من يحكم العالم الجديد؟

جورج قرم يطرح سؤالا واحدا أساسيا في آخر كتبه

من يحكم العالم الجديد؟
TT

من يحكم العالم الجديد؟

من يحكم العالم الجديد؟

يطرح الدكتور جورج قرم في مقدمة كتابه «حكم العالم الجديد} سؤالا أساسيا ليستفيض في دراسة معمقة ‏للإجابة عن جوانب المسألة كافة. هل العولمة حتمية؟ هو، أولا، يرى أن الحديث عن ‏عولمة الاقتصاد والمجتمعات وصيرورتها نحو {الإجمالية}، بمعنى دمج الاقتصاديات ‏الوطنية في الاقتصاد العالمي الإجمالي عبر تحرير الأسواق، بات مألوفا منذ الثمانينيات من ‏القرن الماضي، وبتنا نرتوي بتفاهات رتيبة همّها الحديث عن متطلبات العولمة وضرورة ‏التأقلم معها. حتى إن ثمة دليلا تقنيا معتمدا في تقويم درجة اقتصاد ما بالعولمة أعدته ‏منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يستند إليه في تصنيف البلدان وفقا لدرجة شمول ‏العولمة لاقتصادياتها.‏
قلما يطرح في هذه الأوساط التساؤل حول ما تمت عولمته: هل هي أصناف جديدة من ‏العطور، أو مواد التنظيف، أو حفاضات الأطفال، أو السيارات، أو أصناف من ‏الأطعمة المجلدة يتناولها المرء ويستمتع بها من دون معاناة في تحضيرها؟ أم هي ‏المعرفة والتقنية اللتان تسمحان لكل المجتمعات بالمضي قدما والارتقاء بنحو أسرع ‏على درب الرفاه والازدهار؟. كيف يتم جعل السلع المادية أو غير المادية معولمة؟ ‏وبأي عصا سحرية، وبفضل أي جبابرة يقبضون بقوتهم الخارقة على العالم بأسره؟. ‏وكيف السبيل إلى الحد من سلطاتهم الهائلة وإعادة شيء من الرشد والفلسفة الأخلاقية ‏إلى النظام الاقتصادي المعولم بحيث نستطيع تحقيق التصحيح الفعال لانحرافات هذا ‏النظام ومظالمه الأكثر ضررا؟
يرى المؤلف أن كل تأمل نقدي في وسائل الحد من مساوئ العولمة المتحققة لتفكيك ‏آلياتها الأكثر ضررا، سيتوقف على مدى ملاءمة التحليلات التي تستثيرها مساعي ‏توفير الأجوبة عن تلك الأجوبة. لقد كان بالإمكان تعليق الآمال على أن تؤدي الأزمة ‏المالية والاقتصادية التي هزّت العالم منذ عام 2008 إلى إطلاق إصلاحات واسعة ‏تحت ضغط مضاعفة الحركات الاحتجاجية، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل لأن ‏متخذي القرار وصنّاع الرأي لم يبرحوا يتباهون بحسناتها، كخلق {آليات سوق} جديدة ‏بلا انقطاع، وما توفره من الربح السريع والمضاربات المالية.‏
المستغرب، كما يرى الكاتب، أن هناك انعداما لفعالية الاحتجاجات، بخاصة إذا أخذنا ‏في الاعتبار ما برهنت عليه الحركات الباحثة عن عولمة بديلة من حيوية على الرغم ‏من أن الأزمة الراهنة كشفت النقاب عن أكثر ما في الإجمالية الاقتصادية من وجوه ‏تصدم الضمير، ثم إن الأزمة نفسها، تماما على غرار أزمة عام 1929 من القرن ‏الماضي، تجعلنا نتحسس اللامعقولية التي تتميّز بها عولمة من نوع معيّن.‏
إن مواصلة إطلاق العنان لاستهلاك يشمل سلعا عبثية الطابع لا حاجة فعلية لها في ‏الحياة إلا التباهي باقتنائها، ولـ{ابتكارات} مالية أكثر فتكا جرى تطويرها من قبل ‏علماء أفذاذ في الرياضيات ممن وظفتهم المصارف المتخصصة في الاستثمارات لتزيد «سُميّة} المنتجات وعدواها، وتروج لها، كل ذلك ليس سوى رأس جبل الجليد لعملية ‏تفكيك المجتمعات، وانهيار تماسك فضاءاتها الاجتماعية والاقتصادية والمالية.‏
