصمته.
مصدر قيادي في الجيش السوري الحر في الجبهة الجنوبية أكد لـ«الشرق الأوسط» أن 11 فصيلا من قوات المعارضة السورية، أطلقوا معركة في جنوب البلاد، تشمل الريف الجنوبي الغربي للعاصمة السورية، وريف محافظة القنيطرة في غرب البلاد؛ بهدف «إحداث خرق على الجبهة وتشتيت قوات النظام التي ستضطر إلى توزيع قواها على جبهات عدة؛ ما يلزمها تخفيف الضغط عن داريا». وتابع أن المعركة «بدأ التخطيط لها قبل أسبوعين حين قررت (جبهة النصرة) توسعة رقعة المعارك على مساحة الجغرافيا السورية؛ وهو ما دفع قوات النظام إلى تكثيف ضرباتها الجوية باتجاه خان الشيح في الغوطة الغربية لدمشق».
المعارك التي بدأت على شكل عمليات تحذيرية اتخذت طابع الكر والفر في الأسابيع الماضية، انطلقت أمس (الجمعة) في إطار منظم؛ إذ أعلنت فصائل إسلامية ومقاتلة عدة في درعا في بيان لها بدء معركة أطلقوا عليها اسم «هي لله»، شارك فيها كل من «ألوية الفرقان»، و«فوج المدفعية»، و«جبهة ثوار سوريا»، و«أنصار الإسلام»، و«بركان حوران»، و«السبطين»، و«بدر الإسلام»، و«أحرار الإسلام»، و«أجناد الشام»، و«شهداء الحرية»، و«الفرقة 46»، و«توحيد حوران»، و«لواء الكرامة». وتركزت الاشتباكات في محور مسحرة بالقطاع الأوسط من ريف القنيطرة، بين الفصائل الإسلامية والمقاتلة من جانب، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جانب آخر، وسط قصف جوي ومدفعي يستهدف مناطق الاشتباك ومناطق أخرى في بلدة مسحرة.
ومن ثم توسعت المعارك لتشمل مناطق واسعة في مثلث القنيطرة – درعا – ريف دمشق المعروف باسم «مثلث الموت»؛ إذ أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الاشتباكات تواصلت في محاور تلال العلاقيات وبزاق وغرين في منطقة مثلث الموت ومحور مسحرة بريف القنيطرة الأوسط. كما قصف النظام مناطق في بلدتي أم باطنة ومسحرة بالقطاع الأوسط من ريف القنيطرة، فيما قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة مناطق في مدينة داريا بالغوطة الغربية، وسط قصف عنيف من قبل قوات النظام استهدف مناطق في المدينة. كما نفذت طائرات حربية غارة على مناطق في محيط مخيم خان الشيح بالغوطة الغربية.
في السياق نفسه، شن الطيران الحربي النظامي غارتين بالصواريخ المحملة بالقنابل العنقودية على المزارع القريبة من بلدة خان الشيح من جهة منطقة العباسة الخاضعة لسيطرة المعارضة، بينما تعرضت مدينة داريا لقصف مدفعي مصدره الجبال التي تتمركز فيها الفرقة الرابعة استهدف وسط المدينة بالتزامن مع قصف بقذائف الهاون، بحسب ما أفاد «مكتب أخبار سوريا».
المعركة الهادفة لفك الطوق عن داريا: «من الصعب أن تحقق هدفها الآن»، كما قال قيادي عسكري في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن «الأهمية الآن هي إحداث خرق يساعد على إدخال المساعدات والعتاد العسكري، بما يمكّن المقاتلين من الصمود»، علما بأن إدخال العتاد العسكري إلى المدينة تضاءل إثر الحصار المستمر للمدينة، الذي حال دون إدخال أسلحة نوعية أو ثقيلة، ذلك أن إدخال السلاح يقتصر على محاولات تهريبها عبر الأنفاق التي تستخدم أيضًا لإدخال المواد الغذائية لإنقاذ آلاف المدنيين في داخل المدينة.
في هذه الأثناء، كثف النظام وتيرة قصفه لمدينة داريا، والمناطق المحيطة بها، منذ أسبوعين، بالتزامن مع شن عمليات عسكرية برية ومحاولات للتوغل إلى داخل المدينة - الضاحية، رغم أنه فشل وتكبد خسائر كبيرة، كما قال ناشطون. ويسعى النظام بقصفه المناطق المحيطة بها، لإجهاض أي عمل عسكري من شأنه أن يخفف الطوق عن المدينة. وحسب مصدر معارض تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن النظام «سلم قرار داريا للفرقة الرابعة في الجيش التي يترأسها ماهر الأسد، وعزلها عن أي جبهة أخرى؛ وذلك لأنه يعتبرها منطقة حيوية وعمقًا استراتيجيًا للعاصمة السورية، كما أنه يعتبرها خط الدفاع الأخير عن مطار المزة العسكري». وأردف المصدر، أن تسليم قرار داريا للفرقة الرابعة «يعرب عن عدم ثقة النظام بأي من فيالقه العسكرية؛ مما اضطره إلى تشديد القبضة الأمنية بنفسه عليها عبر وضعها تحت إشراف ماهر الأسد».
ما يذكر أن الموقع الجغرافي لداريا يتيح للمعارضة في داخلها استهداف مطار المزة العسكري الملاصق لها، كما يتيح لمقاتلي المعارضة استهداف أحياء دمشق السكنية، وخصوصًا منطقة المزة والمناطق الأمنية والعسكرية والسياسية التابعة للنظام، ومقراته المهمة؛ وهو ما يدفع النظام لتشديد قبضته حولها. وكان جيش النظام قد تمكن مؤخرا من السيطرة على أطراف داريا وصولا للأبنية السكنية جنوب «السكة» شرق جامع نور الدين الشهيد، مضيقا الخناق على نحو ثمانية آلاف مدني ومئات مقاتلي المعارضة المحاصرين داخل المدينة منذ سنوات. وكان ثلاثة قتلى وجرحى عدة سقطوا في داريا الخاضعة لسيطرة المعارضة أمس، جراء القصف النظامي الذي استهدفها، تزامنا مع محاولة اقتحام جديدة للمدينة من الجبهة الجنوبية الغربية باستخدام كاسحة ألغام وعربة مدرعة «شيلكا» ودبابات عدة، سبقها قصف مدفعي عنيف واستهداف المدينة بالبراميل المتفجرة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.