وحش فرانكنشتاين لا يزال معاصرنا

مائتا عام على كتابة الرواية

لقطة من فيلم «فرانكنشتاين»
لقطة من فيلم «فرانكنشتاين»
TT

وحش فرانكنشتاين لا يزال معاصرنا

لقطة من فيلم «فرانكنشتاين»
لقطة من فيلم «فرانكنشتاين»

اسم «فرانكنشتاين» تحول إلى رمز عالمي للتعبير عن كل ما يبدعه البشر من دون ضوابط أخلاقية وينتهي إلى الخروج التام عن السيطرة
هي تمامًا مائتا عام تلك التي مضت منذ كتبت الإنجليزية ماري وولستونكرافت جودوين قصة «فرانكنشتاين»، الرواية التي تحولت إلى عمل أدبي كلاسيكي ثم أعيد طبعها عشرات المرات في عشرات اللغات، لتستمر عبر القرون في طرح تساؤلات عميقة كبرى عن العلاقة بين البشر والطبيعة وعن العلم والأخلاق والخوف والموت. بل إن الرموز التي تعرضها الرواية في سياق السرد الأدبي ما زالت تبدو رموزًا شديدة المعاصرة، تكفي لدفع علماء اليوم للتفكر في شكل علاقتهم بالحياة والطبيعة والوجود ذاته. فما هي قصة هذه الرواية التي لم يغلبها الزمن وما سر خلودها؟
في عام 1816 تزوجت البريطانية ماري جودوين من الشاعر بيرسي شيللي (ولذا باتت تعرف بماري شيللي) وذهبت للعيش معه في إيطاليا. في ذاك العام ذهب العروسان في رحلة إلى جنيف برفقة صديقهما الشاعر اللورد بايرون وسهرا هناك مع مجموعة من معارفهم في ليلة ممطرة مكفهرة، فقرروا - قتلا للملل - قضاء الوقت بقص حكايات أبطالها أشباح تثير الرعب انسجاما مع الأجواء المكفهرة. نامت ماري ليلتها تحلم بما سمعته ثم استيقظت ترتجف خوفا من بشاعة كابوس أظلم ليلها. «لقد وجدتها، ما قد أرعبني لا بد أنه سيرعب الآخرين أيضًا» وشرعت من فورها في كتابة رائعتها «فرانكنشتاين» التي نشرت في لندن بعد عامين محققة نجاحًا باهرًا لا نظير له، إذ غدت نموذجًا عالمي الانتشار عن تقاطع العلاقة بين العلم والأخلاق، وما لبثت أن تحولت إلى ظاهرة ثقافية تمظهرت بأشكال متنوعة مطبوعة ومرسومة وسينمائية (لعب دور الوحش الفنان المعروف بوريس كارلوف، متقمصا الشخصية لدرجة الالتصاق الحاد بها، ليصبح صورة وحش فرانكنشتاين الأشهر).
الرواية - التي قد تكون مستوحاة حقيقة من حياة العالم المشعوذ غريب الأطوار يوهان كونراد ديبيل - تروي قصة شخصية أطلق عليها اسم الدكتور فيكتور فرانكنشتاين، العالم الكئيب الذي جذبته العلوم الحديثة في أيام يفاعته فالتحق بالجامعة لينتهي به الحماس إلى الانزواء في مختبره لاهثا وراء إجراء تجارب في مساحة التقاطع بين العلوم المختلفة من كيمياء وتشريح وكهرباء أدت إلى إطلاق وحش هائل - لم يعرف له اسم في الرواية الأصلية، فتسمية الوحش بفرانكنشتاين خطأ شائع إذ هو اسم الدكتور بطل الرواية الأب الروحي للوحش -. وتتابع الرواية بعدها انفلات ذلك الوحش دون قيود، للعبث بحياة البشر الذين كانوا حول الدكتور فيكتور فرانكنشتاين مدمرًا له في النهاية كل ما يعنيه في الوجود.
أصبح فرانكنشتاين رمزًا لفضاء التقاطع بين العلم والأخلاقيات، ولكل انفلات ينتج عن الخيارات اللامسؤولة التي قد يقدم عليها العلماء في إطار سعيهم الذي لا ينتهي لمد حدود المعرفة إلى مناطق أبعد. وقد نشأ حول هذا الرمز العجيب تجمع معاصر من المهتمين بهذه الشخصية كظاهرة فكرية عميقة تضم في صفوفها علماء وأساتذة اجتماع وفلاسفة ومؤرخين وسينمائيين وأدباء من بلاد مختلفة، نظموا عنه مؤتمرًا هذا العام تحت عنوان «في ظلال فرانكنشتاين»، ناقشوا فيه قضايا وتجارب علماء معروفين في مجال أخلاقيات علم البيولوجيا - الأحياء - وتحدث فيه عمدة كامبردج فقال إنه «يخشى أن علماء تطبيقات الأحياء المتقدمة قد تحول معظمهم بالفعل إلى فيكتور فرانكنشتاين، فاهتمامهم ليس منصبًّا على رفاه الإنسان بقدر ما هو شغفهم بالاستمرار بدفع حدود العلم أبعد فأبعد». وليس علماء تطبيقات الأحياء وحدهم المتهمين بالفرانكنشتاينية، بل ومعهم أيضًا مهندسو الزراعة وأطباء التلقيح الاصطناعي ورواد زراعة الأعضاء البشرية وخبراء التحكم بالبيئة والهندسة الجيولوجية.