يرى المؤلف أنه بعيدا عن أي اعتبار أخلاقي ومعنوي متصل بالعدالة في توزيع ‏المداخيل، فإنه من المناسب معاينة انهيار التناغم والتماسك في الفضاءات الاقتصادية ‏التي تضم المجتمعات المتنوعة الآهلة بالكوكب. وليس هذا الانهيار في تماسك ‏الفضاءات الاجتماعية الاقتصادية ظاهرة جديدة، بل هو ثمرة تفكك مزمنة لبنى ‏المجتمعات، عملية بدأت مع فتح الأميريكتين وواصلها الاستعمار الأوروبي لأفريقيا ‏ومناطق شاسعة من آسيا وأستراليا.‏
في أعقاب العصر الاستعماري، ضاعفت الليبرالية الجديدة الظافرة من حجم هذه الحركة ‏التفكيكية للبنى، عن طريق نزع الحمايات التي كانت لا تزال تضبط إلى حد ما ‏تبادلات السلع والخدمات، وحركات الرساميل، وحركة الأفراد. وضمن هذا التيار الذي ‏يبدو عصيا على الاحتواء، يتم تفكيك بنى المجتمعات وتفتيت الأسر بواسطة حركات ‏هجرة واسعة المدى، ويجري انتزاع تدريجي لصلاحيات أجهزة الدولة الضامنة للفضاء ‏الاقتصادي للمجتمعات، أو يجري إخضاع تلك الأجهزة في غالب الأحيان للمصالح ‏الخاصة العائدة للمجموعات المستفيدة من العولمة وما تمارسه على قطاعات عريضة ‏من الرأي العالمي من تأثير آيديولوجي ذي طابع ديني شبه كامل. وهذا يواصل تعميم ‏العولمة اليوم، ما صنعته القرون السالفة من أعمال في تفكيك البنى الاجتماعية. وهذا ‏في نظر بعضهم هو موضع الإعجاب والتملّق، أمّا في نظر البعض الآخر فهو ‏مثار كره ومقاومة.‏
يرصد المؤلف جملة التحليلات والوصفات والنظريات والكتب التي صدرت خلال ‏السنوات الأخيرة لوصف ونقد أضرار العولمة الاقتصادية، ويعدد الكثير من هذه ‏المؤلفات التي لا مسايرة فيها ليخلص إلى أن البعض قد استوحى المذهب الماركسي ‏لمناهضة العولمة ومنددا تنديدا شديدا بالنظام الرأسمالي وبسياسات الغرب للسيطرة على ‏العالم. بينما ركز البعض الآخر على العبث بموارد الكوكب وعلى آثار النزعة ‏الاستهلاكية على العلاقات الاجتماعية و{جعل كل ما في العالم سلعة}، أو على ‏سيطرة وسائل الإعلام على الأذهان. وأخيرا فقد انتفض بعض المؤلفين من أصحاب ‏الجرأة الذين انتسبوا سابقا إلى النخبة الاقتصادية المسيطرة في وجه ما رأوه داخل ‏النظام بالذات فنددوا به تنديدا شديدا مقترحين إجراء إصلاحات جوهرية قبل أن تنفجر ‏الأزمة بالذات، وذلك بغية أن تكون للعولمة آثار إيجابية وليس آثارا مفككة فحسب.‏
لا يحاول المؤلف استعادة تلك التحليلات، إنما يسعى إلى سبر العوامل الثقافية ‏والاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكثيرة التي منحت حركة العولمة تلك القوة منذ ‏نصف قرن. إن هذه الحركة تبدو اليوم غير قابلة للكبح، لا سيما أنها أصبحت تمسّ ‏الكثير من البلدان الواقعة خارج النطاق الغربي، من قبيل تلك البلدان المسماة {ناشئة} ‏أو {صاعدة} في جنوب شرقي آسيا، أو مجموعة كبيرة تقريبا من البلدان العملاقة الحجم ‏بعدد سكانها كالصين والهند والبرازيل. من ناحية أخرى تبدو العولمة مندرجة بعيدا ‏ضمن المنطق الحتمي للأمور إلى حد يجب معه عدم الاستغراب من أن الأزمة ‏الاقتصادية لم تستطع منذ 2008 شيئا سوى إثارة مقترحات إصلاحية جزئية جدا ركزت ‏بصورة أساسية على تحكم أفضل بالنظم المصرفية المعولمة.‏
أما في الأوساط السياسية والأكاديمية، فلم يلاحظ المرء، عمليا، أي اتهام حقيقي ‏لطبيعة العولمة وما اتخذته من أشكال، بل على العكس من ذلك جرت معالجة الأزمة، ‏حصريا تقريبا، باعتبارها مشكلة تقنيات مصرفية ومالية ينبغي إصلاحها، أو ضبطها ‏في أفضل الأحوال. فالحاضن الوحيد للمواجهة كان مؤتمر البيئة العالمي المنعقد ‏بالدنمارك في ديسمبر (كانون الأول) سنة 2009 الذي اختتم بجلسة سادتها ممارسات ‏تتصف بالفظاظة وقلة لياقة غير مألوفة.. وفيما عدا ذلك، فإن إجراء أي تعيين أو ‏تحليل للأسباب الأولى التي أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية المتعاقبة، ‏وخصوصا تدهور بيئة العالم المادية والإنسانية، يؤكد أن التفكير لا يزال، إلى حد ‏بعيد، أسيرا لتنديدات متكررة رتيبة بأضرار النظام الرأسمالي والنيوليبرالي الذي أرسته ‏حقبة مارغريت ثاتشر في المملكة المتحدة، ورونالد ريغان في الولايات المتحدة ‏الأميركية. وذلك أن هذين القائدين هما اللذان دفعا آليات تحرير الأسواق إلى أقصى ‏مدى، ودشنا استقالة الدولة من دورها في الرقابة والضبط. وبالمقابل، لم تتردد بعض ‏المؤلفات ذات المحتوى الصائب في تركيز هجماتها باتجاه عالم المال في البورصات، ‏والخداع الذي تمارسه النماذج الرياضية التي غزت العالم المالي، والإيمان الساذج ‏بعصمة تلك النماذج. فهل من العبث إذن محاولة التفكير في إمكانية أن نضع قيد ‏العمل، آليات من شأنها كبح العولمة والسماح التدريجي بإعادة تنظيم فضاءات ‏اجتماعية اقتصادية تضمن مزيدا من التماسك والاستقرار لمختلف المجتمعات التي ‏تسببت فيها الكوارث والتغييرات السريعة والعنيفة الناجمة عن موجة عولمة الأسواق ‏وتحريرها في جميع أنحاء العالم؟ إن الأمر ملح مع أن غلاة أنصار العولمة ‏والمستسلمين لنظامها يعتبرون أنه لا جدوى من ذلك.‏
يرسم المؤلف بالخطوط الدقيقة خريطة الحجج وما يعاكسها في إطار النقاشات الحامية ‏الوطيس الدائرة اليوم بين أنصار العولمة وأنصار العولمة البديلة. ويحصر المسائل ‏المركزية التي تقوم عليها تلك النقاشات، وذلك عن طريق تعيين الافتراضات الفلسفية ‏التي تحركها. فالمسألة تتعلق بخلافات فلسفية قديمة مزقت تاريخ أوروبا، حتى إنها ‏شكلت عوامل حرب مخيفة، سواء أكان داخل المجتمعات الأوروبية أم فيما بين هذه ‏المجتمعات ذاتها.‏