وقد رويت طرفة في المؤتمر عن أن لويس واشكانسكي أول من تلقى قلبًا مزروعًا من البشر قال: «أنا فرانكنشتاين جديد» بالطبع كان يقصد الوحش الذي صنعه الدكتور فيكتور فرانكنشتاين نتيجة تجاربه.
الحقيقة أن اسم «فرانكنشتاين» تحول إلى رمز عالمي للتعبير عن كل ما يبدعه البشر من دون ضوابط أخلاقية وينتهي إلى الخروج التام عن السيطرة، وقد استخدم على نطاق واسع في الصحافة الأميركية في القرن التاسع عشر للحديث عن خطورة تحرير العبيد معتبرين أنهم بمثابة وحوش لا يمكن التكهن بما يمكن أن تقدم عليه بعد تحريرها. وحديثًا، أُتهم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق على غلاف جريدة «الصن» البريطانية في عام 1999 بأنه وحش - رئيس حكومة ووضعت صورته على الغلاف في شخصية وحش فرانكنشتاين وذلك في أجواء أزمة الأغذية المعدلة وراثيًا التي وصفت بكونها «أغذية فرانكشتانية» وغير ذلك الكثير مما ورد في الصحافة الشعبية الغربية.
في العالم العربي ترجمت الرواية مبكرًا واطلعت عليها أجيال كثيرة، وقد استعار الروائي العراقي أحمد السعداوي الرمز كعنوان لروايته «فرانكنشتاين في بغداد»، الفائزة بجائزة «بوكر» للرواية العربية، ليتحدث عن قدرة الخوف على صنع وحوش العنف وانفلاتها فيما بعد من السيطرة وتحولها إلى مآسٍ حتى لصانعيها، وذلك في أجواء الصراعات الأهلية التي عاشها العراق منذ 2003.
المطلع على قضايا أخلاقيات العلوم يعلم مدى دقة معظم التشبيهات الفرانكشتانية هذه. ومن ذلك فضيحة دراسة توسكيجي عن مرض السفلس عندما نقل علماء أميركيون المرض لأصحاء دون رضاهم بغرض إجراء التجارب، وهو ما أدين لاحقًا بوصفه هرطقة بالغة، رغم دفاع البعض عنهم بأن غرضهم كان الصالح العام. وقد ابتدع الفيلسوف الفرنسي برونو لاتور تحليلاً متقدمًا للدروس المستفادة من الفكرة الفرانكشتانية، فجعل الأمر مرتبطًا أكثر بحاجتنا لحماية الوحوش التي نصنعها بدلاً من الاكتفاء بالامتناع عن صنعها، لأن استكشاف حدود العلم هو فقط ما سوف يكسر الجدران ويمكن البشرية من الانتقال إلى مستويات أرقى من المعرفة والسيطرة على العالم.
واحتفالاً بمرور المئتي سنة على كتابة الرواية هنالك خطط لإصدار طبعات خاصة من الكتاب وربما نسخة فيلم جديد وكوميكس وعقد مؤتمر جديد حول شخصية فرانكنشتاين، إضافة إلى أن مجموعة من متاحف العلوم الرئيسة في بريطانيا والولايات المتحدة وحول العالم تخطط لمروحة واسعة من الأنشطة كما العروض التي تتمحور ثيمتها حول «فرانكنشتاين - الوحش»، أحدها مثلا سيسمح للزائرين بإطلاق رجال آليين من تجميعهم، ومن ثم يبدأ هؤلاء الآليون بنشاطات قد يدر بعضها عوائد وهنا تبدأ الأسئلة المحورية للجمهور عن مسؤولية المبدع عن إنتاجه وهل من حقه مثلاً أن يحصل على الجوائز التي فاز بها رجاله الآليون وماذا لو تسبب هؤلاء بمأساة؟
فرانكنشتاين رواية هائلة ليس فقط كسرد ممتع مذهل ومشوق فحسب بل أساس لقدرتها على طرح الأسئلة الصعبة، وهذا بالذات قد يكون سر ديمومة هذه الرواية وسر إحساسنا الدائم جيلاً بعد جيل، بأن الدكتور فيكتور فرانكنشتاين والوحش - كلاهما - أصدقاء معاصرون، يعيشون بيننا في مختبر ما في إحدى المدن الضائعة في هذا الكوكب المتردد أبدًا بين السعادة والخوف وبين الحياة والموت.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.