لقد عانى الفكر الانتقادي من فقدان الثقة بسبب إخفاقات اشتراكية {الاتحاد السوفياتي} ‏وانهياره. أمّا النماذج البديلة التي مثلتها الصين وفيتنام وكوبا فإنها لم تشكل نماذج ‏تكفي جاذبيتها لتشكل مصدر إلهام للمدارس الفكرية التي تكونت لاحقا وكانت تنادي ‏بالعولمة البديلة، في وقت طوى فيه النسيان الفكر النقدي الذي كان في فترة سابقة موضع ‏تقدير بالغ في عالم الديمقراطيات الليبرالية، حين كانت المواجهة بين نظامين فلسفيين ‏واقتصاديين متناقضين من أجل السيطرة على العالم. لقد مهدت هذه الفترة للفترة التالية، ‏إذ إن انهيار أحد النظامين أتاح للآخر أن يجني لنفسه كل ما زُرع من قبل، ويستكمل ‏بسرعة مهمة {بسط العولمة} التي بدأت عام 1492 مع وصول كريستوفر كولومبوس ‏إلى أميركا.‏ لقد أدى انتصار النظام الليبرالي والرأسمالي على النظام التوجيهي المتسلط المتذرع ‏ببناء الاشتراكية إلى رضا ذاتي وقناعة عامين حقا، لا نزال تحت تأثيرهما على الرغم ‏من سلسلة من أدبيات انتقادية للعولمة تميزت في أغلب الأحيان بمستوى رفيع، ولم ‏تبرح النخبة الحاكمة للعالم تتجاهلها.‏
وفي هذا السياق الجديد، يُنظر إلى جميع الذين يريدون ممارسة الفكر الانتقادي على ‏أنهم مفكرون كئيبون وساخطون أبديون، لا تعيرهم وسائل الإعلام أي اهتمام، بينما ‏تأقلم التعليم والإعداد الجامعيان، والأبحاث الأكاديمية بصورة سريعة مع امتثالية الفكر ‏الجديدة. وقد شهد تعليم العلوم الإنسانية والاجتماعية انقلابا شاملا، وبخاصة تعليم ‏الاقتصاد، بالترافق مع ظهور كثرة من المدارس والمعاهد للتجارة وإدارة الأعمال. هكذا ‏تكون جيش من الشباب العاملين في سبيل {الإجمالية الاقتصادية} تحت سقف ‏إيديولوجيا نيوليبرالية ظافرة، عديمة الثقافة تنتج يقينيات متزمتة. فعمَّ العزوف عن ‏التفكير في مستقبل مغاير أو في حلول مبتكرة للمشكلات المجتمعية الكبرى، وأصبح ‏أوسع أفق للنقاش هو في مشكلات البيئة والاحتباس الحراري، ثم يقفل النقاش على كل ‏ما تبقى من قضايا بذريعة وجود نظام ليبرالي وديمقراطي أثبت تفوقه على سواه، فلماذا ‏البحث، إذن، عن مشكلة لا وجود لها والمحافظة على أوهام فتاكة إلى ما لا نهاية؟ ‏فوفقا لوجهة نظر النيوليبراليين المتعصبة، تكون أي عودة إلى جعل الدولة محركا ‏للتغيير مجددا، سبيلا يشرع الباب حتما أمام شبح النظام الشمولي.‏
تحت عنوان {تعاليم تجربة مكتسبة، على هامش السلطة المعولمة} يستعيد المؤلف ‏بعض التحليلات التي كتبها منذ عقدين لفضح ما كان قد بدأ يظهر في فترة بسط فيها ‏الاقتصاد النيوليبرالي الظافر هيمنته المتعاظمة على النظام الاقتصادي العالمي. ‏ومحاضرته الشهيرة في معهد دراسات التنمية الجامعي عام 1996 التي بين فيها ‏أهمية إنشاء الآليات المولدة لأشكال مختلفة من الإثراء ذي الطابع الريعي التي ليس ‏لها أي علاقة بالتقدم المنجز في الاقتصاد الحقيقي، والتي رثى فيها {المعاني الضائعة} ‏للاقتصاد السياسي بفعل اجتياح النماذج الرياضية لجميع فروع المعرفة الاقتصادية. ‏وتجربته كوزير مالية في لبنان 1998-2000. كما يفرد فصلا يتحدث فيه عن التحول ‏المخيف لنظم تعليم الاقتصاد تحت عنوان {الاقتصاد: سياسي أم علمي؟}.‏
كتاب علمي لا يقبل الاختزال، فلكل كلمة موقعها، وكل فكرة تتماسك بسابقتها ولاحقتها ‏وتطالب بإعادة التفكير فيها من جديد وإعادة التشكيل كي تكون الحاضنة لعالم جديد. ‏



الاتحاد الأوروبي: يجب الحفاظ على سلامة أراضي مملكة الدنمارك

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي: يجب الحفاظ على سلامة أراضي مملكة الدنمارك

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)

​قال أنور العنوني، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، الاثنين، إنه ‌يجب ‌الحفاظ ‌على سلامة ⁠أراضي ​مملكة ‌الدنمارك وسيادتها بما في ذلك غرينلاند، مؤكداً أن هذا الموقف ثابت ⁠منذ سنوات؛ ‌وذلك رداً على سؤال حول تعيين الولايات المتحدة مبعوثاً خاصاً إلى غرينلاند.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ​العنوني: «الحفاظ على سلامة أراضي ⁠مملكة الدنمارك وسيادتها وعدم المساس بحدودها أمر أساسي بالنسبة للاتحاد الأوروبي».


إيطاليا تغرّم «أبل» 115 مليون دولار لاستغلال هيمنتها على متجر التطبيقات

شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
TT

إيطاليا تغرّم «أبل» 115 مليون دولار لاستغلال هيمنتها على متجر التطبيقات

شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)
شعار الشركة الأميركية متعددة الجنسيات «أبل» وسط ميلانو (أ.ف.ب)

أعلنت هيئة المنافسة الإيطالية، يوم الاثنين، أنها فرضت غرامة قدرها 98.6 مليون يورو (115.53 مليون دولار) على عملاق التكنولوجيا الأميركي «أبل» واثنين من فروعها، بتهمة إساءة استخدام موقعها المهيمن في سوق تطبيقات الهواتف المحمولة.

وقالت الهيئة إن المجموعة انتهكت، على ما يبدو، القواعد الأوروبية المنظمة لمتجر تطبيقات «أبل»؛ حيث تتمتع بهيمنة شبه مطلقة في تعاملها مع مطوري التطبيقات من الأطراف الثالثة. وكانت الهيئة قد فتحت تحقيقاً مع الشركة في مايو (أيار) 2023، متهمة إياها بمعاقبة مطوري تطبيقات الطرف الثالث من خلال فرض «سياسة خصوصية أكثر تقييداً» عليهم اعتباراً من أبريل (نيسان) 2021، وفق «رويترز».

وأفادت شركة «أبل»، في بيان رسمي، بأنها ترفض رفضاً قاطعاً قرار الهيئة، معتبرة أنه يتجاهل الضمانات الأساسية والجوهرية لحماية الخصوصية التي توفرها ميزة «شفافية تتبع التطبيقات (إيه تي تي)».

وقالت هيئة المنافسة الإيطالية إن «أبل» اشترطت على مطوري تطبيقات الطرف الثالث الحصول على موافقة صريحة من المستخدمين لجمع البيانات وربطها لأغراض إعلانية، وذلك عبر نافذة «إيه تي تي» التي فرضتها الشركة.

وأضافت الهيئة، في بيانها، أن «شروط سياسة (إيه تي تي) فُرضت بشكل أحادي، وأضرت بالمصالح التجارية لشركاء (أبل)، كما أنها لا تتناسب مع هدف حماية الخصوصية الذي تدعي الشركة تحقيقه»، مؤكدة أن هذه الممارسات لا تتوافق مع لوائح الخصوصية المعمول بها.

وأشارت الهيئة إلى أن المطورين أُجبروا كذلك على تكرار طلبات الموافقة من المستخدمين لنفس الأغراض، ما زاد من القيود المفروضة عليهم.

من جانبها، أوضحت «أبل» أن نظام «إيه تي تي» صُمم «لمنح المستخدمين وسيلة واضحة وبسيطة للتحكم فيما إذا كانت الشركات تستطيع تتبع أنشطتهم عبر التطبيقات والمواقع الإلكترونية الأخرى»، مؤكدة أن القواعد تُطبق بالتساوي على جميع المطورين، بمَن فيهم «أبل» نفسها.

وأكدت الشركة أنها ستطعن في قرار الهيئة التنظيمية، مجددة التزامها «بالدفاع عن حماية قوية وفعالة لخصوصية المستخدمين».

بدورها، أوضحت هيئة المنافسة وحماية المستهلك الإيطالية أن التحقيق كان معقداً، ونُفذ بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية وهيئات دولية أخرى معنية بمكافحة الاحتكار.


«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
TT

«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)

تعمل روسيا على تطوير سلاح جديد مضادّ للأقمار الاصطناعية، صُمّم خصيصاً لاستهداف منظومة «ستارلينك» التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، وفق ما أفادت تقارير استخباراتية صادرة عن دولتين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

وبحسب وثائق اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس»، يهدف السلاح، المعروف باسم «سلاح تأثير المنطقة»، إلى إغراق مدارات أقمار «ستارلينك» بمئات الآلاف من المقذوفات عالية الكثافة.

وقد يسمح هذا النوع من الأسلحة بتعطيل عدد كبير من الأقمار الاصطناعية دفعة واحدة، لكنه ينطوي في الوقت ذاته على مخاطر أضرار جانبية كارثية قد تطال أنظمة فضائية أخرى عاملة في المدار.

وتشير التقارير إلى أن الهدف من هذا التطوير يتمثل في الحد من التفوق الغربي في الفضاء، الذي لعب دوراً محورياً في دعم أوكرانيا ميدانياً خلال الحرب الجارية.

غير أن محللين لم يطّلعوا على هذه المعطيات تحديداً أعربوا عن تشككهم، متسائلين عمّا إذا كان يمكن نشر مثل هذا السلاح من دون التسبب في فوضى غير قابلة للسيطرة في الفضاء. وأشاروا إلى أن هذه الفوضى قد تطال ليس فقط جهات غربية، بل أيضاً شركات ودولاً، من بينها روسيا وحليفتها الصين، التي تعتمد على آلاف الأقمار الاصطناعية في المدار لتأمين الاتصالات والدفاع واحتياجات حيوية أخرى.

وأضاف المحللون أن التداعيات الكبيرة المحتملة، بما في ذلك المخاطر التي قد تهدد أنظمة روسيا الفضائية نفسها، قد تشكّل في نهاية المطاف عامل ردع لموسكو يحول دون نشر هذا السلاح أو استخدامه.

وقالت فيكتوريا سامسون، المتخصصة في أمن الفضاء في مؤسسة «العالم الآمن»، التي تشرف على الدراسة السنوية للمنظمة حول أنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية: «لا أقتنع بهذا الطرح إطلاقاً... حقاً لا أصدّقه». وأضافت: «سأُفاجأ كثيراً، بصراحة، إذا أقدموا على خطوة من هذا النوع».

في المقابل، قال قائد قسم الفضاء في الجيش الكندي، البريغادير جنرال كريستوفر هورنر، إن احتمال العمل الروسي على مثل هذه القدرات لا يمكن استبعاده، في ضوء اتهامات أميركية سابقة أفادت بأن موسكو تسعى أيضاً إلى تطوير سلاح نووي فضائي عشوائي التأثير.

وأضاف هورنر: «لا أستطيع القول إنني اطّلعت على إحاطة بشأن هذا النوع من الأنظمة، لكنه ليس أمراً غير قابل للتصديق». وتابع: «إذا كانت التقارير المتعلقة بالسلاح النووي دقيقة، وإذا كانوا مستعدين لتطويره والذهاب إلى هذا الحد، فلن يكون مفاجئاً بالنسبة لي أن يكون لديهم ضمن نطاق تطويرهم ما هو أدنى من ذلك قليلاً، لكنه لا يقل ضرراً عنه».

ولم يردّ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على طلبات وكالة «أسوشييتد برس» للتعليق. وكانت روسيا قد دعت في السابق إلى جهود داخل الأمم المتحدة لمنع نشر الأسلحة في المدار، في حين قال الرئيس فلاديمير بوتين إن موسكو لا تنوي نشر أسلحة نووية في الفضاء.

سلاح يستهدف عدة أهداف

وعُرضت النتائج الاستخباراتية على وكالة «أسوشييتد برس» بشرط عدم الكشف عن هوية الأجهزة المعنية، في حين لم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من خلاصات هذه النتائج.

ولم تردّ قوة الفضاء الأميركية على الأسئلة التي وُجّهت إليها عبر البريد الإلكتروني. ومن جهتها، قالت قيادة الفضاء في الجيش الفرنسي، في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»، إنها لا تستطيع التعليق على هذه النتائج، لكنها أضافت: «يمكننا أن نؤكد أن روسيا كثّفت في السنوات الأخيرة أنشطة غير مسؤولة وخطِرة، بل عدائية، في الفضاء».

تشير النتائج الاستخباراتية إلى أن روسيا ترى منظومة «ستارلينك» على وجه الخصوص تهديداً خطيراً. وقد لعبت آلاف الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض دوراً محورياً في صمود أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الشامل، الذي يدخل عامه الرابع.

ويُستخدم الإنترنت عالي السرعة الذي توفره «ستارلينك» من قبل القوات الأوكرانية في الاتصالات الميدانية وتوجيه الأسلحة ومهام أخرى، كما يعتمد عليه المدنيون والمسؤولون الحكوميون في المناطق التي تضررت فيها الاتصالات جراء الضربات الروسية.

وكان مسؤولون روس قد حذّروا مراراً من أن الأقمار الاصطناعية التجارية التي تخدم الجيش الأوكراني قد تُعدّ أهدافاً مشروعة. وقالت روسيا هذا الشهر إنها نشرت نظاماً صاروخياً أرضياً جديداً من طراز «إس-500»، قادراً على استهداف أهداف في المدار المنخفض.

وبخلاف صاروخ اختبرته روسيا عام 2021 لتدمير قمر اصطناعي متوقف عن العمل يعود إلى حقبة الحرب الباردة، فإن السلاح الجديد قيد التطوير يهدف، بحسب النتائج الاستخباراتية، إلى استهداف عدة أقمار لـ«ستارلينك» في آن واحد، عبر مقذوفات قد تُطلقها تشكيلات من أقمار اصطناعية صغيرة لم تُطلق بعد.

وقال هورنر إنه من الصعب تصور كيفية حصر سحب المقذوفات لاستهداف «ستارلينك» فقط، محذراً من أن الحطام الناتج قد يخرج «عن السيطرة بسرعة».

وأضاف: «تفجير حاوية مليئة بكرات معدنية صغيرة سيغطي نظاماً مدارياً كاملاً، وسيقضي على كل أقمار (ستارلينك) وكل الأقمار الأخرى الموجودة في المدار نفسه. وهذا هو الجانب المقلق للغاية».

نظام قد يكون تجريبياً

ولم تحدد النتائج التي اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس» موعداً محتملاً لامتلاك روسيا القدرة على نشر هذا النظام، كما لم توضح ما إذا كان قد خضع للاختبار، أو إلى أي مرحلة وصل البحث والتطوير.

وقال مسؤول مطّلع على النتائج وعلى معلومات استخباراتية أخرى لم تُكشف للوكالة، إن النظام قيد التطوير النشط، وإن تفاصيل توقيت نشره المتوقّع شديدة الحساسية ولا يمكن مشاركتها. وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته.

ورجّحت سامسون أن تكون هذه الأبحاث الروسية ذات طابع تجريبي فحسب. وقالت: «لا أستبعد أن يعمد بعض العلماء إلى تطوير فكرة كهذه باعتبارها تجربة فكرية مثيرة، على أمل أن يتمكنوا يوماً ما من إقناع حكومتهم بتمويلها». وأضافت سامسون أن التلويح بتهديد روسي جديد محتمل قد يكون أيضاً محاولة لاستدراج رد فعل دولي.

وقالت سامسون: «غالباً ما يروّج أصحاب هذه الأفكار لها؛ لأنهم يريدون من الجانب الأميركي تطوير قدرات مماثلة، أو لتبرير زيادة الإنفاق على قدرات مواجهة التهديدات الفضائية، أو لاعتماد نهج أكثر تشدداً تجاه روسيا». وأضافت: «لا أقول إن هذا ما يحدث في هذه الحالة تحديداً، لكن من المعروف أن بعض الأطراف تستخدم مثل هذه الطروحات المتطرفة لتحقيق أهدافها».

مقذوفات صغيرة قد تمرّ دون رصد

وتشير النتائج الاستخباراتية إلى أن المقذوفات ستكون صغيرة جداً، لا يتجاوز حجمها بضعة مليمترات، ما قد يمكّنها من الإفلات من أنظمة الرصد الأرضية والفضائية التي تراقب الأجسام في الفضاء، الأمر الذي قد يصعّب تحديد الجهة المسؤولة عن أي هجوم وربطه بموسكو.

وقال كلايتون سووب، المتخصص في أمن الفضاء والتسلّح في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن «عدم القدرة على تتبّع المقذوفات سيعقّد الأمور»، لكنه أضاف أن «الناس سيتمكنون في النهاية من استنتاج ما حدث». وتابع: «إذا بدأت الأقمار الاصطناعية تتعطّل وتتضرر، فمن السهل ربط النقاط».

ولا يزال حجم الدمار الذي قد تُحدثه هذه المقذوفات الصغيرة غير واضح. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) كان اصطدام يُشتبه بأنه ناجم عن قطعة صغيرة من الحطام كافياً لإلحاق أضرار بمركبة فضائية صينية كانت مخصّصة لإعادة ثلاثة رواد فضاء إلى الأرض.

وقال سووب إن «الضرر الأكبر سيصيب على الأرجح الألواح الشمسية؛ لأنها الأكثر هشاشة»، مضيفاً أن ذلك «قد يكون كافياً لإلحاق أذى بالقمر الاصطناعي وإخراجه من الخدمة».

«سلاح ترهيب» يهدد بفوضى فضائية

ويرى محللون أن المقذوفات والحطام الناتج عن أي هجوم من هذا النوع قد يعودان تدريجياً نحو الأرض، ما قد يعرّض أنظمة فضائية أخرى للخطر أثناء سقوطهما.

وتدور أقمار «ستارلينك» على ارتفاع يقارب 550 كيلومتراً فوق سطح الأرض، في حين تعمل محطة «تيانغونغ» الصينية الفضائية ومحطة الفضاء الدولية في مدارات أدنى، «ما يعني أن كلتيهما ستواجه مخاطر محتملة»، وفق سووب.

وأضاف أن الفوضى الفضائية التي قد يتسبب فيها مثل هذا السلاح قد تمكّن موسكو من تهديد خصومها من دون الحاجة إلى استخدامه فعلياً. وقال: «يبدو الأمر وكأنه سلاح ترهيب، يُستخدم للردع أو لإيصال رسالة معينة».

من جهتها، رأت سامسون أن العيوب الكبيرة لسلاح المقذوفات العشوائي قد تدفع روسيا في نهاية المطاف إلى العدول عن هذا المسار.

وقالت سامسون: «لقد استثمروا قدراً هائلاً من الوقت والمال والموارد البشرية ليصبحوا قوة فضائية». وأضافت أن استخدام مثل هذا السلاح «سيؤدي فعلياً إلى قطع الوصول إلى الفضاء عنهم أيضاً»، متسائلة: «لا أعلم ما إذا كانوا مستعدين للتضحية بكل ذلك».